اختتم الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، نسخته الأولى من قمة افتراضية نظمها حول الديمقراطية وسط جدل حول طبيعة المشاركين وتساؤلات حول نتائجها.

الرئيس الأمريكي تعهد للمشاركين، بأن الديمقراطية لا تعرف حدوداً. قائلا: هي تتحدث كل اللغات. هي تحيا بين الناشطين المناهضين للفساد. وبين المدافعين عن حقوق الإنسان، وبين الصحفيين.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب من يسمحون لشعوبهم بالتنفس بحرية ولا يخنقون شعبهم بقبضة من حديد.

وجدد بايدن تأكيده أن العالم وصل إلى نقطة تحول في المواجهة بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات المهددة.

وتعهد الرئيس الديموقراطي بمبلغ 424 مليون دولار لدعم حرية الصحافة والانتخابات الحرة وحملات مكافحة الفساد.

محاولة بادين إعادة بلاده بعد “حقبة دونالد ترامب” للعب دور كمرجع ديموقراطي. قوبلت بانتقادات كثيرة. خاصة فيما يتعلق بلائحة الضيوف التي تضم حوالي 110 حكومة ومنظمة غير حكومية وشركة وجمعية خيرية.

انتقادات داخلية

لم تقتصر الانتقادات، على لائحة الضيوف، بل امتدت للهدف من القمة نفسها. وطرح خبراء ومراقبون مخاوف من أن تقتصر القمة على مجرد حلقة في الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين. ومحاولة كسب نقاط في المعركة الداخلية.

كامالا هاريس: نحن نعلم أن ديمقراطيتنا ليست بمنأى عن التهديدات وفي سبيلها للانهيار

الانتقادات لم تقتصر على أعداء واشنطن في الخارج أو حتى المعسكر المحافظ في الداخل فحسب. وإنما من البيت الأبيض نفسه. وقالت كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن. إن الديمقراطية في بلدها في سبيلها إلى الانهيار.

ودعت هاريس الكونجرس إلى تمرير توسعات في حقوق التصويت في خطاب ألقته أمام القمة الدولية. لافتة إلى محاولة حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب قلب هزيمته عند إعادة انتخابه.

هاريس أعلنتها بشكل واضح :”نحن نعلم أن ديمقراطيتنا ليست بمنأى عن التهديدات”. وبررت مخاوفها، بهجوم 6 يناير/ كانون الثاني الذي استهدف الكونجرس عقب إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة. ولفتت إلى القوانين المناهضة للناخبين التي أصدرها الكثير من الولايات باعتبارها جزء من جهد متعمد لاستبعاد الأميركيين من المشاركة في الديمقراطية.

قضية أخرى برزت خلال القمة تحت عنوان الفساد وغسل الأموال. عبّرت عنها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين. وقالت: مبالغ ضخمة من الأموال غير المشروعة تصب في نهاية المطاف في النظام المالي الأميركي مع أن الدول الصغيرة تعد غالباً ملاذاً رئيسياً لإخفاء أموال عن السلطات الضريبية أو غسل الأموال.

وقالت يلين في كلمتها في القمة إن هناك أسباباً للاعتقاد أن أفضل مكان في الوقت الحالي لإخفاء وغسل أموال مكتسبة بالاحتيال هو في الواقع الولايات المتحدة.

هل تدعم واشنطن أنظمة استبدادية

نشر موقع مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت”.  التابعة لمعهد “كوينسي” الأميركي لفن الإدارة الرشيدة مقالًا لـ”رايان كوستيلو” مدير السياسات في المجلس الوطني الإيراني الأميركي. تحدث فيه عن دور الولايات المتحدة في تقوية الأنظمة الاستبدادية في العالم تزامنًا مع قمة الديمقراطية.

عبر ريان عن خشيته من أن تتحول القمة لمجرد تحركات تستجلب المديح الذاتي لإدارة الديموقراطيين.

وطرح ريان بعض الأسئلة. منها لماذا تدعم الولايات المتحدة العديد من الحكومات الاستبدادية. وتفرض عقوبات قاسية على حكومات أخرى.

يُلفت التحليل إلى أن الكثيرين يرون أن دعم إدارة بايدن للسعودية ومصر. يأتي على النقيض من دعم الديمقراطية.

إن العلاقات المصرية الأمريكية في هذه المرحلة هاشة. وهناك خلافات بين واشنطن والقاهرة حول ملف حقوق الإنسان.. جورج إسحاق

يُشدد الكاتب على أنه لا ينبغي أن يتأرجح نهج الولايات المتحدة تجاه العالم بين الدعم الأعمى لبعض الحكومات الاستبدادية والعقوبات الصارمة على حكومات أخرى.

وطالب واشنطن. بأن تكون قادرة على إشراك كل من السعودية وإيران. وكذلك الحكومات الأخرى، لمحاسبتهم والسعي للتأثير في سلوكهم السياسي دون تقويض المجتمع المدني أو القيم الليبرالية.

استراتيجية عالمية جديدة

يرى جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن القمة التي دعا لها بايدن ستمثل استراتيجية عالمية جديدة تضع معايير من يخرج عنها يتعرض للحرمان من المساعدات.

واعتبر جورج في تصريحات لـ “مصر 360”. أن اقتصار الدعوة على العراق، يتعلق برؤية أمريكا محاولة إشراك نماذج مختلفة. وأن نموذج العراق يعتبر من النماذج التي تعاني من أزمة حادة في المسار الديموقراطي.

وعن عدم دعوة مصر إلى القمة، قال إسحاق، إن العلاقات المصرية الأمريكية في هذه المرحلة هاشة. وإن هناك خلافات بين واشنطن والقاهرة حول ملف حقوق الإنسان. لافتا إلى إن الإدارة الأمريكية طلبت الإفراج عن أسماء بعينها من المحتجزين على ذمة قضايا رأي ما لم تستجب له مصر.

ورفض إسحاق الرأي القائل، بأن هدف القمة ربما يمثل مجرد تنفيذ لوعد انتخابي أو محاولة لكسب نقاط في الصراع مع الجمهوريين. مؤكدا أن الفترة المقبلة ستوضح عكس ذلك.

وبحسب بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة، فإن اقتصار الدعوة على العراق كافٍ لتلخيص واقع حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة العربية.

ليسوا جميعا ديمقراطيين

أزمة لائحة المشاركين في القمة. دفعت مجلة “الإيكونومست” البريطانية إلى القول، إن المدعوين إلى قمة الديمقراطية ليسوا جميعا ديمقراطيين.

وقالت إن قائمة المدعوين التي أصدرتها الخارجية الأميركية اعتمدت على المصالح الأميركية أكثر من المعايير الموضوعية.

وبررت رأيها بأن دولا دعت إلى القمة تصنف بحسب قائمة مؤسسة “فريدم هاوس”. وهي مؤسسة مقرها واشنطن بشأن تقييم حالة الحقوق السياسية والمدنية لدول العالم، أنها حرة جزئيا أو غير حرة على الإطلاق، مثل أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

تنوع إقليمي

واعتبرت “الإيكونومست” أن الدعوات جاءت لتلبي حاجة إدارة بادين إلى التنوع الإقليمي. لذلك تمت دعوة مثل النيجر، والاعتبارات الاستراتيجية لعبت دورا أيضا، فدول مثل باكستان وأوكرانيا لديهما سجل باهت في مجال الديمقراطية، لكنهما شركاء استراتيجيون للولايات المتحدة.

ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء قال لـ “مصر 360”. أتصور أن هناك رسالة من تنظيم الدعوات على هذا النحو.

وعن اقتصار الدعوة على العراق، قال أمين، إنها رسالة تعكس رؤية منظمي المؤتمر لهذه المنطقة. وإن الرؤية الأمريكية لا ترى ضرورة في مشاركة حكومات المنطقة بقدر أن يكونوا مستقبلين لتوصيات القمة.

وبحسب أمين: عدم دعوة حكومات عربية باستثناء العراق يعود لخبرات قديمة سيئة في موقف هذه الحكومات من فكرة الديموقراطية. قائلا: هذه المنطقة مازالت تحكم بطريق غير ديموقراطية سواء في الوصول لسلطة الحكم أو عن طريق الآليات غير الديموقراطية في تداول السلطة.

أمين رأي أن القمة تأتي كالتزام في البرنامج الانتخابي الذي طرحه بايدن. ومحاولة لعودة للديمقراطيين مرة أخرى كراعي للديموقراطية في العالم.

الانتخابات الحرة

يتفق نجاد البرعي المحامي الحقوقي مع الرأي السابق. مؤكدا أن وجود انتخابات حرة نزيهة كان معيار توجيه الدعوات للحكومات للمشاركة في القمة.

وعن تأثير القمة على مسار الديمقراطية في العالم، يؤكد نجاد أن المؤثر الخارجي على مجريات الأمور في الداخل يعد ثانوي، ويذكر نجاد بجملة قالها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأنه لا يستطيع أن يفرض على الدول الديموقراطية. لكنه لن يمنحها أموال الأمريكيين.

ورغم تراجع الديمقراطية كثيرا في الهند والبرازيل، إلا أنهما دعيا للقمة، ويبرر خبراء ذلك بأهميتهم السياسية للإدارة الأمريكية.

وغابت عن قائمة الدول المدعوة كلّ من روسيا والصين، وهما العدوّتان الأساسيتان لواشنطن.

ودعت الولايات المتحدة تايوان التي تعتبرها نموذجاً ديموقراطياً يحتذى في مواجهة العملاق الآسيوي الذي يعتبر الجزيرة جزءاً لا يتجزّأ من أراضيه ويتعهّد بإعادة ضمّها يوماً ما وبالقوة إذا لزم الأمر.

ومثلت القمة صب للزيت على النار المشتعلة في علاقات واشنطن وبكين. وصنفت الصين الديمقراطية الأمريكية بأنها سلاح دمار شامل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بيان. إن الديمقراطية أصبحت منذ فترة طويلة سلاح دمار شامل تستخدمه الولايات المتحدة للتدخل في الدول الأخرى. متهما أيضا واشنطن بإثارة ثورات ملونة في الخارج..

الحرب الباردة

واتهمت بكين الرئيس الأمريكي بتأجيج الانقسامات الأيديولوجية الموروثة من الحرب الباردة.

وتفاقمت التوترات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم في السنوات الأخيرة، على خلفية المنافسة التجارية والتكنولوجية وحقوق الإنسان، وحول قضية شينجيانغ وتايوان.

وفرضت الولايات المتحدة الجمعة عقوبات على الصين استهدفت خصوصا شركة تكنولوجية صينية للتعرف إلى الوجوه، متهمة بأنها تراقب أقلية الأويغور المسلمة في شينجيانغ.

وشاركت الهند في القمة. وهو أمر لاقى انتقادات واسعة. فعلى الرغم من أنها تلقب “أضخم ديموقراطية في العالم”. إلا أن رئيس وزرائها الهندوسي القومي ناريندرا مودي موضع انتقادات شديدة من جانب منظمات تدافع عن حقوق الإنسان. كما ستشارك في القمّة باكستان على الرّغم من العلاقة المتقلبّة التي تربط بينها وبين الولايات المتّحدة.

وتركيا، حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي لم تدعَ إلى القمة، وهو أمر غير مفاجئ نظراً إلى أنّ بايدن سبق له وأن وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”المستبدّ”.

في المقابل دعا بايدن إلى القمّة البرازيل، على الرّغم من أنها يقودها رئيس يميني مثير للجدل هو جايير بولسونارو.

ومن أوروبا ضمّت قائمة الدول المدعوّة للمشاركة في القمّة بولندا التي يتّهمها الاتحاد الأوروبي بعدم احترام دولة القانون، لكنّها خلت بالمقابل من المجر التي يقودها رئيس وزراء مثير للجدل كثيراً هو فيكتور أوربان. أما من أفريقيا، فقد ضمّت قائمة الدول المدعوّة كلاً من جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والنيجر.

محمد زارع، مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وهو الوحيد من بين المدافعين المصريين والعرب عن حقوق الإنسان الذي شارك في القمة. لم يختلف على وجهة النظر التي تؤكد أن أمريكا تدعم أنظمة استبدادية.

مكافحة الإرهاب

وقال لـ”مصر 360″، إن نهج مكافحة الإرهاب المفرط في مقاربته الأمنية على مدى العقدين الماضيين. هو أحد أكبر التحديات التي تواجه التفاعل البناء للمجتمع الدولي مع تحديات الديمقراطية في المنطقة.

وقال زارع في كلمته جلسة بعنوان “توسيع الفضاء المدني: تمكين المدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة داخل الحدود”: إن احترام حقوق الإنسان يعزز الاستقرار. لذا فمن المنطقي أن أكثر المناطق اضطرابًا في العالم هي واحدة من أقل المناطق ديمقراطية وأقلها احتراما لحقوق الإنسان.

وأضاف زارع، الحائز على جائزة مارتن إينالز لعام 2017، أن التحول الديمقراطي في المنطقة العربية فشل فشلاً ذريعًا على مدى خمسة عقود. مشيرًا إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن المجتمع الدولي مهووسً بتثبيت الحكومات أكثر من دعم التحول الديمقراطي.

وتابع: أدي ذلك إلى إضفاء الطابع الأمني على السياسة الخارجية الأمر الذي تعمق بشكل حاد منذ هجمات 11 سبتمبر والحرب العالمية على الإرهاب. وتسبب في الترويج لتعارض خاطئ بين الاستقرار والديمقراطية. هذا الادعاء الزائف بالتعارض بينهما هو الموجه الأساسي لاستراتيجيات المجتمع الدولي إزاء المنطقة حتى اليوم.

وتابع زارع: أنا قادر على المشاركة اليوم فقط لأن هذا المؤتمر افتراضي. فلو كان الأمر يتطلب السفر، لم أكن لأشارك، لأني رهن حظر السفر التعسفي. بسبب عملي في مجال حقوق الإنسان خلال العقد الماضي، فضلاً عن مصادرة أموالي وأصولي الشخصية. لكني ما زلت أعتبر نفسي محظوظًا جدًا. فقد حُكم على مديري بالسجن 18 عامًا بسبب نشاطه الحقوقي. ويقبع زملائي الآخرون في السجن لأكثر من عامين رهن الحبس الاحتياطي. كما صُنّف بعض منا كإرهابيين لمجرد أننا أسسنا منظمات مستقلة لحقوق الإنسان تدافع عن حقوق المواطنين المصريين.

كان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ساهم في التحضير لمداولات القمة من خلال المنتدى الخامس والعشرون لحركة حقوق الإنسان في العالم العربي. الذي نظمه لمناقشة وإعداد مجموعة من التوصيات لرؤساء الدول المجتمعين في القمة. وقد شارك في المنتدى مجموعة من دعاة الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان من مصر وليبيا والسودان وسوريا وتونس واليمن.