هل أنت سعيد؟
سؤال يفاجئك لتقف وتفكر، وعندما تفكر كثيرًا وتبحث وتقارن تجد نفسك تردد أُريد أن أكون سعيدة، وأنت وهي وهو كلنا نريد السعادة، تحلق فوق رؤوسنا أسئلة عن كيف نحققها، وكل منا ينظر فوق رأس مجاوره، ولا يحاول أبدًا أن يرى تساؤله الشخصي كيف يكون سعيد.
السعادة فعل مؤقت، تظهر وتختفي، تحركها الأحداث والتفاصيل، جمال السعادة في تلك الفجوات التي تحدث، فلو أن السعادة دائمة لاختفى أثرها، لكن السعادة المشبعة بالرضا تبقى بأثر أطول، السعادة التي تنتج من التفاصيل الصغيرة تُشبه التيار الكهربي، طبيعته مترددة لكنه يعطي الإحساس بالاستمرار، لان الفترات بين انقطاعه وعودته صغيرة جدًا فلا نشعر بها.
وعندما نحكي عن السعادة نجد حكايات متعددة فهذه حكاية عن الملك الحزين وبحثه عن شخص سعيد ليأخذ قميصه، وآخر يرى السعادة في مال غيره، وثالث في حبيبة ورابع وخامس وكل يرى النقطة البعيدة، فتخيم التعاسة علينا، فهل يعرف أحدنا لماذا هو ليس سعيد؟
في قصة ترجمها عن الصينية ونشرها الدكتور أحمد السعيد عبر صفحته الشخصية على فيس بوك تقول القصة “نال الابن المركز الثالث في الامتحان، وكان الأب سعيدا جدا بذلك، لكن جارهم قال، دائما يحصد ابني المركز الأول، ولو قصر وحصل على المركز الثالث فسوف أوسعه ضربا”.
وحينها شعر الأب أن ولده مقصر جدا في دراسته، ورفع العصا وتوجه إليه ناويا ضربه.
وفي السوق أعد زوج السيدة التي تفترش الأرض تبيع الخضروات طعاما شهيا لها، وكانت تنظر له وهو منشغل في إعداده بعين كلها سعادة ورضا، إلى أن جاءت زبونة تشتري منها، وقالت: “ما هذا الذي تأكليه!! زوجي يُعد لي كل يوم الطيب والأغلى من الطعام”، فنظرت السيدة لطعامها الذي ما هو إلا بعض الخضروات، وذرفت الدمع وهي تشعر بالظلم.
إننا نتحول من السعادة إلى الحزن وأحيانا البؤس عندما نبدأ في المقارنة، تلك التي تفسد علينا الرضا وتضيع من أرواحنا لمسات الفرح في الروح.
أمران يفسدان السعادة الأول هو المقارنة التي يعقدها الشخص نفسه، والثاني هو المقارنة التي يتطوع بها المحيطون، فيفسدون حياة الناس.
وهناك فرق بين المقارنة والتطلع، فنحن نتطلع لحال أفضل بما يخلق الطموح، التطلع نحو الأفضل يدفعنا لتحسين أنفسنا وتطوير مهاراتنا، وإعادة النظر لما نملك لتحسين استثماره، لكن المقارنة عادة ما تأتي بالأسوأ.
تقارن ملابسك بملابس صديقك فإن كانت أفضل شعرت بالحزن، وتمنيت أن تملك مثلها، وربما تطورت المشاعر لنوع من الحسد، وإن كانت ملابسه أقل، شعرت بالتعالي نحوه.
تقارن زوجتك بزوجة صديق أو أخ، وأنت تقارنين زوجك بزميل أو زوج صديقة وكلها مقارنات معيوبة، أنت تقارن الظاهر وما ترى، ولا تعرف الوجه الآخر أو الوجوه الأخرى.
أحدهم ينتقد تأخر ابنك الدراسي ويقارن بينه وبين زميله، أو بين ابنيكما، آخر يرتدي حُلة الصداقة لكنه دائم الانتقاد لك، سلوكك، ملابسك طعامك.
هؤلاء الذين ينتقدونك أو يضعونك موضع المقارنة يُفسدون عليك بهجة ما حصلت عليه، وما تمر به، إنما رُسل الشقاء والدفع بنا نحو التعاسة، تلك التي نسقط فيها عندما نبدأ بالمقارنة، فيتبدد الرضا، وتزول أعراض السعادة.
عندما تجد نفسك بدأت حالة المقارنة حاول أن تبتعد عن هذا الفخ الذي يصطاد سعادتك ورضاك، استمتع باللحظات القليلة التي شعرت فيها بالفرح مهما كان السبب بسيط، ولا تنزلق مع هؤلاء الذين يتدخلون في حياتك فيضعونك على حافة كل شيء.
عن نفسي أجد سعادة كبرى عندما آكل سندوتش طعمية صغير، لا أفكر أين آكله في الشارع أم البيت، من محل صغير أو بائع متجول، او مطعم كبير، فقط معياري الوحيد هو النظافة، لو أنني تحدثت مع أحدهم وأخبرته أن سعادة كبرى أشعر بها عندما آكل طعمية سُخنة، في كثير من الأحيان سيقول “فقرية” ولو كان الطرف الثاني أنثى ستبدأ في وصف السعادة بالنسبة لها تلك المناقشة التي بالضرورة ستجعلني أفكر فيما أفعله، وربما قللت سعادتي، أو أن ذات الفعل لن يعود مصدر سعادة.
اننا نسمح للآخرين بافساد سعادتنا ونحن نترك أبواب المناقشة مفتوحة، ونترك لهم حرية عقد المقارنات، وسواء هم تبرعوا بذلك أم نحن من دعوناهم فالأمر سيصل في نهايته إلى فقدان السعادة.
لا تتعجلوا في طمس لحظات السعادة، فهي مجرد لحظات، ستختفي ويأتي غيرها فقط إن بعدنا بها عن المقارنة منا أو من الغير.
دمتم سعداء