على أصداء القرار الأممي بحق اليمن الذي لم يتم تمريره، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا أوردت فيه استخدام المملكة العربية السعودية ما وصفته بـ “الحوافز والتهديدات”، والتي منها ورقة “الحج” كجزء من حملة ضغط لإغلاق التحقيق الأممي في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع اليمني.
ونجحت الجهود السعودية في نهاية المطاف عندما صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر ضد تمديد التحقيق المستقل في جرائم الحرب، وكان التصويت بمثابة الهزيمة الأولى لقرار أممي في جنيف منذ 15 عاما.
وفي حديث لصحيفة “الجارديان” وصف مسؤولون سياسيون ومصادر دبلوماسية وناشطة لديها معرفة داخلية بجهود الضغط حملة خفية يبدو أن السعوديين قد أثروا فيها على المسؤولين من أجل ضمان هزيمة الإجراء.
الضغط بورقة الحج
في إحدى الحالات، يُزعم أن الرياض حذرت إندونيسيا وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان في العالم من أنها ستضع عقبات أمام سفر الإندونيسيين إلى الحج إذا لم يصوت المسؤولون ضد القرار الذي صدر في أكتوبر الماضي.
وفي حالة إندونيسيا، من المفهوم أن المملكة العربية السعودية أبلغت أن شهادات التطعيم الإندونيسية Covid قد لا يتم الاعتراف بها للإندونيسيين الذين يسافرون إلى مكة بغرض الحج إذا لم ترفض الدولة القرار، الأمر الذي استدعى أحد المراقبين للقول “إن التهديد أظهر أن السعوديين على استعداد لـ “استغلال” وصولهم إلى الأماكن المقدسة.
و”تسييس” الحج ورقة طالما استخدمتها الرياض في أكثر من مرة، وخلال أكثر من موسم، مع العديد من الدول الإسلامية كالعراق وسوريا وليبيا ومع قطر، ومع إيران.
في الوقت نفسه تنكر السعودية استخدامها لتلك الورقة تماما، إلا أن إيران تعد صاحبة الجدل الأكبر في هذا الشأن. ومنذ قيام الثورة الاسلامية، منعت السعودية مواطنيها لأكثر من مرة، وبأكثر من حجة، مما دعا طهران إلى اقتراح تدويل المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية، بحيث تتم إجراءات الحج تحت إشراف هيئة إسلامية تضم وفودا من العديد من الدول.
الدعم المالي كوسيلة للضغط
وفي حالة أخرى، أعلنت دولة توجو الأفريقية وقت التصويت أنها ستفتح سفارة جديدة في الرياض، وتلقيها دعمًا ماليًا من المملكة لدعم أنشطة مكافحة الإرهاب.
وبالفعل، امتنعت كل من إندونيسيا وتوجو عن التصويت على قرار اليمن في عام 2020، أما هذا العام فقد صوت كلاهما ضد هذا الإجراء. فيما غيرت أربعة بلدان أصواتها من الامتناع عن التصويت إلى “لا” على قرار اليمن وهم إندونيسيا وبنجلاديش والسنغال وتوجو.
وبعد أسبوع من التصويت، دعت الإمارات، حليف المملكة العربية السعودية في الصراع اليمني، السنغال لتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس أعمال إماراتي سنغالي مشترك، وكان الهدف من المجلس أن تقوم غرفة التجارة الإماراتية “بتعزيز التعاون” بين “البلدين الصديقين”.
تأرجح لا يحدث قط
وقد تم رفض القرار بأغلبية 21-18 مع امتناع سبع دول عن التصويت، وذلك على الرغم من تمرير القرار في عام 2020 بأغلبية 22 صوتًا مقابل 12 ، مع امتناع 12 عضوًا عن التصويت.
وقد قال أحد المسؤولين تعليقا على القرار والتغيير الواضح: “هذا النوع من التأرجح في التصويت من 12 إلى 21 دولة لا يحدث قط”.
وقال مدير هيومن رايتس ووتش في جنيف جون فيشر: “لقد كان تصويتًا صعبًا للغاية، نحن نتفهم أن المملكة العربية السعودية وحلفائها في التحالف واليمن كانوا يعملون على مستوى عالٍ لبعض الوقت لإقناع الدول في العواصم من خلال مزيج من التهديدات والحوافز ، لدعم محاولاتهم لإنهاء ولاية آلية المراقبة الدولية هذه”.
وأضاف فيشر: “يعتبر فقدان التفويض الأممي للرقابة على أفعال الرياض في اليمن ضربة كبيرة للمحاسبة في اليمن ولمصداقية مجلس حقوق الإنسان ككل، حيث إن هزيمة التفويض من قبل أحد أطراف النزاع دون أي سبب سوى التهرب من التدقيق في الجرائم الدولية يعد مهزلة”.
ولم يرد ممثلو السفارتين الإندونيسية والسعودية في واشنطن ووزارة الخارجية في توجو على طلب للتعليق من قبل “الجارديان”.
وصوّت مجلس حقوق الإنسان لأول مرة على تشكيل فريق من الخبراء للتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني وحقوق الإنسان في اليمن في عام 2017.
كما اشتدت الحرب الأهلية في اليمن في عام 2015 بعد أن تدخل تحالف تقوده المملكة العربية السعودية ، باستخدام أسلحة تم شراؤها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد المتمردين الحوثيين، كما تشير الجماعات الحقوقية الناشطو هناك إلى أن أكثر من 100 ألف شخص قتلوا في الصراع ونزح أكثر من أربعة ملايين.
وفي الواقع فإن المملكة العربية السعودية، التي ليست عضوا مصوتا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعمت الجهد في البداية. ولكن تشير المصادر القريبة إلى أن تقارير الخبراء – المعروفة باسم مجموعة الخبراء البارزين حول اليمن (GEE) – أصبحت أكثر “إدانة” على مر السنين.
وفي عام 2020، أوصى فريق الخبراء البارزين لأول مرة بأن يركز المجتمع الدولي اهتمامه على المساءلة عن جرائم الحرب المحتملة، وتضمنت خمس توصيات، من بينها أن يحيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القضية إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
كما قالت أحد المصادر المطلعة: “في هذه اللحظة أدرك التحالف السعودي أن المراقبة الأممية قد ذهبت بعيدًا جدًا، ولابد من العمل على إنهائها”.
التكتيكات المضادة للسعوديين
ولكن يبدو أن الدول التي أيدت الإجراء، الذي قادته هولندا، فوجئت بالتكتيكات المضادة للسعوديين.
وخلال المفاوضات، لم تثر أي دولة من الدول التي غيرت من التصويت لاحقًا من الامتناع عن التصويت إلى “لا” اعتراضات على القرار ، والتي تختلف عن نسخة 2020 بطريقة جوهرية واحدة فقط ألا وهي تمديد التفويض إلى عامين بدلاً من عام واحد.
وقالت المصادر إن “أجراس الإنذار” بدأت تدق لمؤيدي القرار ، عندما أدركوا أن الحملة السعودية “كانت مختلفة جدًا عن السنوات السابقة” – ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن السعودية قد مارست ضغوطها على تلك الدول بشكل منفرد.
وقال أحد المصادر المطلعين على الأمر: “يمكنك أن ترى كل شيء يتغير ، وكان ذلك بمثابة صدمة”. عادة ، تُعرف قرارات التصويت قبل أيام من إجراء التصويت. لكن في المرة الاخيرة، قاومت الدول الأعضاء مشاركة موقفها النهائي ، وهو ما اعتبره المؤيدون علامة مقلقة على تعرض بعض الدول لضغوط شديدة”.
ومع ذلك قرر مؤيدو القرار المضي قدما في التصويت رغم أن نتيجته كانت غير مؤكدة.
وتابع المصدر المطلع: “فوز السعوديين في هذه المعركة على حساب الشعب اليمني أمر مروع، لكنها أيضًا حالة نموذجية لدول أخرى مثل روسيا والصين لنسف أي تحقيق آخر، لقد كان الأمر بمثابة صدمة للجميع، وعليه يجب أن يكون هناك نوعا من التدقيق على أعضاء المجلس الذين لا يستطيعون تحمل الضغط “.
اقرأ أيضا:
أرقام وحقائق.. لماذا حرب اليمن عبثية كما وصفها قرداحي؟