بعثت الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى القارة الأفريقية. بينما شملت ثلاث دول رئيسية، هي كينينا ونيجيريا والسنغال، بدلالات عديدة. تتصل باستراتيجية الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة وسياستها التي تعمد إلى استعادة الشراكة مع أفريقيا. وذلك بخلاف ما حدث في فترة حكم سلفه دونالد ترامب، الذي خفض مستوى العلاقات إلى حدودها الدنيا. ووصف دول القارة بـأنها “دول قذرة”. كما بقيت العديد من المناصب الدبلوماسية الأمريكية في العواصم الأفريقية شاغرة منذ وصول ترامب للبيت الأبيض.
من المرجح أن تتجه إدارة بايدن نحو إجراء تغييرات محورية على صعيد السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا. وبما يسمح لواشنطن أن تكون أكثر انخراطا مع شركائها الأفارقة، وفقا للباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، أحمد عسكر. ويستند هذا الترجيح إلى عدد من المؤشرات. في مقدمتها، قناعة بايدن بفشل إدارة ترامب في العديد من الملفات التي أفضت إلى تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة ليس في أفريقيا فقط وإنما على الصعيد العالمي أيضاً. وهو ما أكده بايدن عقب فوزه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة حين قال إن “أمريكا عادت، ومستعدة لقيادة العالم”.
السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا
ويرى في بحث بعنوان: “السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في عهد بايدن.. حدود التغيير المحتمل”، أن الخبرات السابقة لـبايدن في ظل إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما. ستلعب دورا في صياغة سياسة أمريكية فاعلة يعزز من خلالها العلاقات مع القارة الأفريقية. كما أن الشخصيات التي رشحها بايدن لشغل مناصب قيادية في إدارته المقبلة، تؤشر إلى أن الولايات المتحدة ستعطي اهتماماً أكبر للقارة. بالنظر إلى ما تملكه هذه الشخصيات من آراء ومواقف إيجابية بشكل عام تجاه القضايا الأفريقية.
ونذكر من هذه الشخصيات أنتوني بلينكن المرشح لمنصب وزير الخارجية والمعروف بدعمه الكبير للشراكة مع أفريقيا؛ وليندا توماس غرينفيلد ذات الأصول الأفريقية التي عملت في أفريقيا في ليبيريا وكينيا وغامبيا ونيجيريا. وشغلت منصب مساعد وزير الخارجية لمكتب الشؤون الأفريقية في إدارة أوباما؛ وسوزان رايس التي عملت مساعدة لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية في الفترة بين عامي 1997 و2001. ومستشارة لـ جون كيري في عام 2004 وأوباما في عام 2008. كما مثلت واشنطن في الأمم المتحدة في الفترة 2009-2013.
وقد عقب سفير الولايات المتحدة السابق لدى الاتحاد الأفريقي في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما روبن إي بريغتي. على هذه اللغة الدبلوماسية، بأن: “المشكلة الأساسية هي أنه لا يمكن تجاهل الرئيس، فقد وصف كل أفريقيا بأبشع الأوصاف”.
استعادة الشراكة القديمة
واللافت أن الزيارة الأمريكية التي تعد الأولى منذ وصول بايدن للحكم، في النصف الثاني من الشهر الماضي تشرين الثاني (نوفمبر)، تزامنت وتدشين الاجتماع الوزاري الثامن الخاص بمنتدي التعاون الصيني الأفريقي.
وبحسب وزير الخارجية الأمريكي، فإن بايدن يهدف إلى عقد قمة لقادة القارة الأفريقية، ولافتا في زيارته للعاصمة النيجيرية، أبوجا، إلى أن توجهات واشنطن للقارة. إنما تضطلع باستعادة الشراكة القديمة. وتابع: “كمؤشر على التزامنا بشراكاتنا عبر القارة، ينوي الرئيس بايدن استضافة قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا للدفع قدما بنوع من الدبلوماسية عالية المستوى. والانخراط القادرين على إحداث تحول في العلاقات وجعل التعاون الفعّال أمرا ممكنا”.
وأضاف: “زيارتي تعكس عمق العلاقة مع الدول الأفريقية. علينا أن نعزز الأمن والاستقرار الدائمين هنا. نحن لا نريد أن نحد من شراكاتكم مع الدول الأخرى، بل نريد أن تعززوا شراكتكم معنا”.
الدور الفاعل لأفريقيا
كما أوضح بلينكن أن دول كنيجيريا قيادية وتزداد أهمية حول العالم. ويجب أن تضطلع بدور أكبر في المحافل الدولية. كما أكد على الدور الفاعل لأفريقيا في عدد كبير من الملفات. وأكد على التزام الولايات المتحدة بتوزيع اللقاحات للعالم أجمع. وقال: “نريد أن نرى اقتصادات الدول الأفريقية تنمو، واستحداث فرص العمل للشباب لأنهم محرك الاقتصادات. علينا استغلال التكنولوجيا لدعم الديمقراطيات وليس تقويضها”.
وفي ظل التجاهل الذي تعاطى به ترامب مع شؤون القارة الأفريقية، فقد سمح له بتمدد النفوذ الصيني. وملء فراغ الولايات المتحدة من خلال تكثيف أنشطتها السياسية والدبلوماسية. فضلا عن تنويع استثمارتها. وتقديم بكين باعتبارها شريكا تجاريا مهما.
وقد سجلت الصين في عام 2018 أكثر من ثلاثة أضعاف حجم تجارتها في أفريقيا. ففي عام 2018 أعلنت عن استثمارات إضافية بقيمة 60 مليار دولار (بعد 60 مليار دولار تعهدت بها في عام 2015). والتي تضمنت مشاريع البنية التحتية. وذلك ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية بهدف بناء طرق تجارية عالمية.
انخراط فعال في شؤون القارة الأفريقية
وحول الدلالات الاستراتيجية لزيارة بلينكن لأفريقيا، يوضح مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن. بدأت فترة ولايتها عبر محاولة إعادة بلورة استراتيجية أمريكية. تقوم على الانخراط الفعال في شؤون القارة الأفريقية، على عكس الرئيس السابق، دونالد ترامب. وبرز هذا التوجه مبكرا من خلال الرسالة التي وجهها بايدن خلال القمة الأفريقية الافتراضية في فبراير 2021، حيث أعلن عن تطلعه نحو تعزيز الشراكة الأمريكية الأفريقية.
ويردف: “كان من المفترض أن تكون جولة وزير الخارجية الأمريكي إلى أفريقيا في آب (أغسطس) الماضي. بيد أن الملفات الإقليمية والدولية التي فرضت أولوياتها على الأجندة الأمريكية أخرت موعد الجولة. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى جملة من الأهداف المباشرة والعاجلة التي تستهدفها الجولة. تتمثل فيما يلي: ضبط صراعات القرن الأفريقي: مثلت كينيا المحطة الأولى في جولة بلينكن، خاصة أن نيروبي تمثل حليفا تقليدياً لواشنطن. إذ تعتمد عليها كثيرا في تحقيق المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي، كما أنها عضو غير دائم في الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي”.
واستهدفت زيارة الوزير الأمريكي إلى كينيا تحقيق عدة أهداف رئيسة، من بينها، الوساطة بين واشنطن والحكومة الإثيوبية، بحسب مركز المستقبل. حيث سبقت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى نيروبي، زيارة أخرى قام بها الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا. إلى إثيوبيا لمحاولة الوصول إلى تسوية للصراع المتأزم في أديس أبابا، في ظل وجود تقديرات أمريكية رجحت احتمالات انهيار حكومة آبي أحمد مع التقدم المستمر للتحالف الذي تقوده قوات التيجراي.
تقديم الدعم لدول القارة
ويتابع: “على الرغم من العقوبات الأمريكية ضد أديس أبابا، فإن بلينيكن تجنب وصف الأوضاع الراهنة في إثيوبيا باعتبارها “إبادة جماعية” لتجنب تفاقم التوتر معها. ويبدو أن بلينكن يسعى لتوظيف كينيا كقناة للتفاوض مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خاصة أن ثمة تقديرات رجحت بأنه كينياتا سيقوم بزيارة أخرى إلى إثيوبيا قريبا”.
ويضاف لذلك، حلحلة الأزمة في السودان، فقد زارت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، ماري كاثرين. السودان بالتوازي مع زيارة بلينكن إلى كينيا. ونجحت واشنطن في لعب دور في التوصل للاتفاق الأخير الذي توصل إليه رئيس المجلس السيادي، عبدالفتاح البرهان. ورئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، وعودة الأخير لمنصبه ليستمر في تمثيل المكون المدني في الحكومة.
ويلفت المركز إلى جملة أهداف تبدو غير مباشرة وضمنية، ترتبت على تلك الزيارة، وتتمثل في مواجهة النفوذ الصيني والروسي بالقارة. ومواجهة دبلوماسية اللقاحات الصينية، وبدلا من الاعتماد على آليات الصين في الترويج للقاحاتها، فإن واشنطن تستهدف استعادة نفوذها من خلال تقديم الدعم لدول القارة لإنتاج اللقاحات.
وقد طرح وزير الخارجية الأمريكي مبادرة جديدة سميت بـ”.” Global Covid Corps. وهو الأمر الذي برز على نحو مباشر من خلال “معهد باستور” الذي جرى إنشاؤه بواسطة دعم أمريكي وأوروبي في العاصمة السنغالية داكا لإنتاج لقاح فيروس كورونا.