تفرض الظروف الحالية اتباع قواعد جديدة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية، بسبب فيروس كورونا المستجد، فالجميع مجبر على قضاء إجازة عيد الفطر المبارك بشكل مختلف، لا مجال للزيارات، أوالمجاملات، أو أي تجمعات عائلية، كل شيئ من شأنه أن يحرك الفرد من منزله صار محسوبا بدقة.
جاء ذلك موازياً مع قرارات الدولة بفرض الحظر الجزئي من الساعة الخامسة مساء خلال أيام العيد وحتى السادسة صباحاً، بالإضافة لتعطيل حركة المواصلات العامة والنقل الجماعي، واستمرار غلق المسارح ودور السينما وجميع الحدائق والمتنزهات، وبالرغم من أن جميع تلك الإجراءات من شأنها الحد من التجمعات لتقليل فرص الإصابة بكورونا، إلا أن الضغط الواقع على عاتق الأسر المصرية خاصة الأطفال صار شديدا.
من هنا جاءت فكرة “بلياتشو أون لاين”،حيث جرت العادة أن تنشط عروض البلياتشو ومسارح الأطفال في الأعياد خصيصاً لإدخال البهجة على الأطفال، إلا أن هذا العام صار من الصعب بل من المستحيل الوصول لتلك البهجة، ومن هنا جاءت فكرة بلياتشو أون لاين، وهي عروض عن بعد يقدمها شباب على صفحاتهم الخاصة ليراها الأطفال ويعيشوا طقوس العيد كما اعتادوا عليه ولكن من منازلهم.
تقول آية إيهاب، إحدى القائمين على الفكرة إن القصة بدأت لديها بداية من شهر رمضان، وكانت تود أن تبدأ فيها بحفلات صغيرة تقدم من خلالها أغاني رمضان المتعارف عليها، إلا أن الظروف لم تسمح بذلك، وبدأت بنشر الفكرة بين أصدقائها ، فهي خريجة فنون مسرحية وتحب تقديم حفلات البلياتشو ومسرح العرائس وقدمت عددا من العروض منذ عام وقررت أن تعود للتجربة مرة أخرى.
“دشنت جروبات للأمهات أولاً”.. يقولها “أحمد راضي” الذي بدأ في عمله بلياتشو منذ عامين، في مسارح المدارس للأطفال، وقت أن كان يبحث عن عمل ولم يجد فلجأ لمهنة البلياتشو، والآن قرر أن يجمع أكبر عدد من المتابعين لصفحته أولاً ليتمكن من تقديم المحتوى بشكل جيد، موضحاً أنه درس التجارة، وتخرج في الكلية عام 2009 لم يجد بعدها فرصة عمل، إلى أن قامت الثورة، وحصل بعدها على أكثر من وظيفة، أعلى راتب فيها كان لا يتعدى 1200 جنيه ، وهو مبلغ لا يكفي الاحتياجات الشخصية على الإطلاق، وفق قوله.
اتجه “أحمد” للعمل بلياتشو في إحدى حفلات المدارس الابتدائية، بعد أن أقنعه صديقه بالفكرة، موضحاً أن مهنة “المُهرج” تعد من أكثر المهن التي تضفي البهجة على الجمهور، فضلاً عن المكسب المادي الذي يحققه من امتهانها، والذي يتعدى 5000 جنيه مصري شهرياً وهو ما لا يتحصل عليه من هم في سنه ويعملون بالتجارة الآن.
بالرغم من أن “أحمد” لن يتحصل على المال من خلال العروض عبر الإنترنت، إلا أن “سعادته بإدخال البهجة على الأطفال وأسرهم في العيد تفوق أي مكسب مادي منتظر”.
يضيف أحمد : ” اعتاد مرتادو السيرك على رؤية البلياتشو كرجل يرسم البهجة على وجوه الجماهير بحركاته البهلوانية، دون التأكد من سعادة هذا الرجل أثناء تأديته لهذا العمل ” ، موضحاً أنه في كثير من الأحيان تكون لديه مشكلات كبيرة أو لديه حالة وفاة لشخص عزيز عليه، ومع ذلك تختفي معالم حزنه بمجرد تلوين وجهه وارتدائه لبدلة عمله المليئة بالألوان والبهجة، واعتلائه للمسرح ، وسرعان ما يعود لحالته الأولى عقب انتهاء فقرته مباشرة.
إلا أنه خلال الفترة الحالية يشعر بسعادة حقيقية فمجرد رسائل الأمهات له تشعره بأن الأطفال تنتظره، وهو يقدم لهم الفقرات المضحكة، يشعر أن له دور فعال في العيد ليس فقط مع الأطفال ولكن مع الأسرة بأكملها.
في الوقت ذاته يقول أحمد إنه ليس الحالة الوحيدة من بين شباب جيله الذي اتجه للعمل بلياتشو أون لاين، فيروي قصة “فؤاد” صديقه، الذي يعمل منذ عامين في نفس المهنة، بل وازداد لديه فن المكياج وتركيب الألوان بصورة أكبر حتى أنه أصبح متخصصا في صناعة مكياج البلياتشو، ويتم الاستعانة به في الحفلات الخاصة وعروض فقرة المُهرج بالمدارس، موضحاً أن فؤاد هو الآخر يبث الحفلات أون لاين، ويدرسان سوياً فكرة أن يكملا بهذه الطريقة الحديثة في تقديم عروضهما دون الحاجة إلى التقديم المباشر إلا في أضيق الحدود، وقد قرر الصديقان عمل شراكة بينهما ليقدما عروضهما سوياً.
تقويم سلوكي
هذه الأيام يعاني المجتمع المصري بأكمله من حالة اكتئاب وتوتر شديد، وهو ما يحفز من دور المهرج في تخفيف تلك الضغوط ، هذا بخلاف دوره في زرع القيم التربوية حيث يستعين به خبراء التعليم لتقويم سلوك الأطفال وتعليمهم القيم الحميدة وهذا ما قالته “ابتسام عمر” أخصائية اجتماعية بإحدى المدارس الابتدائية موضحة أن شخصية المُهرج لها مفعول السحر على الأبناء، وتشير إلى أن هناك دراسات في التعلم الحديث توضح أن المؤثرات الخارجية التي تتسم بالفكاهة والمرح أكثر تأثيراً على الأطفال وتجعلهم يكتسبون المهارات بصورة أفضل من الطرق التقليدية، أو الخالية من وسائل التعلم الحديث.