العمالة المنزلية مثل أي مهنة تقوم على طرفين، أحدهما يقدم خدمة للآخر مقابل أجر. لذا فالمنطقي أن تخضع هذه العلاقة لقانون ينظم حقوق وواجبات طرفيها. وهو الأمر الذي يتجاهله قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 المعروف بقانون العمل الموحد. بعد إتيانه على ذكر العمالة المنزلية بين نصوصه. فهي فئة مستثناة تخرج من فئات العمل المعترف بها رسميًا إلى قطاع العمل غير الرسمي، الذي لا يشمله القانون.

هذا التراخي التشريعي وغياب التوثيق القانوني عن طريق عقود عمل معترف بها لتلك الفئة، أدى لمشاكل كثيرة وتكرار حوادث الاعتداء من أرباب العمل، والتي تصل في بعض الأحيان إلي الضرب والتعذيب والتحرش اللفظي والجسدي، أو ربما الاعتداء الجنسي. ما يجعل سوق العمل بالمنازل أشبه بسوق عبيد، ومعاناة يومية يعيشها آلاف المشتغلين به ممن يفتقدون لقانون يحمي حقوقهم في ظل مجتمع يوصمهم. فقط لأنهم من أرباب “الخدمة بالبيوت”.

العمل اللائق للمشتغلين بالمنازل

في العام 2012، أطلقت منظمة العمل الدولية مشروعًا إقليميًا، بعنوان “العمل اللائق للعمال المنزليين”. وهو مشروع يهدف إلى توفير خيارات لحكومات الدول العربية من أجل إصلاح سياساتها ذات الصلة بالعمال المنزليين. بما يجعلها تتماشى مع المعايير الدولية. وذلك من خلال التوقيع على الاتفاقية رقم (189).

واتجهت منظمة العمل مؤخرًا إلى دراسة مستفيضة فى هذا المجال. وانتهت إلى تعريف المهنة، ووضع توصيف حقيقي لممارسات وواجبات وحقوق ملزمة لها، بأنه كل عمل يتقاضى عنه أجر يقام لخدمة. وأنه يختلف عن الأعمال المنزلية الخاصة بأسرة القائم بالعمل. كما حددت أنواع هذه الأعمال، وهي: مهن التنظيف والغسيل سواء للملابس أو الأطباق والكى للملابس والطبخ وحراسة الأمن (للمنازل) والتشجير وقيادة السيارات للأخرين ورعاية الأطفال والمسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والحيوانات والمساعدة في الأعمال المنزلية

تصنيف العمالة المنزلية

صنفت منظمة العمل الدولية العمالة المنزلية في ثلاثة أنواع: من يعمل في المنزل فقط، ومن يعمل ويعيش في المنزل الذي يؤدى فيه عمله، والعمالة التي تعمل بدوام كامل أو جزئي، ومنهم الأطفال العاملين في المنازل.

وتنص الاتفاقية رقم 189 على أن يجب الاتفاق مع العمال على الأعمال التي سيقومون بها بطريقة واضحة، من خلال عقد مكتوب. على أن تلتزم العمالة المنزلية بساعات العمل المحددة فقط. أما إذا زادت ساعات العمل عن الساعات المحددة فيجب أن يحصل العامل على تعويض عن العمل الإضافي. ذلك بالإضافة إلى فترات الراحة اليومية والأسبوعية. كما أن للعامل الحق فى إجازة سنوية مدفوعة بأجر كامل. وأيضًا استيفاء الحد الأدنى للسن والأجر، حسب قوانين كل دولة. كما أن الأجور يجب أن تدفع نقدًا، وإن جاز أن يكون جزءًا من الراتب فقط أشياء عينيه.

التبعية وازدواجية المساءلة عن الجرائم

دعاء العجوز، المحامية الحقوقية ورئيس لجنة الحريات بنقابة المحامين، تقول إن القانون المصري يعتبر الخدم في المنازل من التابعين، نظرًا لما يقوم به العامل بخدمة المتبوع من جهة، وكذلك لما يعول عليه العامل من تبعية اقتصادية دون التبعية القانونية في العلاقة بين الطرفين.

وتوضح العجوز، في حديثها لـ”مصر 360″، أن التأمين الاجتماعي في القانون يقوم على توافر العلاقة المشتركة التي تقوم على التبعية القانونية والاقتصادية، وكل العمالة المنزلية تربطهم برب العمل علاقة اقتصادية فقط، ولا تربطه بهم علاقة قانونية. ذلك لعدة أسباب أهمها: عدم وجود عقد عمل يحدد طبيعة العمل ومواعيده وبيانات كاملة عن الخادم.

وهنا، يعول الخادم على الأجر فقط، دون وجود قوانين ولوائح تضبط علاقة العمل ومواعيده وحقوق كل طرف من أطراف العلاقة العقدية للعمل. فيصعب وضع نظام تأميني في ظل هذه الظروف المتضاربة.

وفقًا لذلك، فإن أي اعتداء من العامل المنزلي على صاحب العمل تكون جريمته مشددة، تستوجب تغليظ العقوبة. لأنه من الأشخاص الذين يمنحهم رب العمل الثقة والأمان. فتكون خيانته للثقة والأمان واعتداء على رب العمل مشتركة. مثلاً لو خادم اعتدى جنسيًا على بنت أو ابن رب العمل تكون عقوبته أكبر من الشخص الغريب لو أتى بالفعل نفسه. لكن عند حدوث العكس لا يمكن إدانة صاحب العمل إذا اعتدى على العامل بمنزله. لعدم اعتراف القانون بهذه الجرائم أو الإشارة إليها.

لماذا يصعب ضم العمالة المنزلية لكيان نقابي؟

من المشاكل التي تواجه العمل بالمنازل هو عدم وجود كيان عمالي أو نقابي يدافع عن حقوقهم ويمثلهم. تقول العجوز إنه يصعب أن يكون للخادمات نقابة. لأن ذلك يستلزم أن تكون المهنة محددة بشكل دقيق، ولها قانون واضح يحدد شكل وطبيعة العمل وإجراءات تتعلق بإصدار تشريع، يحدد طبيعة المهنة وصفتها وأهميتها في المجتمع. فضلاً عن الضوابط القانونية المتعلقة بممارسة المهنة. وبناءً عليه وجود جمعية عمومية محددة لأفراد المهنة. وهو ما نفتقده في مهنة العمل بالمنازل.

ويزيد من الأمر صعوبة أن البعض منهم يعمل لفترة ويترك العمل أو يعمل بشكل متقطع وعشوائي وأجر معلوم وغير معلوم. هنا تغيب عن المهنة الآليات القانونية، وتفتقد كل الشروط والضوابط التي تجعل منها مهنة محددة معلومة تستوجب أن يكون لأعضاء جمعيتها العمومية نقابة.

لهذا كله، تطالب الدكتورة كريمة الحفناوي، عضو حملة الحريات النقابية والدفاع عن حقوق العمل، بضرورة سن تشريع خاص بهذه الفئة. وتؤكد الحفناوي أنه رغم عدم وجود أرقام رسمية عن عدد العاملين بالمنازل، إلا أنهم فئة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها في سوق العمل. وبالتالي يستلزم حمايتها تأمينيًا وصحيًا وضد مخاطر العمل ضمن ضمانات محددة قانونًا.

مشروع قانون لحل أزمة عاملات المنازل

تقوم فلسفة قانون العمل على إقصاء عاملات المنازل من الفئات المخاطبة به. وذلك لعدة صعوبات؛ أولها حرمة التفتيش داخل المنازل الخاصة، التي قررها الدستور. وثانيها أن مواعيد العمل المقررة في قانون العمل لا تتلاءم وطبيعة عمل الخدمة المنزلية. كما أن الأجر الذي تحصله هذه الفئة في أغلب الأحوال يدخل فيه جزء عيني كالإقامة والإعاشة والمأكل.

وقد برر محمد سعفان وزير القوي العاملة، في تصريحات صحفية سابقة، استثناء العمالة المنزلية من قانون العمل بأن صاحب المنزل لا يعتبر صاحب عمل وفقًا لأحكام قانون العمل، وأن عمال المنازل لهم ظروفهم وأوضاعهم الخاصة. مشيرًا إلى أنهم سيصدر لهم قانون خاص لتنظيم عملهم.

وفي السياق، لفت الوزير إلى أن الخادمات لهن الحماية المقررة في القانون المدني وقانون العقوبات، وأن الوزارة غير مسموح لها دخول المنازل وتفتيشها للبحث عن خادمة تعمل بها. لأن ذلك يتطلب عدة شروط أهمها الحصول على أمر من النيابة. وأن الوزارة تمنح تصاريح فقط للأجانب بهدف العمل داخل مصانع أو شركات في مهن ووظائف لا تتوافق مع العامل المصري، أما تصاريح العمل داخل المنازل، فتمنحها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي.

الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد النوعي للنساء، تقول إنه لمعالجة قصور استثناء عاملات المنازل من قانون العمل، قدم الاتحاد مشروع مقترح بقانون يحدد العلاقة بين العاملين وأرباب الأعمال المنزلية. وهو مشروع يعمل عليه الاتحاد بالتعاون مع بعض نواب البرلمان، في سبيل الاعتراف بحقوق هذه الفئة الكبيرة.

يستهدف المشروع المقترح تعريف وتصنيف هذه الفئة من العمالة. وبالتالي تحديد الوزير المختص للتعامل مع مشكلاتها، كوزير التضامن الاجتماعي مثلاً. فضلاً عن تحديد المكان محل العمل الذي يقيم فيه العامل بصفة دائمة أو مؤقتة.

وينص المقترح أن تنظم علاقة العمل بين عامل الخدمة المنزلية وصاحب العمل بعقد مكتوب، يحرر من 3 نسخ. على أن يحتفظ كل من طرفيه بنسخة. بينما تُودع الثالثة لدى مكتب العمل بالوزارة. كما يشير المقترح إلى ضرورة أن يحدد عقد العمل، ساعات العمل الواجبة والمستحقة للأجر المطروح لحماية حق هذه العمالة.

مشروع آخر لسد النقص التشريعي

جددت النائبة نشوي الديب، عضو البرلمان، طلب مناقشة مشروع قانون قد تقدمت به الدورة الماضية لمناقشته، بعد الحصول علي توقيع 60 عضوًا من المجلس.

يتضمن مشروع القانون 55 مادة موزعة على 6 أبواب. وهي تشمل تنظيم شؤون العمالة المنزلية، بما يشمل شروط منح الترخيص لمكاتب التشغيل، وشروط العقد من أصحاب العمل والعمالة المنزلية والمكاتب والأجور، وتحديد ساعات العمل والإجازات، وسن التشغيل، والجزاءات وفض المنازعات والتفتيش على العمل والعقوبات.

تقول نشوى الديب، لـ”مصر 360″ إنها حصلت على وعد من وزير القوي العاملة محمد سعفان، بمناقشة المشروع بالبرلمان في وقت قريب، بعد الانتهاء من قانون العمل الحالي.

وهي ترى في المشروع المقترح سدًا للنقص التشريعي في تنظيم شؤون العمالة المنزلية في مصر. إذ نص مشروع القانون على حق العامل المنزلي في الحصول على إجازة سنوية وشهرية ومرضية. مع إلزام صاحب المنزل بتوفير وجبات وكسوة وعلاج العامل. مع الالتزام بتعليمات صاحب العمل، والحفاظ على ممتلكاته وأمواله وعدم إفشاء أسراره.

ويحظر المشروع تشغيل العمال المنزليين من الجنسين ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا. ويجيز للوزير المختص الاستثناء من شرط السن. على ألا تزيد ساعات العمل في هذه الحالة عن 6 ساعات يوميًا. كما تحدد الأعمال التي يمكن القيام بها دون تعريض العامل للخطر أو المساس بالكرامة الإنسانية. وفي جميع الأحوال ينبغى ألا يقل سن العامل عن 16 عامًا.

كما يحظر على صاحب العمل معاملة العامل المنزلي معاملة مهينة لآدميته. ويحظر التحرش به لفظيًا أو بدنيًا أو جنسيًا. فضلاً عن أنه لا يجوز تشغيل العامل المنزلي في أعمال خطرة أو مضرة صحيًا أو مهينة لكرامته الإنسانية. وفي حال التعدي أو إهدار الحقوق المنصوص عليها في القانون، يتقدم العامل بشكوى إلى الجهة الإدارية المختصة خلال 10 أيام من تاريخ وقوع التعدي.