مطلع ديسمبر الماضى، دعا حزب «مستقبل وطن» عددا من الأحزاب السياسية للمشاركة فيما أطلق عليه حينها جلسات «الحوار الوطنى»؛ للتوافق حول «رؤية المرحلة القادمة والتباحث حول الخريطة السياسية فى ظل وجود الكثير من الاستحقاقات الانتخابية خلال الفترة المقبلة».
جلسات الحوار التى استضافها الحزب صاحب الأكثرية النيابية، وشارك فيها نحو 10 أحزاب، أبرزها «الوفد، والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، والتجمع، والمحافظين، والمؤتمر، والإصلاح والتنمية، والعدل»، وأسفرت بحسب ما هو معلن، عن اتفاق ممثلى تلك الأحزاب على «تشكيل لجنة من الخبراء لوضع مقترحات لتعديل قوانين الانتخابات بما يضمن تمثيل جميع القوى الوطنية فى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة».
خلال إحدى جلسات هذا الحوار، حمَّل فريد زهران رئيس «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» السلطة وجناحها الحزبى الذى يمثله «مستقبل وطن» مسئولية إغلاق المجال العام وتأميم الإعلام وحصار الأحزاب السياسية وحبس كوادرها.
فى تلك الجلسة، وجه زهران سؤالا إلى رئيس «مستقبل وطن» حينها النائب أشرف رشاد: «أين موقف حزبكم من حبس عشرات الشباب على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية؟.. شباب كانوا رموزا لمواجهة الإرهاب والإخوان، يحبسون اليوم!!». مستدركا: «إذا لم يشهد المناخ السياسى درجة من الانفراج الديمقراطى فلا يمكن الحديث عن انتخابات تعكس إرادة الناخبين، فكيف نتحدث عن انتخابات ديمقراطية، وهناك سجناء على ذمة قضايا رأى؟».
رئيس «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» أبدى تشككه فى أن يكون الغرض من دعوتهم للحوار هو تجميل المشهد وصناعة «ديكور» يوحى بأن أحزاب المعارضة شاركت فى مناقشات تعديلات قوانين الانتخاب، مثلما حدث مع التعديلات الدستورية.
ورغم ذلك شارك زهران ومعه عدد من قادة الأحزاب فى هذا الحوار عسى أن يكون لدى السلطة وممثلها فى البرلمان رغبة صادقة فى الإصلاح كما بشر البعض «ما زلنا نحمل الأمل فى أن تنجو بلدنا من أزمتها وتعود لرشدها، وترجع لمسار التحول الديمقراطى الذى ابتعدت عنه كثيرا فى السنوات السابقة، بكل أسف».
زهران ومن معه اعتبروا أنه لا جدوى من هذا الحوار قبل أن تشرع السلطة فى الإفراج عن كوادر الأحزاب المحبوسين، «كيف أتحدث مع أعضاء حزبى عن انتخابات وهناك زملاء لنا فى السجن؟»، وعرض بعض النماذج التى تم حبسها لمجرد أنها بحثت المشاركة فى الاستحقاق الانتخابى المقبل تحت مظلة تحالف جديد أطلقوا عليه «تحالف الأمل»، وصوره إعلام السلطة على أنه «خلية تشارك جماعة إرهابية فى تحقيق أهدافها، وتنشر أخبارا كاذبة».
لم تسلط وسائل الإعلام حينها الضوء على كلمة زهران، واكتفت بنقل «أكلشيهات» يتم تصديرها فى مثل تلك المناسبات من عينة «مصلحة مصر، وإثراء الحياة السياسية، وضرورة التوافق».. إلى آخر تلك المصطلحات التى يتم تسويقها لدغدغة العواطف الوطنية أو لإيصال رسائل مضللة لا تمتُّ للواقع بصلة.
زهران لجأ إلى نشر كلمته على حسابه بموقع «فيسبوك»، وختمها بـ «نحن بحاجة لمناخ مختلف تجرى فيه الانتخابات، وإذا لم يوجد هذا المناخ أشك كثيرا فى أن الانتخابات ستعكس إرادة الناخبين».
بحسب مصادر شاركت فى تلك الجلسات، فإن تهيئة المناخ السياسى يجب أن يضمن إخلاء سبيل المحبوسين، وبحث مقترحات الأحزاب فى تعديلات قوانين الانتخاب التى ستعرض على البرلمان.
وكشفت المصادر أن أحزاب المعارضة سلمت بالفعل قادة «مستقبل وطن» قائمة بكوادرها المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، وطالبتهم بالتدخل والسعى لإطلاق سراحهم، مشيرة إلى أن «المعارضة» رهنت مشاركتها فى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة على تنفيذ شرطها بإخلاء سبيل أعضائها، بالإضافة إلى التوافق على نظام انتخابى يضمن تمثيل القوى السياسية المدنية فى البرلمان المقبل.
وعد «مستقل وطن» قادة أحزاب المعارضة بالتدخل لدى الجهات المعنية للإفراج عن كوادرها، بحسب نفس المصادر، كما تعهد بدراسة مقترحاتهم لتعديل قوانين الانتخاب بما يسمح بتمثيلهم تحت القبة، وهو ما ألمح إليه حسام الخولى أمين عام حزب الأكثرية البرلمانية، والذى أشار إلى أن جلسات الحوار لم تكن من أجل «الشو الإعلامى»، بل تستهدف إخراج قوانين الانتخابات بشكل متوازن يناسب الجميع.
الخولى قال فى تصريحات صحفية حينها إن «حوارهم مع أحزاب المعارضة يهدف إلى تهيئة الأجواء السياسية للخروج بقانون توافقى أو فى أسوأ الأمور تقليل نسب الخلاف»، وبالفعل تم تشكيل لجنة لبحث مقترحات الأحزاب حول النظام الانتخابى الأمثل.
كان المطلب الأساسى لمعظم الأحزاب المشاركة فى جلسات الحوار، أن يتم استبدال نظام القائمة «المغلقة المطلقة» بـ«النسبية المفتوحة» أو «النسبية المغلقة»، حتى لا يتم إهدار أصوات الناخبين الذين لم يصوتوا للقائمة التى ستحصل على «نصف الأصوات + صوت»، ويكون هناك نواب يمثلون كتلة الرفض تحت قبة البرلمان.
مر على جلسات الحوار الوطنى المزعومة أكثر من 6 أشهر، ورغم ما مرت به البلاد من ظروف تفشى وباء كورونا، ورغم تعدد النداءات والدعوات المطالبة بالإفراج عن المحبوسين من كوادر الأحزاب وأصحاب الرأى، فإن أحدا لم يلتفت إلى تلك الدعوات، ولا يزال العشرات قيد الحبس الاحتياطى باتهامات يعلم القاصى والدانى أنها لا تمتُّ إلى الواقع بأى صلة، وأن المتهمين الذين يُجدد حبسهم منذ إلقاء القبض عليهم قبل شهور لم تصل جهات التحقيق إلى أدلة تمكنها من إصدار قرار بإحالتهم إلى المحاكمة.
إن استمرار حبس كوادر الأحزاب وأصحاب الرأى حتى حينه، يثبت أن جلسات ما يسمى الحوار الوطنى كانت للاستهلاك الإعلامى ليس إلا، وأن وعد «مستقبل وطن» لممثلى أحزاب المعارضة بالتدخل لدى الجهات المعنية للإفراج عن المحبوسين، لا يعدو كونه «كلام ليل مدهون بزبدة متى طلع عليه النهار ذاب».
أما الشق الآخر فى جلسات هذا الحوار الذى تعهد أصحابه بأن يصلوا إلى توافق حول شكل الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة، وهو المتعلق ببحث مقترحات الأحزاب حول تعديل قوانين الانتخاب «بما يسمح بتمثيل جميع القوى السياسة تحت قبة البرلمان»، فلم يختلف كثيرا عن الشق الأول، فالأغلبية البرلمانية تنصلت و«لحست» وعودها وأصرت على أن تجرى انتخابات مجلس النواب المقبلة بنظام القائمة «المغلقة المطلقة»، حتى «لا يتسلل أى شخص غير مرغوب فيه إلى البرلمان».
الأسبوع الماضى وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون قدمه النائب عبدالهادى القصبى رئيس ائتلاف «دعم مصر» الذى يسيطر عليه حزب «مستقبل وطن» ومعه أكثر من 60 نائبا، لتعديل بعض أحكام قوانين الانتخابات.
مشروع تعديل قانون مجلس النواب نص على أن يشكل المجلس من 568 عضوا ينتخب نصفهم بالنظام الفردى والنصف الآخر بنظام القائمة المغلقة المطلقة، كما تم اعتماد نفس النظام فى انتخاب مجلس الشيوخ الذى نص مشروع تعديل قانونه على أنه يتكون المجلس من 300 عضو، 100 منهم ينتخبون بالنظام الفردى، و100 بنظام القائمة المغلقة المطلقة، و100 يختارهم رئيس الجمهورية.
لم يلتفت وكيل تشريعية البرلمان إيهاب الطماوى الذى ترأس الاجتماع لمشروعات القوانين الأخرى التى تقدم بها نواب تكتل «25ــ30»، ولم يسمح لهم حتى بمناقشتها رغم أن الأغلبية المريحة ستحسم الأمر فى النهاية وتمرر ما تراه، وأصر الطماوى على اعتبار مشروع القصبى هو أساس المناقشة خلال الاجتماع المشار إليه.
مشروع تعديل تكتل «25ــ30» الذى قدمه النائب محمد عبدالغنى نص على استحداث مادة بـ«زيادة القوائم الانتخابية كل عام على مدار ثلاثة فصول تشريعية بنسبة 15% لتصل فى النهاية نسبة القوائم إلى 75% من أعضاء المجلس».
وطرح تعديل «25ــ30» المقترح الأخذ بنظام القائمة النسبية المفتوحة لـ«تلافى نظام القائمة المغلقة، وإيجاد فرص للعلاقة المباشرة بين الناخب والمرشحين»، وذلك بهدف الوصول إلى حياة سياسية حزبية سلمية، وتمثيل جميع الأحزاب الفاعلة.
لم يسمح لنواب «25ــ30» بعرض مشروعهم، ومُنحت الكلمة لعضوين منهم لإبداء الرأى فى مقترح «دعم مصر» فيما لا يزيد عن دقيقتين، وهو ما تكرر عند مناقشة قانون مجلس الشيوخ فى اجتماع آخر باللجنة التشريعية، وطالب خلاله النائبان أحمد الطنطاوى ومحمد العتمانى باعتماد القائمة النسبية بديلا عن «المطلقة» لتوسيع المشاركة السياسية ومنع سيطرة الحزب الواحد على القائمة، وبما يتيح تشكيل قوائم معبرة عن توجهات سياسية مختلفة.
وافقت اللجنة التشريعية على مقترحات تعديل قوانين الانتخابات التى تقدم بها القصبى، ومن المنتظر أن يمررها البرلمان خلال الأيام المقبلة كما هى، ولا عزاء لجلسات «مستقبل وطن» للحوار الوطنى، ولا للجنة التى تم تشكيلها لبحث مقترحات الأحزاب حول النظام الانتخابى الأمثل، ولا للوعود التى أطلقت فى الهواء، بما يدلل على انسداد الأفق، وعدم رغبة السلطة فى سماع أى صوت آخر سوى صداها.
الكرة الآن فى ملعب أحزاب المعارضة التى رهنت مشاركتها فى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بالإفراج عن كوادرها المحبوسين على ذمة قضايا رأى وهو ما لم يحدث، والتعامل بجدية مع مقترحاتها فيما يخص قوانين الانتخاب والتى لم يلتفت إليها البرلمان.
أغلب الظن أن البرلمان المقبل بغرفتيه والذى سيتم انتخاب أعضائه وفقا للمواعيد المعلنة نهاية العام الجارى، لن يختلف كثيرا فى تشكيله أو أدائه عن المجلس الحالى الذى مرر اتفاقية «تيران وصنافير» و«التعديلات الدستورية»، وبصم على كل سياسات وتوجهات السلطة التنفيذية، فقوانين الانتخاب التى يتم طبخها حاليا لن تنتج إلا نسخة جديدة من برلمان «دعم الرئيس»، إن لم تكن أسوأ.
محمد سعد عبد الحفيظ
كاتب صحفي
[email protected]