حالة من الشد والجذب لا تنتهي بين قطبي الصحة في مصر منذ تشكيل مجلس النقابة الجديد، وتعين الدكتورة هالة زايد وزيرة للصحة، مواقف عديدة كان الرأي العام شاهد عيان في أغلبها، ووصل بعضها إلى ساحات القضاء والنائب العام.
ويأتي الخلاف في إطار صدامات متعاقبة بين الجهتين، من بينها رفض النقابة في يونيو الماضي، مخططاً لوزارة الصحة بزيادة أعداد المقبولين بكليات الطب، لسد العجز في أعداد الأطباء في المستشفيات التابعة للدولة، وكذلك مطالب بتحسين ظروف العمل، وإصلاح المنظومة الصحية مالياً وإدارياً.
إلى جانب الأزمات التي استجدت مع بداية العام الجاري والتي شملت :”أزمة تكليف الأطباء، مستشفى العزل بمطروح، حادث طبيبات المنيا” وأخيرا السجال الدائر بين النقابة والوزارة بسبب وضع الأطباء داخل المستفيات في ظل أزمة جائحة كورونا”.
” أزمة قطبي الصحة” في ظل الجائحة
مع تزايد سقوط الأطباء بين مصابين وحالات وفاة بسبب انتشار فيروس كورونا في المستشفيات، اشتعلت أزمة بين نقابة الأطباء ومسؤولي وزارة الصحة، بسبب البروتوكول العلاجي الجديد الذي أعلنته الوزارة لعلاج فيروس كورونا المستجد.
واستنجدت نقابة الأطباء قبل يومين بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتغيير تعليمات وزارة الصحة بشأن بروتوكول إجراءات فحص المخالطين من أعضاء الفريق الطبي للمصابين بفيروس كورونا، مؤكدين أن الأطباء هم حائط الصد الأول لمواجهة كورونا وفقدوا كثيراً من الضحايا نتيجة مخالطة المرضى، وبدلاً من اتخاذ مزيد من إجراءات الحماية للأطباء وباقي الفريق الطبي، فاجأت وزارة الصحة الجميع بتعديل بروتوكول إجراءات الفحص ومسحات المخالطين من أعضاء الفريق الطبي.
اشتعلت الأزمة مؤخرا وتصاعدت، بعدما تقدم عدد من الأطباء بشكاوى إلى النقابة العامة بعد صدور منشور الإدارة العامة لمكافحة العدوى بتاريخ 12 مايو الماضي.
وأبدى عددا كبير من الأطباء غضبهم على ذلك البروتكول عبر موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك، حيث تتضمن البروتكول أنه في حال ظهور حالات إيجابية بين أفراد الطاقم الطبي فلا يتم أخد مسحات من المخالطين، وأنه غير مصرح بعزل المخالطين سواء في المنزل أو بجهة العمل، وأن يقوم العاملون بعمل تقييم ذاتي لأنفسهم.
وازدادت الأزمة اشتعالا مع وصول عدد الضحايا بين الأطباء إلى أكثر من 230 طبيباً، من بينهم 11 وفاة وفقا لتقديرات نقابة الأطباء.
أزمة مستشفى النجيلة على باب النائب العام
في منتصف فبراير الماضي، أعلنت وزارة الصحة عن تدريب بمرتبات مجزية في مستشفى النجيلة بمحافظة مطروح، دون الإعلان عن انها مستشفى للعزل الأمر الذي اعتبره إيهاب طاهر الأمين العام لنقابة الأطباء خداع للإطباء.
وفي تصريح صحفي اتهم الأمين العام لنقابة الأطباء، وزارة الصحة بخداع أطباء بالتدريب بمرتبات مجزية فى محافظة مطروح ثم اكتشفوا أنهم سيعالجون العائدين من الصين والمحتمل إصابتهم بفيروس كورونا الجديد.
وأشار إلى أن قيام وزارة الصحة بهذا الأمر تبعه إجبار الأطباء على عدم الخروج من المستشفى المخصص لذلك قبل أن ينتشر الأمر إعلاميا، ما دفع الوزارة لتركهم للعودة مرة أخرى.موضحا أن الوزارة لم تخبر الأطباء قبل ذهابهم، بالإضافة إلى عدم تدريبهم على تنفيذ ذلك، يعتبر جزء من الإهمال الإداري- وفقا لقوله.
من جهتها تقدمت وزارة الصحة ببلاغ للنائب العام، ضد نقابة الأطباء، متهمة إياها بارتكاب “مخالفات من شأنها تكدير الأمن العام باختلاق الأكاذيب”، وهو البلاغ الذي وصفته النقابة بـ”الكيدي”.
واتهمت وزارة الصحة نقابة الأطباء بتضليل وتحريض أعضائها على عدم الاستجابة لمناشدة وزارة الصحة للأطباء بالتقدم لتلقي التدريب على كيفية التعامل مع أي حالات محتملة للإصابة بالكورونا والتأثير على بعض المتدربين، مما تسبب في تراجع البعض عن الموافقة على الالتحاق بالحجر الصحي المخصص للعائدين من دولة الصين، بعد انتهاء التدريب، موضحة أن ما قامت به النقابة أدى إلى إهدار المال العام وضياع مخصصات التدريب هباءً.
حادث طبيبات المنيا يزيد الصراع بين الوزارة والنقابة
فى منتصف يناير الماضي، وقع حادث سير لمجموعة من الطبيبات أثناء توجههن إلى القاهرة لحضور دورة تدريبية فى أكاديمية الأميرة فاطمة، ما أسفر عن وفاة 3 طبيبات وإصابة الأخرين.
وطالبت النقابة وقتها بضرورة أن تعقد التدريبات بجميع المحافظات، وفي حالة ضرورة الانتقال من محافظة لأخرى يجب على جهة الإدارة توفير وسيلة نقل آمنة.
وتقدمت النقابة ببلاغين الأول موجه إلى النائب العام تحت رقم 3562-عرائض النائب العام، والثاني موجه إلى المستشار عصام الدين محمد المنشاوي، رئيس هيئة النيابة الإدارية، حمل رقم 3440 لسنة 2020.
وحملت نقابة أطباء المنيا، الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة مسئولية الحادث، وطالبوا بإقالتها بعد استجوابها مرة ثانية فى البرلمان، حيث كشفت النقابة الفرعية عن تواصلها مع أعضاء بمجلس النواب لعمل استجواب عاجل ضد الوزيرة.
وبسبب موقف النقابة من حادث طبيبات المنيا، اتهمت وزارة الصحة فى بلاغها الذي كانت قدمته إلى النائب العام، ضد بعض كوادر النقابة، بتعمد تأجيج الرأي العام، وتوجيه التهم لمسئولي الوزارة بالتسبب فى حادث الطبيبات، إلى جانب اتهام مسئولي الوزارة بالتعسف الإداري ضد أي طبيبة.
وكان الدكتور محمد عبد الحميد، أمين صندوق نقابة الأطباء، قد صرح إن النقابة لم يصلها أي إخطار رسمي بخصوص هذا البلاغ، لافتا في تصريحات إعلامية إلى أن «البلاغ بصيغته المنشورة لا يتضمن تهماً حقيقية للنقابة»، خاصة أن «الوزارة جهة تنفيذية والنقابة مجتمع مدني».
” تكليف الأطباء” معركة تقودها النقابة.. والصحة تتهمهم باثارة الرأي العام
التكليف الجديد للأطباء، كان أحد المواقف الذي جمع بين قطبي الصحة في صدام جديد، فبعد إعلان الوزارة اعتزامها تطبيق نظام جديد لتكليف الأطباء والزمالة المصرية، يتضمن إلحاق الأطباء بالزمالة المصرية جنبًا إلى جنب مع مدة تكليفهم، أعلنت النقابة رفضها لهذا النظام مؤكدة أنه لن يحل العجز بأعداد الأطباء، بل سيؤدى إلى وجود عجز يصل إلى 75% بالوحدات الصحية فى العام الأول.
ورفع مجلس نقابة الأطباء دعوى قضائية ضد وزيرة الصحة، حملت رقم 6927 لسنة74 شق عاجل لوقف تنفيذ تطبيق النظام الجديد للتكليف -بصفة مستعجلة – مع إلزام الوزيرة بتكليف الدفعة التكميلية طبقا للنظام المعمول به منذ سنوات (قرار 65 لسنة 2007 )، وذلك لحين دراسة النظام الجديد من جميع الأوجه لتلافي أي معوقات تؤثر سلبا علي المنظومة الصحية بمصر، كما خاطبت النقابة المهندس مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، لطلب تأجيل تطبيق نظام التكليف الجديد لحين دراسته دراسة دقيقة، تتناسب مع أهمية ومحورية الخدمة الصحية.
الدكتور ايهاب الطاهر الأمين العام لنقابة الأطباء يعلق على الأمر قائلا:” نعلم جميعا أن 75% من أطباء التكليف الجدد قد امتنعوا عن التسجيل بحركة التكليف طبقا للنظام الجديد الذى وضعته الوزارة نظرا لوجود العديد من السلبيات بهذا النظام والذى كشفه تطبيق النظام فعلا على الدفعة التكميلية السابقة ، وبالتالى طلب الاطباء تكليفهم على النظام القديم المتعارف عليه، لحين إعادة دراسة جميع تفاصيل وسلبيات النظام الجديد بهدوء ودقة ووضع حلول فعلية لها”.
وأعلنت وزارة الصحة أمس الثلاثاء، عن تكليف الأطباء الذين لم يتقدموا لحركة التكليف، يوم السبت المقبل وذلك طبقا لرغبتهم كالتالى :
الاول: تكليف الأطباء فى أحدى التخصصات الطبية مع إلحاقهم ببرنامج الزمالة المصرية فور استلامهم التكليف.
الثاني: يتم تكليف الطبيب “ممارس عام” بمستشفيات وزارة الصحة والسكان، طبقا لاحتياجات الوزارة فى إطار خطتها لمواجهة فيروس كورونا، وذلك لمدة عامين، على أن يتم السماح لمن يرغب للتقدم للزمالة المصرية فى مختلف التخصصات بعد عام من العمل الفعلي.
وعلق على القرار الأمين العام قائلا:” الأمر غير واضح ولا الحكم من مجرد عنوان بدون تفاصيل، وبالتالى مطلوب من وزارة الصحة إعلان جميع التفاصيل بدقة حتى يمكن دراستها قبل إعلان أى رأى رسمى بخصوص هذا القرار”.
تسرب الأطباء للخارج
دقت نقابة الأطباء ناقوس الخطر عدة مرات حول هجرة الأطباء من مصر بحثا عن فرصة عمل أفضل بسب تدني رواتبهم داخل قطاع الصحة في مصر، وشهد عام 2019 استقالة نحو 4200 طبيب من العمل في مستشفيات الحكومة؛ بسبب ضعف رواتبهم وسوء بيئة العمل وتعرضهم للكثير من الاعتداءات.
واعتبرت النقابة أن رواتب أعضائها لا تكفي احتياجاتهم الأساسية، رغم المتاعب التي يواجهونها، بالإضافة إلى حصولهم على بدل عدوى ضعيف يبلغ 19 جنيها، رغم تعرضهم الدائم لخطر العدوى والأمراض.
وخاضت النقابة معركة في أوساط المحاكم والقضايا؛ للمطالبة برفع قيمة بدل العدوى، حتى صدر حكم محكمة القضاء الإداري في نوفمبر 2015 بإلزام وزارة الصحة بزيادة بدل العدوى الأطباء إلى 1000 جنيه، و قضت المحكمة الإدارية العليا العام الماضي، بقبول الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة، وكيلة عن مجلس الوزراء، بوقف تنفيذ وإلغاء حكم القضاء الإداري الصادر بإلزام الحكومة بزيادة بدل عدوى الأطباء، وعدم قبول الدعوى التي أقيمت لزيادته أمام محكمة القضاء الإداري.
صراع وهمي بين الصحة والنقابة يضر بالمنظومة الصحية
يرى الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام لنقابة الأطباء أن الأزمة بين وزارة الصحة وبين نقابة الأطباء تتلخص في تجاهل وزارة الصحة الدائم والمتعمد تجاه المقترحات والمطالبات التي تتقدم بها نقابة الأطباء على مدار السنوات القليلة الماضية.
لكن الدكتور علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى يرى:”أن هناك خلل في حوكمة المنظومة الصحية بسبب الاستقطاب الضار الحادث الان بين وزارة الصحة ونقابة الاطباء وعدم وضوح الرؤية الخاص بوظائف كلاهما”.
وأضاف:”الهيكلة الرشيدة تستلزم وجود مجلس اعلي للصحة لوضع التخطيط الإستراتيجي للصحة تشارك فيه النقابة كممثل لمصالح الاطباء. وتأسيس مجلس طبي أعلي لأخلاقيات المهنة ووضع معايير ممارسة للمهنة وتطويرها وهذا دور في السياسات الطبية مثل بريطانيا”.
ويوضح أن الوزارة دورها منظم ومسئول دستوري عن الصحة العامة والوقائي، في إطار النظام الجديد للتأمين الصحي الشامل، مشيرا إلى أن الصدام بينهم وهمي وفيه جانب ضار بالمنظومة لعدم وضوح الأدوار بينهم وكأنها معركة سياسية حمقاء بالرغم من وجود ضرورة ملحة لعملهم معا في اطار اكبر لمصلحة المريض المصري داخل ما يسمي المجلس الاعلي للصحة.
من جهتنا حاولنا التواصل مع خالد مجاهد المتحدث الإعلامي لوزارة الصحة لمعرفة سبب الأزمة وطريقة الحل، إلا أن المحاولة باءت بالفشل دون رد. وسوف نستمر