طوال أسبوع كامل لم يتوقف المصريون عن التعليق على ما قاله نجم كرة القدم محمد أبو تريكة. ذلك حين خرج من ناصية التحليل الرياضي نحو رفض شعار المثلية الجنسية في الدوري الإنجليزي. وهو الأمر الذى تعامل معه بعض المتابعين باستخفاف، على اعتبار المثلية بدعة غربية. غير أن هذا الجدل يثار أكثر في المجتمعات الغربية التي يشغلها سؤال الجنسانية منذ سنوات طويلة، سواء في الدوائر الدينية أو البحثية والأكاديمية أو حتى على المستوى الاجتماعي.
على مستوى الكنائس الغربية، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن قضية المثلية الجنسية قد تسببت في انقسامات ضخمة بين تيارات محافظة لا تقبل حتى معاملة إنسانية للمثليين، وأخرى ترى ضرورة احتوائهم ودعمهم وتقديم المحبة لهم، وثالثة ليبرالية تسمح بزواج المثليين داخل إطار الكنيسة.
مشهد في موقف بابا الفاتيكان من المثلية الجنسية
يروي إبراهيم ناجي صاحب كتاب «طبيب النفوس» الذى سرد سيرة البابا فرنسيس، مشهدًا يلخص موقف بابا روما من المثليين. يقول: أثناء المؤتمر الصحفي على متن الطائرة العائدة به من ريو دي جانيرو إلى روما بعد حضور الأيام العالمية للشباب بالبرازيل في يوليو 2013. وبعد أربعة أشهر فقط من انتخابه بابا للكنيسة، أكد البابا فرنسيس على موقفه تجاه مثليي الجنس. قائلاً: إذا كان هناك شخص مثلي الجنس، يسعى إلى الله، ويتحلى بالإرادة الخيرة، فمن أنا كي أحكم عليه.
ذكر البابا فرنسيس تلك العبارة «بينما تعتبر أفعال المثليين مؤثمة، فإن التوجه الجنسي المثلي ذاته غير مؤثم».
يوضح ناجي إن الأمر بالنسبة للبابا فرنسيس أشبه بالسير على الحبل في الهواء. إذ يحمل في طياته ألغامًا وفخاخًا يمكن استخدامها للهجوم على الكنيسة. ولا يمكن حصر خبرة الكنيسة الكاثوليكية مع المثلية الجنسية في تصريح للبابا أو أحد الكرادلة. فالموقف الرسمي للفاتيكان يعبر عن موقف الكنيسة الكاثوليكية الجامعة الصادر في وثيقة العام 2003 وقت حبرية القديس يوحنا بولس الثاني، بالتأكيد على تحريم الاعتراف بالزواج المدني بين مثلي الجنس، تحت أي شكل أو مسمى.
يستكمل ناجي بأن من وقع على هذه الوثيقة حينها الكاردينال جزيف راتزينجر، رئيس مجمع العقيدة والإيمان آنذاك. وهو الذي أصبح بعد عامين، في العام 2005 البابا بنيدكتوس السادس عشر. وبحسب التيارات الاصلاحية بداخل الكنيسة في ذلك الوقت، فقد قيدت تفاصيل الوثيقة حركة الأساقفة المحليين وحرمتهم من أية مساحة للمناورة في أية معركة يمكن أن تحقق نفعًا أكبر.
يعود ناجي بالتاريخ إلى ما قبل انتخاب البابا فرنسيس خليفة لبطرس الرسول وبابا للكنيسة. فيقول: هذا بالضبط هو ما اختبره الكاردينال خورخيه ماريو بيرجوليو رئيس أساقفة بيونس إيريس بالأرجنتين -البابا فرنسيس لاحقًا- في العام 2010 مع تشريع قانون زواج المثليين بالأرجنتين. إذ ظهرت تعقيدات الموقف على الأرض وسط تصاعد الحرب على القانون الإلهي الوضعي للزواج بين رجل وامرأة. ذلك مع تنامي التيارات المدنية والحقوقية الداعية إلى عكس ذلك.
الحرب مع إبليس في خطاب الكاردينال بيرجوليو
وفق ناجي، فإنه قبل أن يصوت البرلمان الأرجنتيني حينها على التشريع، أرسل الكاردينال بيرجوليو خطابًا إلى الراهبات الكرمليات ببيونس إيريس. طلب منهن صلواتهن لمواجهة تلك الحرب التي يرتدي فيها إبليس ثوب الداعية للحقوق المدنية. قال: هذا الأمر يُمثل هجومًا مباشرًا على قانون الرب، وليس فقط جدالاً سياسيًا بسيطًا. هو محاولة من أبو الكذب إبليس للسعى إلى تضليل وخداع أبناء الله. ومضى الكاردينال في خطابه طالبًا صلوات الراهبات من أجل طلب معونة الروح القدس، بحسب وصفه «لحمايتنا من إملاءات أولئك المُتّسفسطين الذين يدافعون عن القانون، والذين يخدعون ويُضلون حتى أولئك أصحاب النوايا الطيبة».
سلط بيرجوليو -في خطابه- الضوء على طرف الأفعى وعلاماته المعتادة بالجنون، الانقسام، الخداع، الحسد. بحسب كلماته فى الخطاب «أنها حرب الرب»، وفقًا لناجي.
يضيف ناجي: كان بيرجوليو يرى خلف المعركة السياسية بشأن القانون، معركة روحية، حيث الشيطان، يسوق ويُثير الشعور بالمنافسة، وكالعادة يظهر الشيطان نفسه كملاك نور يحمل شعلة (المساواة، العدل، الحقوق المدنية، وكل الأشياء الطيبة). ومن ثم يخدع جميع ذوى النوايا الطيبة.
ويشير ناجي إلى أن البابا فرنسيس لا يزال يواجه ما واجهه من اتهامات من جانب التيارات الكنسية المتشددة قبل انتخابه حبرًا أعظم كونه لم يكن مُتطلبًا بما يكفي تجاه الإيمان. وكونه لم يُظهِر بوضوح هويته ككاهن. ولأنه لم يعظ بما فيه الكفاية بشأن التساؤلات الخاصة بالأخلاقيات الجنسية.
إذا كان هذا هو الحال في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي تعتبر أحد أكبر الكنائس التقليدية في العالم، فإن الوضع أكثر تعقيدًا في الكنائس المُصلحة التي انقسمت داخليًا جراء تلك القضية.
كيف وضعت المراجع الدينية تعريفًا للجنس؟
يتبنى التيار الليبرالي في الكنائس المصلحة رأيًا مغايرًا، إذ يعود إلى تعريف الجنس نفسه فيصل إلى أن الجنس، هو الإيلاج بغض النظر عما إذا كان بين ذكر وذكر أو ذكر وأنثى. وهو الأمر الذي يبرر غياب أي مرجعية نصية سواء مسيحية أو إسلامية تجرم الجنس بين النساء. حيث تصفه كتب الشريعة الإسلامية باللعب واللهو. ذلك لأنه لا يتضمن الإيلاج.
هنا، تفرق المراجع الدينية بين الفعل الجنسي، والذي يتضمن التقبيل والتلامس والمداعبة، وبين الجنس نفسه كفعل محرم ومجرم. إذ يمكن اختصار معناه في الإيلاج فقط. وهو ما ينسحب على العلاقة الجسدية بين الرجل والرجل والرجل والمرأة. توصلت الكنائس التي سمحت بزواج المثليين مثل كنيسة المسيح الموحدة في أمريكا إلى أن السماح بزواج المثليين في الكنيسة يمنع وقوع خطيئة الزنا بغض النظر عن جنس مرتكبها سواء أكانت بين رجل ورجل أو امرأة ورجل. وهو ما دفع الكنيسة لتبني خطاب القبول والموافقة على زواج المثليين في إطار كنسي.
ما موقف الكنائس الشرقية من قضية المثلية الجنسية؟
تقف الكنائس الشرقية التقليدية موقفًا حاسمًا من تلك القضية. إذ مازال بعض الأساقفة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مثل الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة، ينظر إلى المثلية باعتبارها مرضا لابد من علاجه، أو خطيئة ينبغي التوبة عنها، مثلما قال البابا تواضروس الثاني من قبل.
الأمر لا يختلف كثيرًا في الكنائس المُصلحة الشرقية. إذ أن بعض الخدام المشاهير في الكنيسة الإنجيلية يتبنون خطابًا مشابهًا يرى أن الميل الجنسي مرض يمكن علاجه. أما المطران منيب يونان مطران الكنيسة اللوثرية السابق بالقدس فقد أكد من قبل أن الكنيسة تقبل الجميع. وهو يرفض خطاب الكراهية تجاه المثليين. ويشدد على ضرورة التحلي بالروح المسيحية في معالجة تلك القضايا.
لا يمكن التوصل إلى حل بسيط في جدل المثلية الجنسية. إذ يتأثر الموقف منها بعوامل اجتماعية وسوسيوثقافية، بل واقتصادية أحيانًا. لكن الأمر المحسوم هو ضرورة إيقاف خطابات الكراهية، التي تعلن على المنابر سواء أكانت رياضية أو دينية. كما يجب التوقف عن اعتبار المثلية مرضًا معديًا مثل كوفيد 19 لابد وأن تتم حماية المجتمع منه. فالميل الجنسي لا يتغير سواء أكان المجتمع متسامحًا مع المثلية أو معاديًا لها. ومن ثم الترويج لفزاعة أو وهم المثلية لن ينتج إلا المزيد من الكراهية التي ينبغي التصدي لإيقافها.