بعد وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي لها بأنها “خط أحمر”، وتهديده بالتدخل المباشر في الحرب الدائرة هناك إذا لزم الأمر، عاد الحديث عن أهمية مدينة “سرت” الليبية، للصدارة من جديد، وسط تصارع العديد من الدول إلى الولوج للملف الليبي.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمته التي ألقاها، السبت الماضي، إن أي تدخل مصري مباشر في ليبيا بات شرعيًا، مؤكدًا أن “جاهزية القوات المصرية للقتال صارت أمرًا ضروريًا”، ومشددًا على أن “مصر حريصة على التوصل إلى تسوية شاملة في ليبيا”، كما أنها حريصة على سيادة ووحدة الأراضي الليبية.

وأشار “السيسي” إلى أن “سرت والجفرة خط أحمر”، مؤكدًا أن “ليبيا لن يدافع عنها إلا أهلها، وسنساعدهم في ذلك”، داعيا إلى الحفاظ على الوضع القائم حاليًا في ليبيا دون تغييره، والبدء فورًا في مفاوضات سياسية لإنهاء الأزمة.

 

وتقع سرت في منتصف الساحل الليبي، وهي البوابة الغربية لمنطقة “الهلال النفطي”، التي يمثل إنتاجها 60% من صادرات النفط الليبي، وتضم أهم موانئ ليبيا النفطية، وتمتد على طول 250 كيلو متر على البحر المتوسط بين سرت وبنغازي، ويفتح السيطرة على سرت الطريق لإحكام القبضة على منطقة البحر الأبيض المتوسط.

 

اقرأ ايضًا: ليبيا والمبادرة المصرية.. السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الصراع

 

وتجدر الاشارة، إلى أنه قبل الثورة اللبيبة، كانت 96٪ من الدخل القومي الليبي من المحروقات، ويبلغ احتياطي البلاد 48.3 مليار برميل من النفط و 1.5 تريليون متر مكعب من الغاز، ومع ذلك، انخفض إنتاجها النفطي إلى 90 ألف برميل يوميًا من 1.6 مليون برميل في العام الماضي.

وفي ليبيا نحو 31 خطًا لأنابيب النفط الخام بطول 3489 ميل، بحسب بيانات المنظمة العربية للدول المصدرة للنفط .

وتقع قاعدة الجفرة الجوية، في جنوب سرت، ولا يفصلها عنها سوى طريق مفتوح لا يتجاوز 300 كيلومتر. وتعد قاعدة الجفرة من أكبر القواعد الجوية الليبية، وتتميز ببنيتها التحتية القوية، التي تم تحديثها، لكي تستوعب أحدث الأسلحة، كما تشكّل غرفة عمليات رئيسية لقوات الجيش الوطني الليبي.  وتبعد بنحو 650 كيلومترا جنوبي شرق طرابلس، وهي محور ربط بين الشرق والغرب والجنوب، ويعني السيطرة على قاعدة الجفرة، تقريبا السيطرة على نصف ليبيا.

جدل حول سرت

وكشف موقع “المونيتور” الأمريكي، أن هناك جدل دائر حول مدينة “سرت” ومعلن منذ أوائل يونيو الجاري، فعندما زار وفد حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، موسكو، وبحسب ما ورد قيل له إن “سرت خط أحمر لروسيا”.

لكن تعهد وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، في 7 يونيو الجاري، باحتلال سرت، قائًلا إن بلاده لن “تكتمل” إلا بالأراضي الشرقية، داعيًا القوات الموالية لحكومته إلى “تطهيرها من ثلة الفاسدين”، بحسب قوله.

كما أمر فايز السراج، بعد عودته من المحادثات في أنقرة، بمواصلة الهجوم، وقال الجنرال عبد الهادي ديرة، الناطق باسم غرفة العمليات المشتركة بين سرت والجفرة ، في 15 يونيو: “سرت خط أحمر بالنسبة لنا”.

صراع حفتر والسراج

سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني، في مطلع يونيو الجاري، بشكل شبه كامل على المنطقة الغربية بما فيها العاصمة طرابلس مع حدودها الإدارية، في حين أن الساحل الشرقي الليبي وأبرز مدنه: “بنغازي” و “طبرق” و “درنة” لا زالت تخضع لسيطرة قوات “خليفة حفتر”.

أما مدينة سرت فهي تحت سيطرة قوات”حفتر”، إذ سيطر الجيش الوطني الليبي في يناير الماضي، على المدينة وتمكن الجيش من الدخول إليها من دون معركة تقريباً.

وتتفوق قوات “حفتر” على “الوفاق” في مساحة النفوذ وسط ليبيا، على اعتبار أن الأولى تهيمن على مدينة “سبها” أكبر وأهم مدن الوسط، إلا أن المعادلة يمكن أن تتغير في حال استكملت حكومة الوفاق عملياتها ودخلت مدينة سرت واستولت على قاعدة الجفرة، إذ من شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى  انحسار قوات “حفتر” ونفوذها.

 

نفوذ القذافي

وبالرجوع لـ سرت، فتأتي أهميتها من كونها تبعد نحو ألف كيلومتر عن الحدود المصرية، وتتوسط المسافة بين عاصمة البلاد طرابلس، وبنغازي على الساحل الليبي، بجانب موقعها الاستراتيجي بالنسبة لأوروبا، وينتمي سكان سرت ذات الطبيعة الصحراوية بمعظمهم إلى أربع قبائل أساسية، هي “القذاذفة”، عشيرة الرئيس الراحل معمر القذافي،  و”ورفلة”، وهم كثيرو العدد في غرب ليبيا، والفرجان والمقريحة، وهم الأكثر ولاء للنظام السابق.

وحظيت سرت فى عهد معمر القذافي بمكانة مميزة، فرغم فشله في تحويلها لعاصمة للبلاد، إلا أنه تمكن من إنشاء منطقة إدارية جديدة لمدينته، هي “الوسطى” لتضاف إلى الأقاليم الثلاثة الموجودة أصلاً وهي طرابلس وبرقة وفزان (جنوب)، كما بني فيها “مركز واغادوغو” لاستضافة القمم الإفريقية والدولية خدمةً لسياسته الإفريقية، وفي هذا المجمع أُعلنت فكرة قيام الاتحاد الإفريقي في التاسع من سبتمبر 1999، ضمن ما عُرف بـ”إعلان سرت”، وفي خضم الثورة الليبية، اعتُقل القذافي وقُتل على مقربة من سرت في أكتوبر 2011، بعد أن استُهدف موكبه بغارة جوية شنها تحالف تقوده فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

 

اقرأ ايضًا: “بي بي سي”: تركيا وروسيا تسعيان لاستنساخ صفقتهما بسوريا في ليبيا

 

روسيا وأنقرة

تذخر ليبيا باحتياطات نفطية هي الأكبر في قارة أفريقيا، كما أنها عضو فاعل في منظمة الدول المُصدرة للنفط “أوبك”، وهو ما يجعلها “مطمع” لبعض الدول، على رأسها تركيا وروسيا.

وفي يناير الماضي، وافق البرلمان التركي، على مذكرة تعاون عسكري وقعت مؤخرا مع تركيا، تفتح المجال أمام تدخل مباشر أكبر لأنقرة في ليبيا، وتتيح إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا دعماً لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي تتعرض لهجوم من القوات الموالية للمشير خليفة حفتر، لكن يبدو أن التقدم السريع لقوات طرابلس المدعومة من تركيا في مدينة سرت، عطل دور روسيا في منطقة النفوذ، مما ينذر بمساومة صعبة بين أنقرة وموسكو.

في 14 يونيو، أجل وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان زيارة إلى تركيا في اللحظة الأخيرة، بسب الخلاف بين الجانبين حول سرت، وفي مقابلة تلفزيونية، ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن سرت والجفرة وحقول النفط الرئيسية هي الأهداف التالية لقوات حكومة الوفاق، واعترف بأن روسيا “منزعجة” وقال إنه سيناقش الأمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتسعى تركيا إلى وجود عسكري دائم في ليبيا، بينما يقول البعض إن أنقرة من الممكن أن تذعن للسيطرة الروسية في قاعدة الجفرة مقابل السيطرة على سرت.

 

فرنسا والولايات المتحدة

ويري مراقبون أن الروس والفرنسيين ينظرون إلى سرت بنفس الأهمية، كليهما يريد الميناء والقاعدة، وفي 14 يونيو، هاجمت فرنسا تركيا بسبب تزايد “تدخلها” في ليبيا، متهمة إياها بإرسال السفن إلى هناك وانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وطلبت عقد اجتماع عاجل للناتو بشأن هذه القضية.

 

اقرأ ايضًا: “أردوغان”.. أحلام إمبراطورية من ليبيا إلى اليمن

 

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إن موقف تركيا “يشكل خطرًا على أنفسنا وخطرًا استراتيجيًأ غير مقبول لأنها تبعد 200 كيلومتر عن الساحل الإيطالي”، ووفق ما تداول، تسعى فرنسا للحصول على دعم أمريكي مباشر لوقف التدخل التركي، من خلال الناتو”، في حين تطالب تركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة في ليبيا.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأولوية لها هي إعاقة روسيا، وهو ما تسعي إليه من خلال كشف دور الطائرات الروسية في ليبيا، لكن يبقي انحياز واشنطن لتركيا بشكل غير مباشر متوقف على ظهور شراكة تركية روسية في الأفق.