يُحاصر “كورونا” البشر على ظهر البسيطة، دون أن يعرفوا سبيلا للخلاص منه، بل بات المتحكم الرئيسي في سبل الحياة كافة، والحكومات هى الأخرى رهينة للفيروس المستجد، تتخذ القرارات بما يُقلل الخسائر في الأرواح والاقتصاد حتى لا يموت الناس جوعًا، دون معرفة نهاية أجله.
بدأت العديد من الدول مع مرور الوقت، ترى أن الوضع يُحتم الفتح التدريجي والتعايش مع “كوفيد – “1 ، لكن مع وجود قيود تحقيق التباعد، وتحول دون انتشار العدوى، من خلال العزل المجتمعي.
التساؤلات تدور في مصر، حاليًا، حول إمكانية تقبل المواطن لفكرة العزل المجتمعي، التي تفرضها خطة التعايش مع الوباء، وفقًا لما أعلنته الحكومة، دون وجود وسائل ترفيه من “دور سينما وكافيهات ومقاهي ومطاعم”، وسط تخوفات من تأثير ذلك على سلوكيات الأفراد، بسبب تغيير نمط الحياة المعتاد، وعدم وجود متنفس سوى البيت والعمل والطريق بينهما.
مخاطر محتملة
الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، يقول إنه للأسف العزل المجتمعي قد يكون له تأثير إيجابي على المدى الطويل، لكن على المدى القصير هناك البعض عانى منه.
ويضيف “فرويز” – في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″ -: “جميعنا يلاحظ الضغط النفسي على الكثيرين بسبب العزل، وهناك البعض لديه جينات وراثية لبعض الأمراض النفسية، التي تنشط بفعل هذه الظروف، فتظهر عليهم أمراض مثل الاكتئاب والوسواس، وأعراض فصامية، وتوتر”.
ويؤكد أن استمرار الوضع بعدم وجود وسائل للترفيه، سيكون صعبا، لافتًا إلى أن المواطن المصري لديه مثل الغالبية العظمى على مستوى العالم، وعي مجتمعي قليل جدًا، وفرض العزل عليه لابد أن يكون بالإجبار؛ لأنه لن يتقبله.
ويشدد على أن “أي إنسان يحتاج إلى تفريغ للطاقة السلبية، وهو محروم من القهوة والكافيه والنادي والسينما ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط والاضطرابات، وكل ما تطول المدة سيسوء الأمر، والناس ستضطر للنزول”.
ويوضح: أن “الشعب المصري مثل كل شعوب العالم، والأمر ليس سهلًا عليه، وأتوقع زيادة المخاطر من أمراض نفسية ومشاكل اجتماعية وزيادة عنف، واضطرابات”.
غياب الوعي
“للأسف بينزلوا وبيخرجوا في الشوارع غير مدركين لخطورة الأمور ووجود وباء، لغياب الوعي المجتمعي”، هذا ما تشير إليه الدكتور هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع.
وتلفت “منصور” – في تصريحات خاصة لـ”مصر -“360إلى أن “العزل في هذه الحالة ليس عقوبة أو إجبار، حيث تظهر المشكلة حينما يكون كذلك، لكن الأمر هنا يعتبر وقاية وخوف على ناس من وباء”.
وتتابع: “الشخص نفسه يكون لديه في هذه الحالة (وجود وباء كورونا) يتقبل العزل أكثر من أن يكون بالإجبار، لذا لا أتوقع حدوث أي أثار سلبية اجتماعيًا”.
وانتقدت أستاذ علم الاجتماع إجراءات التعايش المعلن عنها، قائلة: “الواقع يدفع أي شخص لإعادة ترتيب أولوياته بحيث يتأقلم مع الوضع، لكن اعتراضي على الخطة؛ لأنها لا تتناسب مع درجة وعي المصريين الضعيفة، وإحساسهم بالخوف والمسئولية الذي يكاد يكون غير موجود أيضًا”.
وأردفت: “التعايش مرتبط بفرص العمل، لكن احنا متعودين على الخروج والفسح والوقفة على النواصي بدون سبب، والتجمعات بدون معنى أو لازمة، عكس المواطن الأوربي الذي يذهب لعمله ويعود، والخروج لهدف على خلاف المصري تمامًا”.
وتستطرد: “لسنا شعبًا مرفهًا، وكلنا علينا ضغوط، ونستطيع الاستغناء عن ذلك”، منوهة بأنه يمكن إيجاد بدائل، مثل إعادة العلاقات الاجتماعية والأسرية، وترتيب الأولويات من جديد.
تأثر نسبي
الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، يلفت إلى أن العزل أثر على الأفراد ونتجت عنه بعض المشاكل.
ويشرح “قناوي” – في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″ – “أن التواجد أكثر من الللازم في البيت ليس جيدًا، وكذلك التقليل أكثر من اللازم والقاعدة تقول كل ما زاد عن حده انقلب لضده”.
ويذهب إلى “أن المشكلة عندنا ليست في الترفيه في حد ذاته، فالمواطن عند الخروج لعمله يقل معه وقت الترفيه وتأثيره، والعملية بها نسبة وتناسب، حيث إن التأثير سيكون على الفئة التي كانت تعتاد على الخروج إلى المقاهي والكافيهات والسينما فقط لا الجميع”.
ويشير إلى أن “الترفيه ليس ضروريًا، وكل هذه الأشياء يتم قضاؤها بالمنزل، كاحتساء الشاي والقهوة، ومشاهدة الأفلام، فهذه الأشياء غير مؤثرة بالدرجة الكبيرة”.
ويشدد على “أنه لابد من التعايش في ظروف مفروضة علينا، والمشكلة الكبرى هو عدم الالتزام بالمعلن عنه من قبل الدولة فالشوارع متكدسة وهذا أكبر مشكلة وننادي نحن بالوعي، ويجب تنظيم النفس، الدنيا لن تنتهي، وأهم شيء الوعي المجتمعي”.