الموضوع الساخن المطروح على الساحة في كندا الآن وتحديدا في مدينة ميسيساجا أحد أهم وأشهر المدن في مقاطعة أونتاريو هو موافقة مسؤولين في البلدية على رأسهم بوني كرومبي عمدة المدينة على طلب تقدم به أعضاء من الجالية الإسلامية لرفع الآذان في مكبرات الصوت طوال شهر رمضان.
وباعتبار ما سيترتب على هذه الموافقة من إجراء تعديلات في القوانين المختصة بالحقوق والحريات الملزمة لمجالس البلديات، وباعتبار أن هناك تخوفات حقيقية من المحاولات الدؤوبة التي تبذلها جماعات الإسلام السياسي لإحراز مكتسبات سياسية جديدة والتمدد في المجال العام، وباعتبار أن هناك شبهة تقاضي رشاوي من مسؤولي البلدية، وباعتبار أن هناك الكثير من المتضررين الذين يقيمون في المناطق السكنية المجاورة للمساجد والذين سوف يتأذون بشكل مباشر من الإزعاج الصادر عن مكبرات الصوت، وباعتبار أن الأذان هو دعوة لإقامة الصلاة في المساجد في وقت تفرض فيه الدولة على مواطنيها البقاء في منازلهم وتغريمهم عقوبات مالية إن خالفوا هذه التعليمات، فكان طبيعيا نتيجة لكل هذه الاعتبارات أن يطرح الموضوع للنقاش المجتمعي وأن يتم رفضه والاعتراض عليه من قبل قطاع كبير من الناس.
هنا تبرز المشكلة الأكبر والأكثر إقلاقا في رأيي من مشاكل الخروج عن القانون والصراع بين القوى المتناحرة داخل المجتمع، ألا وهي الاتجاه الشعبي الموجود في كندا الآن الذي يرمي إلى الحجر على حرية التعبير و إخراس أي صوت لا يتوافق مع الطرح السائد الذي تطرحه الفئة الأعلى صوتا، والذي يغذيه التحالف القائم بين الحزب الليبرالي الحاكم وقيادات جماعات الإسلام السياسي.
حيث تشن حملات ممنهجة من الهجوم الشرس تصل إلى حد التشويه والتهديد والاتهام بالكراهية والعنصرية والملاحقات القضائية على كل من تسول له نفسه الاعتراض أو مجرد إبداء الاستياء من الفكرة أو الطرح الذي يتبنونه. ولا يخفى على أحد أن المحاولات الحثيثة التي تبذلها بعض الجماعات الإسلامية لإعطاء شعائرها الدينية حق الإلزام السياسي وفرض ولاءاتها الدينية على المجتمع، هي استراتيجية ترمي في النهاية إلى الانتقاص من السيادة الشعبية وبسط النفوذ السياسي لتلك الجماعات على الدولة.
المفارقة الهزلية في الأمر أن حملات الهجوم التي تشن على المعترضين إنما تتم تحت راية الليبرالية وحرية الاعتقاد ويكون من نصيب كل معارض أن توجه له الاتهامات الإسلاموفوبيا والعنصرية وعدم قبول الآخر، على اعتبار أن فرض الممارسات والشعائر الدينية لفئة بعينها على باقي فئات المجتمع هو من الليبرالية، وعلى أساس أن عدم رغبتك في الاشتراك في ممارسات الآخرين الدينية من غرفة الجلوس في منزلك تعتبر انتهاكا لحريتهم العقائدية.
الحقيقة أن هذا المنطق المقلوب وهذه المغالطات المنطقية والأخلاقية تشكل أزمة خطيرة وعميقة في المجتمعات الغربية حاليا. فالتآلف والتوافق والتجانس والقبول لا يمكن أن يتحققوا إلا على أرضية من المواطنة والمساواة بين كافة فئات المجتمع.
لكن قانون الإسلاموفوبيا الهلامي الذي تم طرحه والموافقة عليه منذ ثلاث سنوات والذي اختص بتجريم الكراهية ضد المسلمين وحدهم ساهم في تعميق الهوة وفي التأصيل لما نراه اليوم من تقسيم للمجتمع على أساس ديني وعزل للمسلم الكندي داخل هويته الدينية بحيث يتم التعامل معه على أساس أنه مسلم لا على أساس أنه مواطن كندي له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات.
إن رضوخ السياسيين لمحاولات إقحام الدين في السياسة هو خيانة للمبادئ العلمانية التي نجحت المجتمعات الغربية في ترسيخها بعد أن قطعت شوطا كبيرا في مجال الحريات الاجتماعية. والمجتمعات التي لا تسمح بالنقاش، ولا تتيح عمل التسويات والوصول إلى حلول وسطى، هي مجتمعات تحكم على نفسها بالانقسام وتمهد الطريق لممارسات العنف والعنف المضاد وتقضي على كل سمة من سمات المجتمعات الحرة.
مفهوم الليبرالية لا يمكن أن ينفصل عن مفاهيم الحرية والمساواة ومن يدعي الليبرالية في حين يسخر الحرية لخدمة أغراضه الطائفية و يشيطن المختلف ويهزأ من أفكاره ويحقر من معتقداته ويحجر على حقوقه في التعبير والاعتراض والاختلاف أقول له أن هذه الليبرالية التي تدعيها دي تبقى لا مؤاخذة ليبرالية أمك.