“سنغير استخدام أراضي شركة الحديد والصلب بعد تصفيتها من صناعي لعقاري لرفع قيمتها بشكل كبير”.. قالها وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق خلال جلسة عامة للبرلمان. هكذا صرح الوزير حول “استثمار” أرض “الحديد والصلب”. وتوفير التعويضات من هذا “الاستثمار” بالحصول على دفعة مالية من هيئة المجتمعات العمرانية مقابل حصولها على أراض من الشركة. بالإضافة إلى قرض من بنك الاستثمار القومي، ولكن تم تغيير الخطة بعد موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي على طرح الأرض للبيع بالمزاد العلني بعد تغيير نشاطها.
الحديد والصلب من صناعي إلى عقاري
تأتي إسهامات الوزارة تلك بحثا عن بدائل لاستخدام أرض مصنع الحديد والصلب. كخنجر في صدر كل من عمل بالمصنع الذي يعد ركيزة استراتيجية بخريطة الصناعات.
“بجرة قلم نسفوا كل جهد العمال في مشروع وطني”. يقول فتحي محمد أحد عمال المصنع تعليقا على قرار تصفية “الحديد والصلب”. وأضاف أنه يتم استكمال عملية النسف بمحاولة طرح أرض المصنع للبيع في مزاد علني: “شقى العمر بيتباع قدام عينينا”.
لم يُخلف “عم فتحي” -اسم مستعار- وعده مع خدمة صناعة الحديد والصلب. قضى هنا أكثر من 40 عاما بعد التحاقه بالمصنع عاملا في سن 18. هنا تولى مناصب قياديه بالشركة: “الوزير لم يدخل الشركة.. بيتي الثاني هنا.. كانوا بيدرسوها في المناهج ويقولوا لماذا أقيمت الحديد والصلب جنوب التبين في حلوان؟.. لم يعد المصنع موجودا للأسف”.
يرى “فتحي” وزملاؤه أن شركة الحديد والصلب ليست عملا وظيفيا بل كانت وطنا لهم. فمنهم من رفض عروضا بمرتبات تفوق ما يتقاضى وكان رده: “دا بيتي وأهلي.. أبيعهم ازاي؟”. يقول “فتحي”: “في أيام الثورات كنا بنحمي المصنع بنفسنا”.
صانع الحديد والصلب إلى عالم “التوك توك”
بين ازدحام الطرق والمواصلات ينتظر “خليل” -اسم مستعار- أحد مهندسي شركة الحديد والصلب. أمام إحدى المدارس لاستقبال تلاميذ سينقلهم إلى منازلهم بـ”توك توك”.
بعد حصول “خليل” على تعويض الحديد والصلب صار عمله على هذا “التوك توك”.
سبعة أشهر قضاها في البحث عن عمل ولم ينجح. وذلك نظرا لشروط العمل. التي تنحصر بين المتخرجين حديثا من الجامعة أو من لم يتخطّ 30 عاما.
أرض الحديد والصلب لا تصلح “سكني”
عن تحويل شركة الحديد والصلب إلى أرض عقارية ومحاولة عرضها للبيع، كشف “خليل” أن أرض المصنع لا تصلح لتحويلها إلى منطقة سكنية. ويفسر ذلك بأن أرض الشركة بها ممرات خرسانية وغرف أسفل سطح الأرض بعمق 500 متر.. نحو 24 دورا تحت الأرض.
“وزير قطاع الأعمال مازارش الشركة.. يدوب رمانا في الشارع، ودلوقتي بيخلص علينا برصاصة تانية بتحويل أرض الشركة لمنطقة سكنية.. أرض شركتنا هيسكنها المرفهين”. هكذا أشار “خليل” مضيفا أنه حصل على تعويض تحت اسم “التصفية”. لكن في الحقيقة وقّع على أوراق “استقالة” بشرط عدم اللجوء لأي جهة قضائية. وتساءل: “بعد تشريد 7500 عامل هل سيكون هناك طريق رجعة؟!”.
الاسم شغالين واستثناء من التعويض
لم تنته معاناة العمال مع التعويضات والبحث عن عمل بديل.
حرمت اتفاقية تسوية تعويضات عمال “الحديد والصلب المصرية -تحت التصفية-” العمال بأعمار 58 و59 عاما من التعويضات.
وتقرر أن يظل هؤلاء العاملين على قوة الشركة حتى انتهاء أعمال التصفية، على أن يتقاضى من اقتربوا من سن المعاش القانونية رواتبهم دون الحصول على تعويضات التصفية، كما سيحصلون على مستحقاتهم القانونية وقت التقاعد.
ووفقا لاتفاقية التسوية التي وقعتها النقابة مع الشركة القابضة للصناعات المعدنية -المالكة لشركة الحديد والصلب- تتراوح قيمة التعويضات بين 225 و450 ألف جنيه حسب عدد سنوات العمل.
“فتحي” و771 عاملا ممن اقتربوا من الحصول على المعاش، رفعوا دعوى قضائية مقرر أن يتم النظر فيها يوم 5 يناير المقبل. وذلك للمطالبة بالمساواة في التعويض دون استثناء، حيث تم تحديد أنهم “عاملون تحت التصفية ويتقاضون أجرا شهري دون بدلات”: “شغالين اسم على ورق”.
وأشار العامل الإداري إلى أن التعويضات وما تم صرفه حتى الآن فقط للعاملين الشباب بالحد الأقصى للتعويضات المقدر بـ225 ألف جنيه، والأعمار من 58 إلى 60 عاما فتعويضهم المعاشات.
مطالبات بإقالة وزير قطاع الأعمال
“القرار يمثل خطورة على حاضر ومستقبل التنمية الصناعية والتوجه التنموي الإنتاجي الجاد في مصر”. يقول حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تعليقا على قرار وزير قطاع الأعمال الأخير باستخدام أرض شركة الحديد والصلب في أنشطة سكنية. وطالب الحزب بالمحاسبة والإقالة العاجلة لوزير قطاع الأعمال العام.
واعتبر الحزب القرار “خطيئة ترقى لدرجة الجريمة” وتصفية الشركة وتحويلها لمجرد أراض عقارية جريمة في حق التنمية الاقتصادية الجادة وحق مصر والمصريين.
وأشار الحزب في بيانه أن تبريرات الوزير لقراره ذاك زائفة. وأضاف: “الوزير مسؤول عن تطوير الشركات التابعة له وليس تصفيتها وهدمها وبيع أراضيها”.
وأوضح بيان الحزب أن هذا التوجه بالتصفية مهيمن على سياسة الوزير ووزارته، فهو المسؤول عن أزمة الشركة وعن رفض كل الحلول لمعالجة الأزمة عبر إصلاح وتطوير الشركة لا تصفيتها، وهي حلول تضمنتها عروض شركات عالمية مثل (تاتا) الإنجليزية وشركات أوكرانية وروسية”.
حزب الكرامة أيضا لفت إلى أن قرار تصفية قلعة الصناعة الوطنية -شركة حلوان للصلب- يناقض ما تدعيه الحكومة حول تعظيم الأصول الوطنية وتحقيق أقصى استفادة منها. ويضيف: “الحديد والصلب” هي الوحيدة التي تنتج الصلب الضروري للصناعات الرئيسية، وتحويل أرضها لنشاط عقاري يطلق رصاصة الرحمة على قلعة وطنية للصناعة.
شركة أخرى إلى التصفية بعد الحديد والصلب
ودعا الحزب في بيان إلى “وقفة جادة مع وزير قطاع الأعمال ومراجعة سياساته بعد قراره تحويل أراضي الحديد والصلب إلى نشاط عقاري”. لافتا إلى أن الوزير صرح قبل أيام أن هناك شركة أخرى سيكون مصيرها مثل “الحديد والصلب” وسيتم إعلان تصفيتها.
وأدان حزب الكرامة تصريحات الوزير عن تصفية “الحديد والصلب” واستخدام أراضيها بإجمالي 6 ملايين متر مربع من صناعي لسكني وإداري وتجاري. ودعا الجهات المعنية في الدولة وأعضاء مجلس النواب الوطنيين للتصدي لهذه الخطوة بالغة الخطورة.