أثارت القفزات التي سجلتها صناعة الغزل والنسيج خلال العام الحالي التي كانت الأعلى في سبع سنوات. تساؤلات بشأن دور الدولة في الاقتصاد وقدرة قطاع الأعمال العام على العودة للإنتاج والتصدير. وهو ملف دائما ما يتعرض لقصف جبهة من رجال الأعمال الذين يتهمون الدولة بالمزاحمة في الاقتصاد والاستثمار.
تؤكد تجربة الغزل والنسيج أن القطاع العام المصري يمكن أن ينهض بشرط توفير البيئة المتكاملة للصناعة. بداية من توفير المادة الخام والآلات الحديثة وتدريب العمالة الفنية على أحدث الوسائل التكنولوجية وفوق ذلك كله متابعة تغيرات السوق والأذواق.
صدرت مصر خيوط وأقمشة بنحو 513 مليون دولار (8 مليارات جنيه) خلال العام المالي 2021/2020. مقارنة بـ 377 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2019. و502 مليون دولار خلال العام المالي 2019/2018. و491 مليون دولار خلال العام 2018/2017، بما يؤكد وجود زيادة مطردة في التصدير.
يتماشى ذلك الانتعاش مع ضخ الدولة استثمارات بقيمة 21 مليار جنيه في قطاع الغزل والنسيج. عبر تطوير المغازل وتحسين البنية التحتية للمصانع، ومضاعفة الطاقات الإنتاجية. وتطوير العمالة وتعزيز القيمة المضافة للقطن وتحسين شروط التعاقد مع المزارعين.
تعني الأرقام السابقة أن الدولة يمكنها استرداد استثمارات في صناعة الغزل في أقل من ثلاثة سنوات. بما يفتح الباب إلى ضرورة استمرار ضخ الاستثمارات في الشركات الحكومية وهيكلة موظفيها لوضعها على الطريق الصحيح. وعدم ترك الملف الاقتصادي في يد شركات القطاع الخاص بالكامل كما يريد رجال الأعمال.
يزيد من تعزيز تلك الرؤية، تأكيد وزارة الزراعة بأمريكا التي تتبنى الاقتصاد المفتوح. أن السيطرة الحكومية على توزيع وإنتاج بذور القطن بدلا من القطاع الخاص كلمة السر في تحسين نوعية القطن المصري ودودته. وعودة مصر مجددا لكي تحتل مكانته من بين 4 دول فقط على مستوى العام في إنتاج القطن فائق الجودة.
خطة ضخمة
تتبنى وزارة قطاع الأعمال العام حاليًا إنشاء 65 مبنى سواء للمصانع أو المنشآت التابعة لها بتكلفة تقديرية حوالي 7 مليارات جنيه. تمهيدًا لتركيب الماكينات الحديثة الجاري توريدها من كبرى الشركات العالمية. ويتضمن مشروع التطوير إنشاء 3 مصانع للغزل في المحجلة أحدها أكبر مصنع للغزل في العالم على مساحة 62.5 ألف متر تنفيذ شركة جاما للإنشاءات. ومن المتوقع الانتهاء من الأعمال الإنشائية في بداية النصف الثاني من عام 2022، وبقيمة تعاقدية 780 مليون جنيه.
كما يوجد مجمع مصانع شركة مصر صباغي البيضا بكفر الدوار، والذي يضم 6 مصانع هي: الغزل، النسيج، تحضيرات النسيج، الصباغة والتجهيز، التفصيل. البرم على مساحة نحو 175 ألف متر بجانب المجموعة الصناعية بشركة دمياط للغزل والنسيج. بإنشاء 4 مصانع جديدة للغزل والنسيج والتحضيرات والصباغة بمساحة إجمالية نحو 103 آلاف متر. ويتمثل منتجها النهائي في أقمشة الجينز، بقيمة 1.5 مليار جنيه.
تتضمن المشروعات أيضًا تطوير شركات حلوان للغزل والنسيج، الدقهلية للغزل والملابس، الدلتا الجديدة (شبين الكوم – طنطا). وجه قبلي، والتي تم الانتهاء من مرحلة الدراسات والتصميمات ويجري حاليًا الطرح والترسية على شركات المقاولات.
مستويات قياسية
سجلت صادرات الملابس الجاهزة، التي تتضمن القطاعين العام والخاص. مستويات قياسية غير مسبوقة لتبلغ 1.8 مليار دولار عام 2020/2021 مقابل 1.5 مليار دولار عام 2019/2020، 1.6 مليار دولار عام 2018/2019، و1.5 مليار دولار عام 2017/2018.
أصبحت شركات النسيج، حاليًا، مصدرا لإنعاش صناعة الملابس عبر توفير المادة الخام اللازمة لها. ومن المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للنسيج إلى 198 مليون متر/ للعام بدلاً من 50 مليون متر/ العام حالياً. في حين من المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للملابس الجاهزة والمشغولات والوبريات بعد التطوير إلى 50 مليون قطعة/ للعام بدلاً من 8 ملايين قطعة/ للعام حاليًا.
من المستهدف أيضًا أن تصل طاقة المحالج الإنتاجية بعد التطوير إلى 4,4 مليون قنطار/ العام بدلاً من 1,5 مليون قنطار/ العام للمحالج القديمة. بينما من المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للغزل بعد التطوير إلى 188 ألف طن/ للعام بدلاً من 35 ألف طن/ للعام حالياً.
الأكثر طلبا
دخلت صناعة النسيج مستويات أخرى تتعلق بتوفير الخامات الأكثر طلبا في السوق. عبر قرار الدولة بإنشاء مشروع أقمشة الجينز الخاص بشركة دمياط للغزل والنسيج بعد تخفيض التكلفة الاستثمارية بشراء ماكينات من الشرق الأقصى بدلا من أوروبا لتحفيز العائد على الاستثمار.
انضمت مصر لمبادرة قطن أفضل BCI في مايو 2020، كجزء من حملة جديدة لزيادة الاستدامة وتحسين ظروف مزارعي القطن. حيث يتم تطبيق المبادرة في محافظتي كفر الشيخ ودمياط، وأصبح نحو 2000 مزارع قطن من أصحاب الحيازات الصغيرة. يشاركون في المبادرة خلال موسم القطن 2020/2021. ويتم حصولهم على تدريب وشهادة زراعة وبيع قطن مصري معتمد «قطن أفضل».
يتم حاليًا دفع 70% من مستحقات المزارع المالي من الشركات التي يؤسو عليها مزاد القطن في اليوم التالي لإجراء المزاد. والـ30% المتبقية خلال أسبوع من إجراء المزاد بعد الفرز وتحديد معدل التصافي والرتب. ويتم التحصيل من خلال أحد البنوك التي يتم التعاون معها في تفعيل هذه المنظومة. ما أغرى المزارعين بزيادة المساحة المزروعة إلى 231014 فدانا. مقارنة بـ170929 فدانا الموسم الماضي بزيادة أكثر من 60 ألف فدان، وفق بيانات رسمية.
وضعت الدولة أيضا خطة لإنشاء شركة للتسويق والبيع لمنتجات الغزل والنسيج بخبرات من القطاع الخاص. تحت علامة تجارية جديدة باسم “نيت” إلهة النسيج عند القدماء المصريين، بحسب بيان من وزارة قطاع الأعمال اليوم الإثنين.
اتهامات متكررة
تأتي التطورات في قطاع النسيج في ظل اتهامات وجهها رجال الأعمال كنجيب ساويرس. للدولة بمزاحمة القطاع الخاص، ساويرس قال في مقابلة أخيرًا، إن الدولة يجب أن تكون “جهة تنظيمية وليست مالكة” للنشاط الاقتصادي. معتبرا أن المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص “غير عادلة منذ البداية”.
فتحت الدولة المجال أمام القطاع الخاص كثيًرا وتستهدف زيادة مشاركته في الاقتصاد بنسبة 50%. لكن في الوقت ذاته تشير الإحصاءات إلى أن استثمارات القطاع الخاص قد تراجعت من نحو 46.4% من إجمالى استثمارات عام 2018/2019 إلى نحو 38% عام 2019/2020 وتقدر بنحو 23% عام 2020/2021.
يركز القطاع الخاص استثماراته على الاستثمارات العقارية والغاز الطبيعى والزراعة والاتصالات. الأمر الذى يشير إلى عدم قدرة هذا القطاع على إدارة عجلة الاقتصاد القومي في ظل غياب الاستثمار العام. حيث يسير بركاب الاستثمارات العامة دون أن يبادر بالدخول المجالات الاستثمارية المختلفة، وهى إحدى السمات الأساسية للقطاع الخاص حتى الآن. كما أن القطاع الخاص يفضل الأسواق المحلية ويبتعد كثيرًا عن الأسواق الدولية نظرا لارتفاع هامش الربح بالأولى.
وتصــدر قطــاع الغــاز الطبيعــي قائمــة اســتثمارات القطــاع الخــاص. إذ اســتأثر بنســبة 20.8% مــن مجمــوع الاسـتثمارات التـي نفّذهـا القطـاع الخـاص، وجـاء قطـاع العقـارات فـي المرتبـة الثانيـة بنسـبة 17.2% فـي المئـة. ثم الكهربــاء 10.4% فالاتصالات بنسبة 7.3% والنقل والتخزيـن بنسبة 7.6% ثم الجملـة وبالتجزئـة بنسبة 5,5%. بجانب 3.3% في البناء و2.2 في الخدمـات التربويـة.
تؤكد غالبية الدراسات الاقتصادية أن العلاقة بين الاستثمار العام والخاص تميل إلى التكامل فالفترات التي تشهد تزايد الاستثمار العام. تزايد أيضًا الاستثمار الخاص، والعكس صحيح خلال الفترة ما بين عامي 1982 وحتى 2016. وفي غالبية الأوقات ظلت نسبة الاستثمار العام أعلى من الاستثمار الخاص ما يدل أن تدخل الحكومة في الاقتصاد ومساهمتها العملية الإنتاجية والبنية التحتية يشكل المساهم الرئيسي.
تكامل لا تعارض
الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن القطاع العام والقطاع الخاص كفتا الميزان. فالدولة لا تستطيع القيام بمفردها بجميع الأدوار وكذلك القطاع الخاص لا يستطيع أن يقوم بالاستثمار في القطاعات منخفضة الربحية أو مشروعات البنية التحتية.
وأضاف أن مصر عانت في فترات عدم الاستقرار السياسي من عزوف القطاع الخاص عن العمل سواء المحلي والأجنبي. وعندما استقرت الأوضاع السياسية والأمنية تبنت خطة للإصلاح الاقتصادي وتحسين مالية الدولة وتهيئة بيئة الاستثمار، وتصدت الدولة لمشروعات الكبرى في البينة التحتية بهدف توفير البيئة المشجعة للمستثمرين.
يضيف أن وجود الدولة ضامن لضبط السوق وعدم تغول القطاع الخاص. وحينما تدشن مشروع كبير فإن الباب مفتوح للقطاع الخاص للعمل في تورد السلع الوسيطة وإنشاء مصانع مكملة. كما أن الدولة قدمت ضمانات وحوافز الاستثمار لتحفيز القطاع الخاص على العمل.
يؤكد جاب الله أن الادعاء بأن القطاع العام ينافس القطاع الخاص غير حقيقي على الإطلاق، القطاع الخاص في مصر من أكثر الدولة ربحية فكرة. ومطالبات بعض رجال الأعمال للدولة بالانسحاب يقابلها مطالب معاكسة من المواطن بالتواجد لضمان توفير السلع بسعر عادل.