تقودك رحلة البحث عن عمل خارج مصر إلى تسمية شهيرة كثيرًا ما تقابلها في لافتات الإعلانات.. «هنا إلحاق العمالة المصرية بالخارج». لافتة في الشارع.. منشور على مواقع التواصل الاجتماعي.. كلاهما يطلب فنيين وعمالاً لإحدى دول الخليج، مصحوبة بأرقام هواتف للتواصل.
خُضنا التجرية لمعرفة كيف يسير حلم الحصول على مثل هذه الوظائف خارج مصر. واخترنا إحدى الشركات الحاصلة على ترخيص من وزارة القوى العاملة والموجودة في قوائمها. هاتفنا الشركة؛ فردَّ المسؤول ليحكي عن طبيعة الإعلان محل اهتمامنا. وشرح لنا باستفاضة كيفية الحصول على عقد والأوراق المطلوبة.
«راتب شهر» هو المبلغ الذي طالبنا به مسؤول الشركة، مقابل العقد. وهو يساوي 8.3% من راتب السنة الأولى. رغم أن وزارة القوى العاملة حددت للشركات نسبة 2% فقط من الراتب.. كان هذا أول مطب نواجهه في رحلتنا.
حاجة المصريين إلى العمل وحلم السفر يجعلهم عرضة لعمليات النصب من شركات تكتفي بإعلانات على «فيسبوك». فكثيرًا ما يجد المواطن نفسه بعد أن دفع راتب شهر -ربما اقترضه من أصدقائه أو باع شيئًا من أثاث منزله لتوفيره- لا يمكنه السفر بسبب أن التأشيرة التي قدّمها له المكتب مزوّرة. أو يفاجأ بعد سفره أن الراتب أقل مما اتفق عليه عند تعاقده مع شركة إلحاق العمالة.
وفقًا لمسؤولين بوزارة الخارجية، فإن 90% من مشكلات المصريين خارج مصر ترتبط بالعلاقة بين العامل وبين صاحب العمل. ولا يلجأ المصريون للسفارة أو البعثة الدبلوماسية على الإطلاق. وربما يكون ذلك من الموروثات الموجودة في ذاكرتهم حول تعامل مع السفارات مع من يفترض أن ترعى مصالحهم.
تشير بيانات نيابات الأموال العامة إلى أنها حققت في 59 قضية خاصة استيلاء على أموال المواطنين خلال الشهر الماضي. وذلك بزعم توفير عدد من الوظائف وفرص السفر، التي ضبطتها مباحث الأموال العامة خلال نوفمبر الماضي.
وتنصح وزارة القوى العاملة المواطنين بعدم التعامل إلا مع الشركات المرخصة، من خلال مراجعة اسم الشركة مع وزارة القوى العاملة. للتأكد من حصولها على ترخيص، ووجود سابقة أعمال لديها في الجهات المعنية.
865 شركة لإلحاق العمالة بالخارج
تشير البيانات الرسمية لوزارة القوى العاملة إلى أن إجمالي عدد شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج السارية 865 شركة. وهي تساعد في توفير فرص العمل بالداخل والخارج. بينما بلغ عدد الشركات المتوقفة 58 شركة، والملغاة تراخيصها 365.
ويحدد القانون شروط إلغاء أو إيقاف الترخيص عند ثبوت بعض الحالات، كتقاضي الشركة مبالغ من العامل نظير تشغيله بالمخالفة. فقد نصّ القانون على أن تحصّل الشركة نسبة 2% من إجمالي راتب السنة الأولى فقط للمتعاقد نظير توفير فرصة العمل.
سوق الخليج العربي
وتعاني شركات إلحاق العمالة بالخارج خلال السنوات الماضية أزمات عدة، تمثلت في أن السوق الكبرى أمام المصريين، وهي «الخليج العربي»، لجأت إلى فكرة «توطين الوظائف». بمعني استبدال المواطنين بالأجانب. خاصة في الوظائف العليا والمكتبية في الدولة. إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، التي خلّفتها جائحة كورونا، ودفعت عددًا كبيرًا من المؤسسات والشركات في دول الخليج العربي إلى خفض عدد عامليها كإجراء تقشفي.
خسائر شركات إلحاق العمالة «كبيرة»
حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة في الخارج في الغرفة التجارية للقاهرة، قال لـ«مصر 360»، إن شركات إلحاق العمالة في الخارج تكبدت خسائر كبيرة بسبب «كورونا». ورغم عودة النشاط نسبيًا، فإن حجم العمل لم يعد إلى ما قبل الجائحة. وبحسب «إمام»، فإن المملكة العربية السعودية، التي تمثل أكبر مستقبِل للعمالة المصرية، بواقع 3 ملايين عامل، أغلقت رحلات الطيران لفترات. فكانت الشركات تُضطر إلى تمديد التأشيرات مرة بعد أخرى، قبل أن تفتح المملكة السفر للمصريين عن طريق رحلات ترانزيت. وهي الرحلات التي كبّدت العمال نفقاتٍ أكبر بسبب السفر عن طريق دولة وسيطة.
خطة التوطين في الخليج
قبل أزمة كورونا، كان لخطة دول الخليج لـ«توطين» الوظائف دور في تقليل نسبة العمالة المصرية هناك. ما أثر على شركات إلحاق العمالة في الداخل.
البنك الدولي كشف تراجع إصدار تأشيرات العمال في السعودية. وذكر في تقرير صدر الجمعة الماضي: «فيما كان عدد الوافدين قد بلغ 8.5 مليون عامل غير سعودي في عام 2017، تراجع ذلك الرقم إلى أقل من 6.5 مليون عامل أجنبي حاليًا».
في نومفبر الماضي، أصدرت المملكة العربية السعودية قرارين لضبط استقدام العمالة، شملا إتاحة إصدار وتجديد الإقامة بشكل ربع سنوي فقط. وقد أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية منذ بداية العام الجاري قرارات عدة لتوطين الوظائف. وترى السعودية أن تلك القرارات تسهم في زيادة مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل لديها. ومن ثم فتح المزيد من فرص العمل النوعية والمستقرة أمام المواطنين والمواطنات.
يتحدث رئيس شعبة شركات إلحاق العمالة في الغرفة التجارية للقاهرة عن أزمة التوطين، خاصة في السعودية، وتأثيرها على العمالة المصرية، فيقول: الأزمة بدأت قبل 15 سنة تقريبًا. حينما فُعل التوطين بنسبة 5% من القطاعات. وقد وصلت نسبة التوطين حاليًا إلى 35% في بعض القطاعات و100% في البعض الآخر.
وبناءً على ذلك، فإن معظم الوظائف، التي تتعلق بمواقع قيادية في المؤسسات أو الوظائف المكتبية، باتت غير متوفرة. وباتت الفرص المتوفرة في سوق الخليج حاليًا تقتصر على العمالة الفنية فقط.
«شركة سفر» والمخاوف من احتكار السوق
تعلق الحكومة المصرية آمالاً على تعويض الخسارة التي مُنيت بها في الخليج بسوق ليبيا. إذ وقعت مصر وليبيا 14 اتفاقية و6 عقود تنفيذية، قدرت تقارير إعلامية قيمتها بما يصل إلى 19 مليار دولار.
وتخشى شركات إلحاق العمالة من ألا تحصل على نصيب من كعكة سوق العمالة الليبية. خاصة بعدما حصلت وزارة القوى العاملة، عبر ذراعها صندوق تمويل التدريب والتأهيل، على موافقة مجلس الوزراء بالاشتراك في تأسيس شركة مساهمة مصرية باسم «سفر»، بغرض تشغيل العمالة المصرية بالداخل وإلحاقها للعمل بالخارج.
وفقًا لوزارة القوى العاملة، فإن الشركة الحكومية الجديدة تهدف إلى تنويع أدوات الدولة في تشغيل الشباب، عدم اقتصارها على الأدوات الحكومية النمطية، بما يخدم غرض تنمية مهارات وقدرات العمالة المصرية المستهدف إلحاقها للعمل بالخارج، لتكون نموذجًا مشرفًا للعمالة المصرية وجاذبًا لإلحاق المزيد منها.
ورغم تطمنيات وزارة القوى العاملة للشركات الخاصة، من أن الشركة الجديدة لن تنافس شركات إلحاق العمالة الموجودة في السوق، من حيث إنها «ستعمل على مساعدة الشركات الخاصة عبر التدريب والتأهيل»، فإن المخاوف من ممارسات الاحتكار تبدو منطقية.
رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج، أكد لـ«مصر 360»، أنهم لا يعرفون حتى الآن عن شركة «سفر» أي شيء سوى الإعلان المبدئي عن تأسيسها، ولا يعرف كيف ستكون طبيعة التعاون بينها وبين الشركات الخاصة، لافتًا إلى أن الشركة الحكومية لا يمكنها أن تُنهي دور شركات توظيف العمالة في الخارج.
في انتظار القانون
لا تزال شركات إلحاق العمالة تترقب إصدار مجلس النواب قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة إلى البرلمان، الذي انتهت لجنة القوى العاملة من مناقشته وعرضت تقريرها بشأنه على مكتب المجلس تمهيدا لمناقشته، وهو الذي يتضمن شروط عمل شركات التشغيل في الداخل والخارج.
ونص مشروع قانون العمل في المادة (39)، على أن مزاولة عمليات إلحاق المصريين للعمل بالداخل أو الخارج تصدر من 3 جهات. هي الوزارات والهيئات العامة بالنسبة للعاملين لديها. شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص المصرية، فيما تبرمه من تعاقدات مع الجهات الأجنبية في حدود أعمالها وطبيعة نشاطها.. وكالات التشغيل الخاصة التي تتخذ شكل الشركة المساهمة، أو التوصية بالأسهم، أو ذات المسؤولية المحدودة المرخص لها بذلك من الوزارة المختصة.
وحدد المشروع شروطًا يجب توافرها فى وكالات التشغيل، التي تتخذ شكل الشركة المساهمة أو التوصية بالأسهم أو ذات المسؤولية المحدودة المرخص لها بذلك من الوزارة المختصة، للترخيص لها، وتتمثل في الآتي: أن يكون المؤسسون وأعضاء مجلس الإدارة والمديرون المختصون بعمليات التشغيل لم يسبق الحكم على أي منهم بعقوبة جناية، أو بعقوبة مقيدة للحرية في جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره.
وألا يقل رأس مال الشركة عن 50 ألف جنيه، وأن يكون مملوكًا بأكمله لمصريين إذا كانت الشركة تزاول عمليات التشغيل بالداخل، وألا يقل رأس مال الشركة عن مائتين وخمسين ألف جنيه، إذا كانت تزاول عمليات تشغيل المصريين بالخارج أو بالداخل والخارج معا، وأن تكون الأغلبية المطلقة للمؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة من المصريين الذين يمتلكون في مجموعهم 51% على الأقل من رأس مالها، وأن تقدم الشركة تأمينًا مقداره 150 ألف جنيه، إما نقدًا أو بخطاب ضمان غير مشروط، وغير قابل للإلغاء صادر من أحد البنوك العاملة في جمهورية مصر العربية، لصالح الوزارة المختصة، وأن يكون ساريًا طوال مدة سريان الترخيص، وذلك لضمان التزام المرخص له بالتزاماته، ويتعين استكمال قيمة التأمين بمقدار ما لم تقم بأدائه من غرامات أو تعويضات حُكم بها عليها، أو مبالغ تقاضتها دون وجه حق، طبقًا لأحكام هذا القانون، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إخطار الشركة المرخص لها بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بوجوب استكمال التأمين.
القانون أمام النواب منذ 2014
ونص مشروع القانون على أن يكون الترخيص لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد وفقًا للقواعد، والإجراءات التي يصدر بها قرار من الوزير المختص، وذلك مقابل أداء رسم قدره خمسة آلاف جنيه بزيادة كل سنة 10%، يحدده الوزير المختص لمنح الترخيص أو تجديده، وللوزير المختص إضافة شروط أخرى للحصول على الترخيص، وله وقف إصدار تراخيص جديدة، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، في ضوء متغيرات سوق العمل الفعلية.
ويحظر مشروع القانون على الجهات المشار إليها في المادة رقم (39) منه تقاضي أي مبالغ مالية من العامل بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة نظير إلحاقه بالعمل، ولها تقاضي مقابل ذلك من صاحب العمل، واستثنى من ذلك وكالات التشغيل التي تتخذ شكل الشركة المساهمة أو التوصية بالأسهم، أو ذات المسؤولية المحدودة المرخص لها، وأجاز لها تقاضي مبلغ لا يجاوز (2%) من أجر العامل الذي يتم إلحاقه بالعمل، وذلك عن السنة الأولى فقط كمصروفات إدارية، ويحظر تقاضي أي مبالغ أخرى من العامل تحت أي اسم.
شعبة إلحاق العملة بالخارج لا تجد مبررا لتأخر إصدار القانون. خاصة وأن مشروع القانون موجود في مجلس النواب منذ عام 2014.
رئيس الشعبة قال إن الشعبة قدمت في وقت سابق ملاحظاتها على القانون التي تمثلت في فترة صلاحية تراخيص الشركات.. ورأس مال الشركة، الذي حدده مشروع القانون.. والرسوم المطلوبة لتجديد التراخيص، مؤكدًا أنهم تلقوا وعودًا بأخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار.