لنتخيل المشهد التالي، أنت امرأة عائدة إلى البيت بعد يوم عمل طويل شاق، ورحلة مرهقة في مواصلات المدينة المزدحمة، في البيت تفتحين التلفاز، لتفاجئين بنجم مشهور للغاية يتابعه ويحبه ويتبعه مئات الملايين، يقول إن ظاهرة المرأة العاملة ضد قيمنا ومجتمعنا وينبغي التصدي لها، ثم يستخدم عددًا من النصوص الدينية محاولا إثبات أن في خروج المرأة للشارع والاحتكاك بالرجل في العمل إثم كبير، له عقاب إليم، خصوصًا لو كانت تلك المرأة غير محجبة، ولأنه نجم محبوب ذا جماهيرية كاسحة، سرعان ما يشتعل الفضاء الافتراضي بالوسوم (والهاشتاج) التي تؤيده وتتوعد المرأة العاملة بالويل والثبور.
خطاب الكراهية
ترى ما مقدار الخوف الذي يمكن أن يصيب تلك المرأة، العاملة غير المحجبة، حين تجد تلك “الكراهية” تشتعل ضدها فجأة، لا ليست فجأة، إنها تعرف أنها كراهية موجودة، تعاني منها كل يوم وفي كل مكان، لكن كلمات النجم المشهور لا تعيد إحياء تلك الكلمات فحسب، بل تضعها في إطار المهمة الدينية المقدسة، مهددة كل امرأة تخرج لتحصيل رزقها بمواجهة نتائج تلك الكراهية.
المثليون وهم فئة تتراوح بين 1 إلى 10% من المجتمعات البشرية حسب الإحصاءات، لا يتمتعون من الأصل بأي حماية قانونية أو مجتمعية في “عالم أبو تريكة” العربي، ومن ثم فإن إشعال الغضب والتحفز ضدهم، لا يعد بمثابة خطاب كراهية فحسب، بل يمتد إلى حالة التخويف والإرهاب الصريح.
وعلى الرغم من أن التحريض ضد المرأة العاملة موجود وقائم، ويحاول أحيانا اتخاذ نظريات اقتصادية جاهلة، من قبيل أن جلوس المرأة في المنزل سوف يوفر فرص العمل للرجال، إلا أنك غالبًا قد أدركت أن المقصود بهذا المثال هو حديث نجم الكرة السابق محمد أبو تريكة عن ضرورة “التصدي” لظاهرة دعم المثليين ضمن فعاليات الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وبالطبع فإن شخصا آخر قد يبدي دهشته متسائلاً عن علاقتنا بالدوري الإنجليزي وعلاقة الدوري الإنجليزي بنا، وعن المنطق الذي يجعلنا نعتبر فعالية تقيمها (في بلدها) رابطة المحترفين الإنجليز أمرًا “مفروضًا علينا” في العالم العربي.
ولا غرابة فخطابات الكراهية دائمًا ما تستخدم لغة المظلومية حتى لو كانت تمثل الأغلبية الكاسحة، لكن الأهم هنا أن المثليين، وهم فئة تتراوح بين 1 إلى 10% من المجتمعات البشرية حسب الإحصاءات، لا يتمتعون من الأصل بأي حماية قانونية أو مجتمعية في “عالم أبو تريكة” العربي، ومن ثم فإن إشعال الغضب والتحفز ضدهم، لا يعد بمثابة خطاب كراهية فحسب، بل يمتد إلى حالة التخويف والإرهاب الصريح.
بين الخطابين
ومن الملفت أن خطاب أبو تريكة قد لاقى كل هذا الدعم، حتى من جهات دينية شبه رسمية، على الرغم من الشبهات التنظيمة المحيطة بالنجم المعتزل، وخطابه شديد الرجعية، بينما تلقى محمد صلاح، أي من يفترض أنه النجم الأبرز والنموذج الأنجح والممثل الأهم لمصر واللاعبين المسلمين على حد سواء، كل هذا الهجوم لتصريحه في حواره مع الإعلامي عمرو أديب، عن “عدم حبه لشربه الخمر”!، بحجة أنه كان ينبغي عليه استخدام خطاب الحرمانية لا الذوق الشخصي، بكلمة أخرى، أن يستخدم خطابا “أبو تريكيًا” لو جاز التعبير، وبالطبع فإنك قد تكون تساءلت مثل آخرين: ماذا إذًا لو كان صلاح قد قال إنه يشرب الخمر؟ لكنك تعلم إن هذا غير ممكن وغير مطروح، بغض النظر بالطبع عن كونه غير صحيح أيضًا، ذلك أن المبدأ واحد سواء فيما يخص الممارسة المثلية أو اختيار أسلوب الإجابة عن سؤال، وذلك المبدأ هو أن حرية الاختيار لا مكان لها في المزاج العام.
لكن حرية الاختيار تلك هي تحدٍ يتجدد كل يوم، ومنها نرى كيف أن الجمهور الواسع “يبلع الزلط” لأبو تريكة بينما يترصد لكل كلمة ينطقها – أو لا ينطقها – صلاح، ويمكن القول إن ذلك الجمهور يتمنى أن يبلغ ما بلغه الثاني، ولكن عبر عقلية وخطاب الأول، وهذا ما لم يفلح قط.