تباينت آراء الجماهير المصرية والنقاد الرياضيين إزاء أداء المدرب البرتغالي الجديد لمنتخب مصر كارلوس كيروش. لنجاحه الساحق رقميًا مع الفراعنة منذ قدومه بفوزه في 6 مباريات وتعادل في مباراتين ولم يتلق أي هزيمة. لكن الأداء والشكل والتكتيك والاختيارات لا تلقى القبول الكامل من قبل الجميع. وهو ما صنع تلك الحيرة في التقييم ما بين كونه ناجحا أو متوسط الأداء وكذلك ضعيف.
كيروش لا يختلف اثنان على سمعته التدريبية ومسيرته الطويلة مع كرة القدم وتوليه تدريب أكبر أندية العالم ومنتخبات عديدة. لكن الأمر هنا يتعلق بحيثيات أدائه في الفترة الوجيزة التي درب بها الفراعنة منذ شهرين ونصف الشهر. فما بين من يراه جيدا وآخر يراه متوسط الأداء والبعض يعتقد أنه ضعيفًا، كالجهاز السابق بقيادة حسام البدري.
لحسم هذا اللغط نحاول في السطور التالية تقريب الصورة كاملة حول ما قدمه كيروش من إيجابيات وسلبيات مع الفراعنة.
اكتشاف نجوم جديدة
قدم كيروش وجوهًا جديدة بتشكيل المنتخب لم يكن يعلم بهم أحد، وراهن عليهم بشدة ونجحوا في التألق ولفت الأنظار. ونجح في كسب ثقة قطاع كبير من الجماهير والنقاد إزاء ذلك. هو أكبر إنجاز قدمه كيروش للفراعنة منذ مجيئه بدون أدنى مجال للشك.
نجوم أضافت حلولاً وأفكارًا وتنوعًا مختلفًا للمنتخب وأغلبهم من الشباب والمغمورين بالدوري الممتاز. وهو ما يعني أن المدرب يستطيع انتقاء الأفضل بعيدًا عن المجاملات التي تحكم اختيارات المدربين السابقين للفراعنة. وأدت إلىى عقم فني وتراجع كبير للفريق القومي. كما أنه عالج نواقص بعض المراكز في الكرة المصرية وكانت تمثل صداعًا كبيرًا، من خلال اكتشافه للاعبين جيدين ومنحهم الفرصة الدولية بتلك المراكز؛ ليحل أزمات حقيقية وكبيرة للمنتخب والكرة المصرية بالسنوات والفترة الماضية.
البداية كانت مع عمر مرموش في مباراتي ليبيا الحاسمتين، لاعب شتوتجارت الألماني. والذي لم يستدعيه شوقي غريب للمنتخب الأوليمبي في أولمبياد طوكيو لأسباب فنية. كان أكبر رهان ناجح لكيروش في رحلته للتنقيب عن مواهب مصرية تقدم الإضافة للفريق الأول. مرموش أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لاعب ذو إمكانيات جيدة للغاية ويستطيع اللعب دوليًا مع منتخب مصر والتألق في أحرج الظروف. بهدفه الرائع أمام ليبيا ثم أسيست آخر بلقاء بني غازي، ليفرض نفسه نجمًا جديدًا بعيون برتغالية للكرة المصرية.
ثم توالت تجارب ورهانات كيروش، حيث أعطى الفرصة الدولية للاعبين كثر. أبرزهم أحمد ياسين مدافع البنك الأهلي ومهند لاشين لاعب وسط طلائع الجيش، وحسين فيصل جناح سموحة وأسامة فيصل مهاجم البنك وكلاهما من ناشئي الزمالك السابقين. وأحمد رفعت جناح فيوتشر، ونفس الوضع لعمر كمال عبد الواحد، ومروان داوود ظهير أيسر إنبي ومروان حمدي مهاجم سموحة.
والحارسين الواعدين محمد صبحي ومحمود جاد. رغم أنهما لم ينالا الفرصة لوجود الشناوي في العرين. لكنهما يتدربان بقوة مع الفريق تحت قيادة عصام الحضري مدرب الحراس ويتأقلمان مع المنتخب ويتطوران في انتظار فرصة حقيقية، في حالة غياب الشناوي لأي سبب ممكن في البطولات القادمة.
شخصية واضحة وانضباط تكتيكي
الأمر الثاني الإيجابي بشدة لكيروش مع منتخب مصر، هو ظهور شخصية واضحة للفريق معه. مستمدة من شخصيته القوية والواضحة من تعامله مع الجميع وتصريحاته واستبعاده لأكبر نجوم القطبين لاختيارات فنية. وذلك دون الالتفات لأي انتقادات أو هجوم عليه. هذا الأمر هو ما كان ينقص الفراعنة بشدة في الفترة الماضية، فكان المنتخب بلا شخصية أو روح أو شكل واضح في الملعب. وظهر هذا التطور الجزائر تحديدًا في الشوط الثاني وبات الجميع يتحلى به من النظام والصرامة التي فرضها كيروش على المنتخب وجميع اللاعبين.
الأمر الآخر هو الانضباط التكتيكي الواضح الذي أقره واعتمده بعد فترة طويلة من العشوائية والفوضى التكتيكية والخططية للفراعنة. سواء مع حسام البدري أو أجيري من قبله. فلم يكن لدينا هذا الانضباط التكتيكي منذ فترة عمل هيكتور كوبر الذي رحل صيف 2018. أسلوب لعب 4-3-3 واضح بلا أي تغيير، ثابت لا يتغير وقام بتحفيظ اللاعبين عليه بصرامة شديدة.
وبالطبع الثقة والجانب المعنوي الكبير والتفاف الجماهير ثانية وراء المنتخب بعد فترة يأس. وذلك بعد انتصارات كثيرة حققها كيروش منذ توليه المهمة. هي إيجابيات كثيرة أخرى وعودة الالتزام والصرامة الكاملة على كل اللاعبين. ويلفظ من يخرج عن النص، ليعود بأوضة اللبس من جديد للطريق الصحيح. كلها مميزات للمدرب المخضرم بخلاف ما سبق ذكره.
اختيارات غريبة ولاعبين خارج مراكزها
على قدر حجم المميزات لكيروش مع المنتخب تأتي العيوب كذلك. فالمدرب البرتغالي لديه عيوب كثيرة في عمله مع الفراعنة ظهرت تباعًا بالمباريات التي خاضها مع الفريق القومي. ولعل أبرزها إصراره الدائم بعند كبير على إشراك لاعبين في خارج مراكزهم الأصلية. خاصة في خط الهجوم، مثل اعتماد محمد شريف كجناح وهو لا يجيد سوى اللعب كرأس حربة صريح مثلما يلعب مع الأهلي.
كذلك تارة نجده يشرك لاعب مدافع في خط الوسط على شاكلة الدفع بأيمن أشرف المساك كلاعب وسط ثالث. أو اعتماد عبدالله السعيد وأفشة وهما صانعا لعب واضحين في مركز 10، كلاعبين دائرة رقم 8. أو على الجانب الأيسر من وسط الملعب، مما يقلل قدراتهما كثيرًا ويحجم من الإضافة الهجومية الكبيرة لهما في الجزء الأمامي. كما أشرك مهاجمين صريحين كذلك في مركزي الجناحين، مثلما حدث مع مروان حمدي وأحمد ياسر ريان في لقاء الجابون الأخير بتصفيات كأس العالم.
هذه أكبر عيوب المدرب البرتغالي، وربما هو في حاجة لوقت أكثر حتى يدرك حجم خطأه في ذلك. وأن يستقر على وضع كل لاعب في مركزه الطبيعي حتى ينطلق المنتخب للأمام ويتطور الأداء بشكل كبير، خاصة في الهجوم. وهو قام بالتصحيح السريع في ذلك بلقاء الجزائر الأخير عندما أخرج مروان بين الشوطين وأعاد شريف لموقعه الطبيعي. وأقحم مهند لاشين كلاعب وسط آخر بجانب السولية وحمدي فتحي ليتحسن الأداء كثيرًا وأدركنا التعادل وتأهلنا كأول مجموعة بعدها.
الأمر الآخر هو تصميمه على بعض الاختيارات التي لا أحد يفهم المغزى منها سواه. والدليل الأبرز على ذلك هو إصراره على الدفع بمروان حمدي مهاجم أساسي للمنتخب على مدار مباريات عديدة بشكل متتالي. رغم ضعف إمكانياته ولم يقدم أي إضافة في 5 مباريات لعبها مع المنتخب تحت قيادة كيروش.
علامة استفهام أخرى على الدفع بأيمن أشرف في وسط الميدان وإبقاء مهند لاشين صاحب المركز أساسًا على مقاعد البدلاء. المدرب البرتغالي يحاول التأليف في بعض الأحيان وتجريب أمور فقط في رأسه.
تطور فني محدود وهجوم ضعيف
صحيح أن الفترة التي قاد فيها كيروش المنتخب قصيرة. لكن لم تحدث طفرة فنية أو تطور ملحوظ بالـ8 مباريات التي لعبها مع الفراعنة منذ توليه المهمة بشكل رسمي حتى الآن. فالجميع كان يطمح لثورة فنية وتطور شامل لقيمة واسم المدرب عالميًا. ولكن لم يحدث هذا الأمر وبقي للمنتخب سلبيات كثيرة لم يعالجها بالشكل المأمول.
ورغم حدوث تطور والفريق أصبح أفضل على أصعدة مختلفة فنية ومعنوية وبدنية. لكن لم يرضي طموحات الأغلبية. وربما الوقت المتبقي في كأس العرب ثم كأس الأمم الإفريقية بالشهر المقبل، يكون قد حدث هذا التطور المنشود. ويظهر الفراعنة في مواجهتي الحسم للتأهل لمونديال قطر في مارس المقبل بالشكل والتطور الفني المأمول، . وإلا ستكون العواقب وخيمة على كيروش وربما يكون على مشارف وأعتاب الرحيل من الباب الصغير حينها.
العيب الآخر هو ضعف خط الهجوم بشكل كبير معه، رغم كل الأسماء والإمكانيات التي يضمها منتخب مصر في هجومه. من نجوم عالمية مثل محمد صلاح هداف الدوري الإنجليزي الأقوى بالعالم وواحد من أفضل لاعبي العالم في الوقت الحالي. وكذلك نجوم أخرى لامعة مثل مصطفى محمد ومحمد شريف وأفشة ورمضان صبحي ومرموش والنني وحتى النجوم المحلية كزيزو ومصطفى فتحي وأحمد رفعت.
فالأداء الدفاعي هو الغالب على المنتخب حتى الآن وشهد تحسنًا كبيرًا وملحوظًا منذ مجيء المدرب البرتغالي. ففي 8 مباريات لعبها لم تهتز شباك الفراعنة إلا في 4 مناسبات فقط. وهو رقم قليل ومقبول لحد كبير ويدل على العمل الجيد دفاعيًا مع اللاعبين، ومنظومة خط الوسط الجيدة في الجانب الدفاعي أيضًا.
لكن يبقى العمل الهجومي علامة استفهام، فالمنتخب سجل 17 هدفًا فقط خلال 8 مباريات بمعدل هدفين في المباراة الواحدة تقريبًا. وهو رقم ضئيل إلى حد كبير بالنظر لمستوى المنافسين المتواضع بتلك المباريات.