فرضت جائحة كورونا قيودًا عديدة على حياة البشر في ظل حتمية التباعد الاجتماعي لتقليل فرص انتشار العدوى، وهو ما مكن بعض الحكومات حول العالم من استغلال الظرف الصحي في فرض إجراءات استثنائية كذريعة لرقابة مواطنيها وتشديد قبضتها على مصادر المعلومات وحرية التعبير بشكل عام والرقمي بشكل خاص.
القانون الطاغوتي
وكانت المملكة المتحدة البريطانية أبرز النماذج في استغلال جائحة كورونا، حيث بدأت في تنفيذ القانون “الطاغوتي” كما أطلقوا عليه في بريطانيا، والذي بدأ تنفيذه بتاريخ 27 أبريل 2020، وهي قوانين غير مسبوقة في تاريخ بريطانيا تسببت في اندلاع مظاهرات ضد هذه القوانين ومشرعيها.
اقرأ أيضًا:
وتتمثل أبرز القوانين التي تم تغييرها في 27 أبريل في سلطة الحكومة، في تقييد كل حركة المواطن، وإخبار المواطن إلى أين يمكنه الذهاب وإلى أين لا يكمنه، وهو ما يعني التحكم بالمواطن “كلياً”، والأخطر أنه إذا ثبت أن المواطن البريطاني مصاب بعدوى “كورونا”، فكل شئ يملكه من ممتلكات وأثاث وملابس يمكن تدميره، ولا يلزم إعطاء إشعار لأخذ المواطن وإحتجازه، ولن يحصل على إشعار مسبق، وخلال فترة الطوارئ لا يجوز لأي شخص المشاركة في تجمع في مكان عام يضم أكثر من شخصين.
وانتاب المواطنون البريطانيون غضب واستياء كبير بسبب إخبار حكوماتهم بما عليهم القيام به، خاصةً عندما تكون تستند إلى البيانات العلمية المثيرة للريبة، حيث ‘ن هناك العديد من العلماء والأطباء البارزين في جميع أنحاء العالم الذين أكدوا أن هذا “احتيال” يتم خداع الشعب من خلاله.
وبذلك القانون، حصلت الشرطة على سلطات لا تصدق هناك، حيث يمكنهم القبض على أي مواطن لارتكابه جرائم معينة، جرائم من لا شئ ولا قيمة لها، وإذا قمت برفض الحصول على اللقاح خوفاً من أن يكون سم أو مضر لك على سبيل المثال، سوف تكون قيد الاعتقال حيث ارتكبت جريمة، ويعتبر قولك غير مقبول، وإذا حاول أحد منعهم من القيام بعملهم أو مقاومتهم، ستفرض عليه غرامة خمسة اَلاف جنيه إسترليني، وإذا كنت في الشارع ورأت الشرطة أنك مصاب بالعدوى أو مصدر للخطر، يمكنهم القبض عليك من الشارع ونقلك إلى مركز اعتقال بدون علم عائلتك.
استهداف صيني
البداية كانت مع الصين وهي بؤرة الفيروس، فبعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة طوارئ صحية عالمية لتفشي فيروس كورونا الذي بدأ في مدينة ووهان الصينية (مقاطعة هوبى) في أواخر 2019، بذلت الحكومة الصينية جهوداً واسعة النطاق للتعتيم على المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا، والمخاطر التي يشكلها على الصحة العامة، وشاطر الأطباء في ووهان مع زملائهم مخاوفهم بشأن المرضى الذين يعانون من أعراض مشابهة لظهور متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (السارس) الذي بدأ في جنوب الصين في عام 2002، فتم إسكات أصواتهم على الفور، وعاقبتهم السلطات المحلية بسبب “نشر الشائعات”.
وفي نفس السياق، استهدفت الحكومة الصينية الأشخاص الذين يحاولون تبادل المعلومات حول فيروس كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أفاد المحامي البارز والصحفي المواطن، تشن تشيوشي، بأنه تعرض للمضايقة من قبل السلطات، بعد نشر لقطات من المستشفيات في ووهان، وتم أيضاً احتجاز أحد سكان ووهان، وهو فانغ بن، لفترة وجيزة من قبل السلطات، بعد نشره مقطع فيديو يزعم أنه يُظهر جثث ضحايا فيروس كورونا.
وفي هذا الشأن قال نيكولاس بيكيلين، المدير الإقليمي في منظمة العفو الدولية لإحدى وسائل الإعلام الصينية: “ليس للرقابة والتمييز والاحتجاز التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان مكان في مكافحة وباء فيروس كورونا”، وأضاف: ” “حاول المهنيون الطبيون الصينيون في الصين دق ناقوس الخطر حول الفيروس.. ولو لم تحاول الحكومة تقليل الخطر إلى الحد الأدنى، لكان يمكن للعالم أن يتصدى لانتشار الفيروس في وقت أنسب”.
خدمة كورونا
وبعد الإعلان عن كون روسيا هي البلد الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث الإصابات بفيروس كورونا، زادت القيود والإجراءات المتخذة لمكافحة الفيروس، بما في ذلك نظام رقمي للتنقل يتطلب من السكان تسجيل أسمائهم للحصول على رمز، إذا كانوا يرغبون في التنقل حول مدنهم بواسطة سياراتهم أو بواسطة النقل العام، وطبقت موسكو هذا النظام اعتباراً من 15 أبريل الماضي.
وأبدى بعض المدافعين عن حقوق الإنسان في روسيا قلقهم من أن يكون الكرملين يستخدم هذه الإجراءات الاستثنائية لتبرير أو حتى تسريع تنفيذ ممارسات استبدادية كان يحلم بها قبل وقت طويل من ظهور الفيروس، وأن هناك قلق جدي من أن نظام ضبط حركة المواطنين سيبقى بعد أن تنتهي إجراءات الحجر، وقد تحد هذه القيود تنقلات المواطنين بعد أن تعتبرها تهديداً للسلامة العامة، بما فيه جمع بيانات عن الأماكن التي تتيح للمسؤولين الحكوميين مراقبة حركة الاتصالات، كما أن هناك مخاوف بشأن استخدام هذه البيانات لملاحقة المنشقين أو بيعها لعصابات الإجرام السيبريانية في السوق السوداء.
قمع الشعب
وفي أوروبا أيضاً منح البرلمان المجري رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان صلاحية غير محدودة لإصدار مراسيم بقوانين وفرض أحكام بالسجن على من يعرقلون إجراءات كبح انتشار الفيروس أو من ينشرون معلومات خاطئة تتعلق بالأزمة، وقالت جماعات حقوقية إن القانون ربما يُستخدم لإسكات الصحفيين.
وبعدها بساعات قليلة عقب الحصول علي هذه الصلاحيات، أصدرت المفوضية الأوروبية بيانًا تحذر فيه دولة المجر من استغلال إجراءات الطوارئ التي تبنتها الحكومة لمكافحة أزمة فيروس كورونا في قمع الشعب وتقويض الديمقراطية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “من الضروري ألا تأتي إجراءات الطوارئ على حساب مبادئنا وقيمنا الأساسية… لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون حرية وإعلام مستقل”.
حماية الأسرة
واعتبر حقوقيون في فلسطين أن دولتهم استغلت أزمة تفشي فيروس “كورونا” في البلاد، لإقرار ما يسمى بـ “قانون حماية الأسرة”؛ المبني على اتفاقية “سيداو” التي تنتهك تعاليم الإسلام والعادات التقاليد الفلسطينية، وأفادت مصادر حقوقية، بأنه قد تم رفع مسودة منذ عدة أسابيع لرئيس السلطة محمود عباس، في محاولة لتمرير القانون الأخطر على الأسرة الفلسطينية.
اقرأ أيضًا:
وأكد حقوقيون أن هذا القانون يحتوي على بعض الكوارث ولعل أبرزها الاعتراف بالشذوذ الجنسي وجعله مشروعًا ومباحًا تحت مسمى المساواة “الجنادرية”، والمطالبة بالحرية الجنسية للأطفال والمراهقين من البنات والشباب وجعل منعهم من قبل أهلهم وذويهم عنف ويعاقب الأب والأم، كما أن هذا القانون ينص على السماح لأي شخص سمع بالعنف الأسري تقديم شكوى ضد الزوجين، وهذا اعتداء على القانون، وجعل قوامة الرجل على بيته نوع من أنواع العنف ليصبح بلا ولاية طبيعية، ولا سلطة تأديبية على بيته.
وفي هذا السياق يرى البعض أن هذا الوقت هو الأنسب لتمرير قانون مستنبط بالكامل من اتفاقية سيداو بشكل خفي حتى لا يثور المجتمع ضده في ظل انشغالهم بتفشي فيروس “كورونا”.
مصر.. أطباء وصحفيون قيد الحبس
مصر أيضا كانت ضمن الدول التي سعت لاستغلال جائحة كورونا في فرض مزيد من القيود على حرية العمل الصحفي والتعبير الرقمي للمواطنين، إذ كشفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقرير عن حالة حرية التعبير في مصر، أن بعضًا من إجراءات الحكومة هَدَفت بشكل أساسي إلى تقييد حرية العمل الصحفي والإعلامي وكذلك حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فترى المؤسسة أن ذلك كان ضروريًّا حتى تتمكن السلطات من تسييد روايتها الرسمية حول ما يدور في مصر من أحداث بشأن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومنع تداول أي أخبار أو معلومات عن الأزمة وتطوراتها في الفضاء العام غير تلك التي تُعلنها الجهات الرسمية.
وجاء في التقرير أنه مع بداية أزمة فيروس كورونا المستجد، كلف رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الجهات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة، أو شائعات، تتعلق بفيروس كورونا المستجد، وكذلك مارس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورًا بارزًا في محاصرة الأخبار والبيانات التي يجري تداولها بشأن “كوفيد-19” وانتشاره في مصر، حيث قرر المجلس لفت نظر 16 موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة نشرهم أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا، وتضمن بيان المجلس التوجيه بـمنع بث أي أخبار إلا من خلال البيانات الرسمية لوزارة الصحة.
وترى المؤسسة أن غياب قانون يحمي حق المواطنين بشكل عام والصحفيين بشكل خاص في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية وتداولها ونقلها، أعطى الفرصة للسلطات في القبض على الصحفيين ومعاقبتهم بدعوى نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات والإضرار بالمصلحة العامة، حال تناولهم أي من القضايا أو المعلومات المرتبطة بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر، أو انتقاد أداء وزارة الصحة أو قرارات مجلس الوزراء والجهات الأخرى المعنية بإدارة الأزمة.
قانون الطوارئ
وسام عطا، مدير وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، يرى أن الحكومة المصرية استغلت جائحة كورونا كسائر حكومات العالم، فعدلت من أحكام قانون الطوارئ بما يتلاءم مع بعض التدابير الجديدة لمواجهة فيروس كورونا.
وذكر “عطا”، في تصريحات لـ”مصر 360” أن المادة (4/ فقرة 1) من قانون حالة الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 أجازت لقوات الأمن أو القوات المسلحة التحكم في حياة الأفراد، من خلال تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي، كما تختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة.
ويشير إلى أن الفترة الماضية شهدت تزايدًا حادًا في عمليات الحبس والتضييق على الصحفيين والأطباء في مصر، لانتقادهم قرارات الحكومة المتعلقة بإجراءت مكافحة كورونا أو بسبب إفشاء المعلومات مثلما حدث مع الأطباء الخمس الذين تحدثوا عن غياب إجراءات الوقاية.
وزاد: “لاحظنا جميعا أن فترة الحجر الصحي كانت فرصة لتصفية الحسابات مع نشطاء بارزين في منصة “يوتيوب” وتطبيق “تيك توك” بعد القبض على بعض الوجوه المعروفة مثل مودة الأدهم وحنين حسام”.
وبرأي “عطا”، فإن الحكومة لم تغير من سياستها على مدار فترة الجائحة فهي لا تزال تسيطر على تدفق المعلومات خارج الرواية الرسمية وتفرض قيودًا على من يشكك في تلك الرواية، فضلا عن توسع المجلس الأعلى للإعلام في قرارات الحجب على خلفية أخبار متعلقة بمعلومات عن كوفيد-19، منها درب وموقع النبأ وجريدة الشورى وهي مواقع طالها الحجب في الأشهر الأخيرة خلال فترة الحجر الصحي.