يبدو أن عام 2020 قد حفر المحنة الأعمق على الإطلاق في عقول وقلوب المصريين في العصر الحديث، ففي كل عام مضى كانت هناك جمل متداولة يشكو خلالها الأفراد من ضيق الرزق، أو سوء الأحوال الاجتماعية أو تدهور الأخلاق، أو جميعها معًا، إلا أن هذا العام جاء يحمل مفاجآت عدة، فمنذ مارس الماضي ومع ظهور فيروس كورونا انقلب حال المصريين رأسًا على عقب، وصارالمنع هو سيد الموقف، المنع في كل شيء فلا تعليم، ولا ترفيه، ولا عمل – لدى البعض -، ولا مقاهي، أمور كثيرة أحاطها الشك من تسلل فيروس كورونا خلالها، فأصبح الحل الأمثل هو الابتعاد عنها وغلق أبواب المنازل على أهلها، بقرار من الدولة سبقه قرار داخلي لدى الجميع خالطته مشاعر الخوف من الإصابة التي تقترب من كل عائلة يوماً بعد يوم، مع اتساع قطر دائرة المصابين يوماً بعد الآخر.
أربعة أشهر مدة ليست بالقليلة لتعيد ترتيب الأولويات لدى الجميع، عدد كبير من الأعمال تحول أصحابها للعمل من المنزل تجنباً للنزول، وتماشياً مع قرارات الدولة بتخفيف العمالة والحفاظ على التباعد الاجتماعي، اقتربت أكثر الشبكة العنكبوتية من البشر، فصار في يد الجميع هاتف ذكي يتنقل من خلاله عبر أماكن مختلفة يرى ما لا يستطع النزول لرؤيته بعينه مباشرة.
البعض يتصفح الإنترنت بغرض الترفيه، والبعض الآخر بغرض العمل، والبعض الآخر نوع من الفضول، تعددت المسميات واختلفت أيضاً الأهداف، إلا أنه وبتحليل قاعدة بيانات البحث في (جوجل) خلال الشهر الجاري ومنذ بدايته، تبين أن هناك أمور عدة تشغل تفكير المصريين خلال تلك الفترة، وتجيب عن تساؤل ما الذي يبحث عنه المصريون؟.
الترفيه والتعليم
بالدخول إلى مؤشرات موقع “جوجل”، وتحليل بحث المصريين بكلماتهم المفتاحية خلال آخر 30 يومًا، تبين أن البحث عن المباريات كان له نصيب الأسد من تفكير المصريين بواقع يزيد عن 6 ملايين عملية بحث خلال تلك الفترة، سواء البحث عن كرة قدم محلية أوعالمية، لم يكن تربع كرة القدم على عرش محركات البحث لدى المصريين أمر بسيط، فمع أواخر شهر مايو الماضي، وبداية يونيو بدأت الدوريات حول العالم تعلن عن اقتراب استئناف النشاط، فهي متنفس كبير لدى عدد ليس بقليل من الشباب، ليس فقط في مصر، ولكن في أنحاء العالم، الأمر الذي جعلها تتقدم على احتياجاتهم وعلى خوفهم من فيروس كورونا، فأصبحوا في حالة بحث مستمر عنها.
ولكن سرعان ما أسرعت الأنامل للبحث عن أمر آخر، وهو مستقبل الأبناء والبحث عن أمور تتعلق بالتعليم وتحديدًا الثانوية العامة، فتكررت كلمات البحث عن الامتحانات والنتائج بواقع مليون عملية بحث في شهر يونيو، وهو ما يبرهن عن حالة القلق والتوتر التي تعيشها أسر مصرية عدة بسبب مستقبل تعليم أبنائها.
هروب اضطراري
رغم الظروف غير المواتية، إلا أن المصريين قرروا الخروج من حصار الفيروس نفسيًا بالبحث عن أخبار الفنانين، خاصة التي تتعلق بأمورهم الشخصية حتى وصلت عملية البحث عن ابنتي شريف منير وعدد من الفنانين ما يزيد عن 500 ألف عملية بحث خلال شهر يونيو.
وهو ما يفسره الدكتور هاشم سليمان، أستاذ علم النفس، موضحًا أن هناك نوع من الهروب يلجأ له الفرد عند تعرضه لضغط شديد كالذي تعيشه مصر الآن، في هذا الضغط قد يلجأ الفرد لبعض التصرفات التي يصفها آخرون بأنها غير ذات جدوى، لكنه يلجأ لها ليتناسى همومه، وهو ما يبرر بحث المصريين عن قصة صورة بنات شريف منير التي شغلت الرأي العام خلال الأيام الماضية.
جاء تفسير “سليمان” مبرراً قويا لنتيجة البحث التالي الذي أظهرته مؤشرات “جوجل” والمتعلق بمشاهير السوشيال ميديا وعلى رأسهم (الدحيح وفتاة التيك توك وماما سناء) حيث تساوت نسب البحث عنهم لتصل إلى 340 ألف بحث خلال الشهر، وهو رقم يعد كبيرًا مقارنة بالرقم الذي يليه، وكان من نصيب البحث عن قرارات مجلس الوزراء بشأن الحظر والذي وصل إلى 150 ألف بحث خلال نفس المدة.
يوضح “سليمان” أنه رغم أهمية قرارات مجلس الوزراء خاصة فيما يتعلق بكورونا ومستجداتها إلا أن الفارق بين الرقمين يدل على رغبة عدد كبير من الأشخاص في الابتعاد قدر المستطاع عن أي أخبار سلبية أو جادة، واستبدالها بأخبار خفيفة بعيدة عن أي أمور سلبية.
كورونا والبطالة
بالتأمل في نتائج مؤشرات “جوجل” يتبين أن بحث المصريين بالكلمة المفتاحية لـ “فيروس كورونا” تساوى في عدده مع مؤشر بحثهم عن وظائف شاغرة، وهو نفس مقدار قراءتهم حول أمور تتعلق بعيد الأب خلال الأيام القلائل الماضية، وكان جميعها تتوسط نسبته بين 100 ألف عملية بحث خلال يونيو.
فتح المساجد
جاء في المرتبة العاشرة من اهتمامات المصريين، قضية إعادة فتح المساجد، حيث بلغت نسبة البحث عنها خلال الفترة المذكورة 90 ألف عملية بحث، تلاها مباشرة أزمة الولايات المتحدة الأمريكية واضطهاد ذوي البشرة الداكنة وبلغت عمليات البحث عنها نحو 80 ألف عملية خلال الفترة نفسها، وهو نفس الرقم الذي وصلت له عمليات البحث عن كسوف الشمس وخسوف القمر وتغيرات درجات الحرارة.
على الصعيد ذاته، وقفت بعض المؤشرات في وضع الثبات خلال البحث عن سارة حجازي، وسد النهضة، وأسعار فواتير الكهرباء لتبلغ معدلات عمليات البحث عنهم 30 ألف خلال نفس المدة المذكورة.
الاكتئاب
هناك بعض الكلمات التي تكرر ذكرها من خلال بحث المصريين خلال الجائحة، كان في مقدمتها مصطلحات لها علاقة بالإكتئاب والأمراض النفسية، وقد بينت مؤشرات جوجل ارتفاع نسبة البحث عن الأمراض النفسية منذ بداية الجائحة وإلى الآن، ووصلت معدلات البحث فيها إلى ذروتها في مرحلتين على وجه الخصوص وتحديداً في منتصف أبريل الماضي ومنتصف يونيو الجاري.
وبمراجعة الإحصاءات تبين أنه فى منتصف أبريل عانى الجميع في مصر فعلياً من سوء الحالة المزاجية والنفسية والارتباك بسبب الارتفاع المفاجئ في أعداد المصابين بفيروس كورونا، وكانت المؤشرات وقتها تتضاعف والجميع خائف وهو ما يبرهن بحثهم عن الأمراض النفسية وطرق علاجها، خاصة وقد صاحبت تلك الفترة أعداد كبيرة من شكاوى النساء، خاصة من وقد تغيرت حياتهن بتواجدهن مع الأبناء فترات طويلة تزامناً مع غلق المدارس والنوادي، كما أشار عدد كبير من أطباء الأمراض النفسية والعصبية إلى تكرار استشارات المرضى وغير المرضى لهم وعن ذكرهم بعض أعراض الاكتئاب التي يمرون بها.
الجنس
أحد أبرز الكلمات التي تكررت في البحث على جوجل خلال آخر 90 يومًا كان عن أمور تتعلق بالعلاقات الجنسية، لكن هناك ثمة أمر غريب أظهرته المؤشرات، وهو التذبذب بين الصعود والهبوط.
ويعلق الدكتور رامي صادق، استشاري العلاقات الأسرية، قائلا “إنه في الفترة الحالية رغم الفكرة السائدة لدى البعض من الزيادة في النشاط الجنسي لدى الكثيرين، لا أنها فكرة خاطئة، فهناك تذبذب تشهده العلاقات الجنسية بين الارتفاع المبالغ فيه في السلوك الجنسي وبين العزوف التام عنه بفعل الأحداث الجارية، وهو ما يفسر تلك الذبذبة التي توضحها مؤشرات البحث، مع الأخذ في الاعتبار أنه عند ارتفاع مؤشرات البحث على الإنترنت فهذا يعني انخفاض السلوك على أرض الواقع، وانخفاض عمليات البحث عن الجنس عبر الإنترنت تشير إلى ارتفاع الممارسات الفعلية للسلوك، وفي كلتا الحالتين الأمر غير مطمئن ويُنذر ببعض الإضطرابات الجنسية المستقبلية”.