منذ الحقبة الذهبية لمنتخب مصر تحت قيادة المدرب الوطني حسن شحاتة، والتي توجها بثلاثة ألقاب متتالية لكأس أمم أفريقيا أعوام 2006 و2008 و2010، بأداء ونتائج أشبعت المصريين كرويا. دخلت “كرة الفراعنة” في فجوة فنيًا كبيرة، بدأت مع رحيل المعلم في 2011 ولم نستطع الخروج منها حتى الآن، رغم نجاحات البعض على مستوى النتائج.
منتخب الفراعنة في عهد المعلم اتسم أداؤه بتقديم كرة قدم ممتعة، وأداء هجومي مميز، شكلت هوية جديدة للكرة المصرية، واستحدثت الهوية القديمة مع الراحل العملاق محمود الجوهري، حيث كانت نسخة شحاتة أكثر هجومًا وجمالية في الأداء، بفضل اللاعبين والتطور التكتيكي.
كثيرون، منهم المصري والأجنبي، استنساخ كرة حسن شحاتة التي لا يزال المصريون يعيشون على أطلالها حتى الآن، لكن المحصلة النهائية لم ترض الطموح الرياضي، وهو ما يرجعه محللون ونقاد رياضيون إلى اعتزال الجيل الذهبي الذي كتب تاريخا جديدا للفراعنة، والاعتماد على مدارس تدريبية لم تسر على النهج الفني لجهاز حسن شحاتة.
الناقد الرياضي شريف عبد القادر، يؤكد أنه بنهاية فترات لعب جيل حسن شحاتة، الذي تصدره محمد أبو تريكة وأحمد حسن وعصام الحضري، بلا شك هو أكبر أسباب فقدان هويتنا الكروية، لأنهم أجادوا تنفيذ الخطط الفنية التي رسمها شحاتة لهم، وفرضوا أنفسهم على جميع المنتخبات الأخرى بالقارة.
أدى اعتزال أغلبهم، آخرهم عصام الحضري الذي خلع قفازه بعد مونديال روسيا، وتراجع مستوى البقية وتقدمهم في العمر وقلة مجهودهم وعطائهم بالمستطيل الأخضر، إلى دخول الكرة المصرية في فجوة فنية كبيرة، لم تستطع الخروج منها خلال سنوات طويلة بعدها.
اختيارات خاطئة للمدربين وعشوائية باتحاد الكرة
منذ رحيل حسن شحاتة وحتى وصول كارلوس كيروش حاليًا في منصب المدير الفني للفراعنة، توالى عدد كبير من المدربين لم يستطع أغلبيتهم تركة بصمة واضحة أو تحقيق نجاحات كبيرة، باستثناء الأرجنتيني هيكتور كوبر الذي قادنا لنهائي أمم أفريقيا 2017، بعد غياب 3 دورات متتالية عن البطولة المفضلة للفراعنة، وتأهل بنا لكأس العالم بروسيا 2018 بعد غياب 28 عامًا عن الحدث العالمي.
يرى الكثير من المحللين أن معظم المدربين الذين دربوا الفريق القومي اتسموا بأفكار وفلسفة كروية بعيدة كل البعد عن أسلوبنا وهويتنا الكروية التي تعتمد على الاستحواذ ولعب التمريرات الكثيرة والمراوغات من العمق والاختراق من أطراف الملعي، وتقديم كرة هجوميع مع تأمين دفاعي جيد، وهو ما يرجعه المحللون إلى سوء اختيار دائم من اتحاد الكرة للمدربين مع عشوائية أكبر في إدارة الملفات الحساسة فنيًا للمنتخب، وما شابها من مجاملات دون معايير فنية واضحة، ما كلفنا فترات طويلة من الغياب والخفوت وضياع هويتنا.
يشرح المحلل الرياضي، طه إسماعيل، المراحل التي مر بها المنتخب منذ رحيل المعلم في 2011، أن المنتخب تعرض لمحاولات تغيير الجلد أكثر من مرة، بمدارس فنية لم تعبر عن الهوية المصرية، بالإضافة إلى عدم استقرار جدول المسابقات المحلية في مصر، بسبب أحداث الثورة وتداعياتها.
حقل تجارب الفراعنة بعد المعلم
بدأ حقل تجارب الكرة المصرية مع الأمريكي بوب برادلي الذي قادنا للمرحلة النهائية للتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014، لكن النهاية لم تكن سعيدة كالعادة، وخسر بسداسية مهينة أمام غانا.
يقول إسماعيل إن برادلي صاحب مدرسة بدنية في الأساس ويلعب كرة قدم كلاسيكية تشبه إلى حد كبير المدرسة الإنجليزية العقيمة، ولذلك لم يتوافق مع هويتنا ويقدم ما نعتاد عليه، وواجه صعوبات عدة وانتهت مغامرته بشكل سيء للغاية. قبل أن يأتي شوقي غريب في نسخة سيئة للغاية للمنتخب أداءً ونتائجً ورحل بعد عام واحد في 2014، فشل خلالها في تكرار تجربة حسن شحاتة للفوارق الكبيرة بينهما.
ثم تولى الأرجنتني الخبير هيكتور كوبر المهمة رسميًا في 2015 واستمر حتى نهاية رحلة المنتخب في مونديال روسيا 2018 بالخسارة في 3 مباريات، لكن أداء الكوبر الدفاعي أحبط طموحات المصريين في رؤية منتخب يقدم كرة قدم جيدة، حيث اعتمد الأرجنتيني على سرعة ومهارة محمد صلاح فقط لإحراز الأهداف، دون أن يهتم بتطوير أداء الفريق ككل.
خلف كوبر المكسيكي خافيير أجيري الذي ظل في منصبه موسمًا واحدًا كذلك ولم يقدم أي إضافة، ورحل بعد فشل ذريع في كأس أمم أفريقيا 2019 التي أقيمت على الأراضي المصرية وشدت خروجا مؤسفا للفراعنة بدور الـ16 أمام جنوب أفريقيا, حاول أجيري المزج بين أسلوب كوبر الدفاعي وأسلوب شحاتة الهجومي، فضاع المنتخب ولاعبيه بينهما وافتقدنا هويتنا مرة أخرى بنتائج وأداء مخيب كما كانت شخصيته ضعيفة للغاية مع نجوم الفريف، لنعود لتجربة المدرب المحلي من جديد ويتولى حسام البدري مسؤولية المنتخب.
!حقبة البدري.. خلطة المحلي لم تعد صالحة
ظل البدري في منصبه عامين، بلا عمل تقريبا، حيث اكتفى خلال كل تلك الفترة بلعب 9 مباريات فقط وظهر المنتخب معه في حالة يرثى لها فنية، ورغم أنه لم يخسر في أي مباراة منذ توليه المهمة، لكنه تعرض للإقالة بعد الجولة الثانية من التصفيات المؤهلة لكأس العالم بتعادل بشق الأنفس مع الجابون بهدف لمثله خارج الأراضي.
البدري غلب عليه التأمين دفاعي والاعتماد في خط الهجوم على المهارات الفردية فقط، ولم يلعب نجما الدولي محمد صلاح معه كثيرًا، لكنه عندما شارك لم يظهر تمامًا في أرض الميدان.
كيروش.. الأمل في خواجة مخضرم
بعد فشل البدري، تحولت مصر إلى المدرسة البرتغالية بالتعاقد مع كارلوس كيروش، صاحب الخبرة الطويلة مع المنتخبات والسيرة الذاتية الأوروبية. ربما يكون الحكم على كيروش مبكرا في ظل عدد المباريات التي خاضها، لكن حاولنا هنا أن نرسم الطريق أمام مشوار العجوز البرتغالي.
بدأ كيروش مهمته بنجاح كبير حيث فاز في 3 مباريات وتعادل في واحدة من تصفيات المونديال، التي تأهل فيها للمرحلة النهائية، لينتظره بمواجهة حاسمة ذهاب وعودة في شهر مارس المقبل تحسم صاحب البطاقة المتأهلة للبطولة العالمية الكبرى.
كما بدأ كاس العرب بفوز على لبنان بهدف نظيف، وصحح أن الحكم عليه حتى الآن لا يعد مقياسًا واضحًا لقصر المدة التي قضاها مع المنتخب، لكنها فترة كانت كافية لإظهار عدة إيجابيات والسلبيات معا للخواجة البرتغالي. أهم الإيجابيات بالتأكيد عمر مرموش الذي تألق بشدة في مواجهتي ليبيا وكان مفاجأة للجميع، أسكتت كل الألسنة المنتقدة لكيروش واختياراته خاصة بعد استبعاده حينها نجمي الأهلي أفشة ومحمد شريف.
ولكن الأداء لم يتطور كثيرا ولم يصل إلى المأمول، باستثناء مباراة ليبيا التي احتضنها الجارة الغربية، التي قدم فيها الفراعنة أفضل أداء لهم منذ زمن طويل.
يبدو من اختبارات كيروش أنه مازال يكتشف لاعبي المنتخب ولم يضع يداه على ما يريده فيشرك بعضهم في مركز غير مركزه الأساسي مثل أفشة الذي تغير مركزه أكثر من مرة، وكذلك محمد شريف الذي يسخدمه كيروش كجناح بدلا من مركزه الأساسي مع الأهلي كمهاجم صريح.
ويواجه البرتغالي انتقادات لاختياراته غير المفهومة مثل مروان حمدي وإصراره عليه رغم تواضع مستواه الفني وعدم استدعاء الدولي طارق حامد الذي لم يغب عن تمثيل المنتخب منذ فترة طويلة.
محمد صلاح.. أمل الفراعنة في استعادة الهوية الفنية
ربما يحتاج كيروش لوقت أطول ومباريات أكثر ليقتنع بالأفضل والأنسب للمنتخب ووضع كل لاعب في مركزه ومن ثم يتطور الأداء خاصة في الشق الهجومي ونستعيد هويتنا شيئًا فشيئا، حيث ظهر الفريق القومي منظمًا من الجانب التكتيكي لأول مرة منذ زمن طويل، وهو ما أكده أحمد حسن نجم المنتخب السابق وأحد نجوم الحقبة الذهبية لجيل شحاتة.
وأضاف الصقر أنه ظهر هناك نظام واضح وانضباط كبير وشخصية وهي أمور جيدة جدًا تمهد لاستعادة هويتنا المفقودة منذ جيل شحاتة التاريخي مع الوقت وربما قبل المباراتين الفاصلتين في صعودنا للمونديال شهر مارس المقبل أمام أحد فرق التصنيف الأول الخمسة “السنغال – المغرب – تونس – الجزائر – نيجيريا”.
يعتقد بهاء الدين يوسف الناقد الرياضي بالأهرام أن وجود نجم عالمي بقيمة محمد صلاح، الذي يشهد واحدًا من أفضل مواسمه على الإطلاق، سيزيد من ثقل الفراعنة في المباريات الحاسمة، لافتا إلى أن بطولة أمم أفريقيا هي الاختبار والتحضير الأهم لمباراتي الصعود للمونديال المقبل في قطر نهاية عام 2022، فسيستغل كيروش بطولة كأس العرب الحالية لفهم اللاعبين أكثر ومن يحتاجهم ومن يستبعدهم بالبطولة القارية، التي ستشكل البروفة الحقيقية للفراعنة تحت قيادته الفنية، قبل أهم مباراتين للصعود لكأس العالم.
وبرأي يوسف، فإن بطولة أفريقيا المقبلة تمثل فرصة ثمينة لصلاح للظفر ببطولة قارية لم ينل لقبها من قبل، مما تزيد أسهمه كثيرًا في العالم وتعزز حظوظه من الفوز بالكرة الذهبية العام المقبل.
ربما يكون كيروش هو المدرب الذي انتظر جماهير الفراعنة وصوله منذ إبعاد المعلم عن إدارة الفريق، لاستعادة مكانتنا في القارة السمراء، وربما ينضم إلى حقل التجارب الفني، فما هي توقعاتك لتجربة البرتغالي المخضرم؟