بقلم – تامر هنداوي وأحمد البرديني
ما يقرب من 6 سنوات على قرار منع بث جلسات مجلس النواب. وهو القرار الذي حرم المصريين من متابعة نوابهم. فضلا عن اقتصار معلوماتهم على ما ينشر في الصحف والمواقع عن نتائج ما آلت إليه الجلسات. وذلك دون معرفة آراء من حصلوا على أصواتهم في مشروعات القوانين والقرارات التي يصدرها المجلس.
كان علي عبد العال -رئيس مجلس النواب في الفصل التشريعي السابق- اتخذ قرارا بمنع بث الجلسات عام 2015. وهو القرار الذي خالف الدستور المصري. إذ نصت مادته 120 على: جلسات “النواب” علنية ووقف إذاعتها يكون في حالات استثنائية وتنطبق هذه المادة أيضًا على جلسات “الشيوخ”.
ووقتها اكتفى رئيس مجلس النواب بقوله إن هناك اقتراحا من 40 عضوا بوقف البث المباشر لجلسات المجلس. فيما استقبل أعضاء المجلس الاقتراح بتصفيق حاد ليرد رئيس المجلس: “موافقة.. موافقة.. موافقة يُقطع البث”.
يجوز انعقاد المجلس في جلسة سرية بناءً على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس المجلس أو عشرين من أعضائه على الأقل. ثم يقرر المجلس بأغلبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجرى في جلسة علنية أو سرية.
مطالبات بعودة البث
عادت قضية بث جلسات “النواب” إلى السطح. وذلك مع اقتراح النائبة أميرة صابر -عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وعضو تنسيقية شباب الأحزاب- إتاحة بث الجلسات لقنوات التليفزيون المصري.
النائبة أميرة صابر أكدت في تصريحات صحفية أن عدم الإتاحة الكاملة لحق المواطن في متابعة النقاشات والأحاديث يخلق انطباعًا سلبيًا عن أداء المجلس. ذلك الانطباع بررته النائبة بأن المواطن يتلقى أخبار صدور قوانين بشكل مفاجئ. دون متابعته النقاشات بشكل طبيعي ويسير. وذلك يفتح الباب لكثير من الشائعات التي يطلقها المغرضون وتنال من المجلس وأعضائه.
وتعقد في الثاني من شهر يناير المقبل، جلسة لنظر الدعوتين المقامتين من محامِيْ مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مايو الماضي، ضد كلاً من رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، طعنًا على القرار السلبي بالامتناع عن بث جلسات مجلسي الشيوخ والنواب تليفزيونيًا ورقميًا، ونشرها مكتوبة من خلال الجريدة الرسمية، من المتوقع خلاها تقديم مستندات من طرف محامِيْ هيئة قضايا الدولة.
هل تتحرك المياه الراكدة؟
إلا أن الدعوتين لا يرجح أن تحركان المياه الراكدة. خصوصًا أن هيئة المفوضين بمجلس الدولة، سبق وأن أصدرت تقريرًا قضائيًا، أيدت فيه قرار علي عبد العال، بمنع البث المباشر لجلسات البرلمان. وأوصت بإصدار حكم برفض الدعوى التى تطالب بإلغاء ذلك القرار.
هيئة المفوضين لم تر في منع عرض الجلسات عبر شاشات التليفزيون أنه يشكل في حد ذاته عقبة أمام مبدأ العلانية، طالما تحقق المبدأ. سواء بطريق النشر بالصحف أو عرض مقتطفات من الجلسات أو غير ذلك من طرق النشر الحديثة.
الهيئة بررت رأيها بأن الدستور والقانون الصادر بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب أكدا على أن الأصل فى جلسات المجلس كونها علانية. وحيث أن ما يتخذ من إجراءات وقرارات داخل مجلس النواب يتم نشرها فى الصحف اليومية، وتعرض فى وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أو المسموعة أو المكتوبة. ما يدعم فكرة علانية الجلسات، وبالتالى فلا يجب حصر مبدأ العلانية فيما يعرض فقط على شاشات التليفزيون.
واستبعد مصدر برلماني مناقشة هذا الموضوع مجددًا تحت القبة خلال الفترة المقبلة، لعدة أسباب: من بينها أن قرار وقف بث الجلسات هو قرار أمني بالأساس وليست مبادرة من رئيس البرلمان السابق.
سبب آخر وهو الأهم، بحسب المصدر نفسه، فإن قرار وقفت البث حافظ على الشكل العام للمجلس بعد تكرار وقوع أزمات في إدارة الجلسات، جرى استغلالها لتصدير صورة سلبية عن البرلمان المصري، إلى جانب عدم رغبة النواب في بث جلسات القوانين التي يرفضها الشارع، مما يشكل حرجا للنواب أمام دوائرهم الانتخابية.
اقتراح البث عبر 3 بنود
وتضمن اقتراح عضو الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي 3 بنود. البند الأول تمثل في إتاحة إذاعة الجلسات العامة على الهواء مباشرةً في قناة تليفزيونية مخصصة لذلك وتابعة للتليفزيون المصري. علاوة على قناة مخصصة لبث الجلسات على منصة “يوتيوب”.
البند الثاني تناول تعامل أمانة المجلس مع “الإنترنت” بشكل مواكب لما نراه في معظم برلمانات العالم. ومواكبة توجه الحكومة في التحول الرقمي الكامل للخدمات كافة. بحيث تنشئ أمانة المجلس صفحة رسمية موثقة على فيسبوك. وكذلك قناة رسمية على موقع “يوتيوب”. على أن يكون الغرض من ذلك نشر قرارات المجلس وإذاعة الجلسات إلكترونيًا عبر البث المباشر.
وتناولت النائبة في البند الثالث من المقترح تحديث الموقع الإلكتروني “الرسمي” الخاص بمجلس النواب للأغراض ذاتها في البند السابق. وذلك أسوة بمؤسسات الدولة الرسمية كافة. مع إضافة خاصية اشتراك للباحثين والصحفيين للحصول على نسخ إلكترونية موثقة ورسمية من مضابط الجلسات عقب كل دور انعقاد بمبلغ يحدد لاحقًا.
تنص المادة 68 من الدستور على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب. والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن وتلتزم توفيره وإتاحته للمواطنين بشفافية.
استثناء مناقشات اللجان
واستثنى المُقترح المناقشات الخاصة باللجان من الإذاعة المباشرة. مع تأكيد حق اللجنة في إذاعة أو تسجيل الجلسات أو الاكتفاء بحضور الصحفيين. وذلك نظرًا لسرية بعض المداولات الهامة رغم أن مناقشات هذه اللجان ستزيد ثراءً حينما يتابعها خبراء ومتخصصون من خارج المجلس. فهذا سيضيف الكثير من التفاعلات المحمودة التي تُضفي على مخرجات المجلس الكثير من الانضباط والتخصص والتنوع.
كثير من البرلمانات تتيح للجمهور من المواطنين حضور الجلسات من داخل المجلس. وذلك عبر نظام تسجيل وقواعد للحضور لتأكيد أن البرلمان ملك الشعب ويعمل لصالحه. إذ لا يوجد أي مانع من إتاحة مشاركة المواطنين ما لم يؤثر على سير أعمال المجلس.
وأكدت النائبة أن مجلس النواب يمثل العقل التشريعي للدولة والمجتمع المصري. وأن ما يتم من دور هام وفاعل للمجلس له بالغ الأثر والأهمية في حياة المواطنين. وهؤلاء هم المعنيون. بما يُناقش داخل أروقة المجلس من قوانين وقرارات وإجراءات. فضلا عن أنهم أصحاب الحق الأصيل في اختيار أعضاء المجلس وانتخابهم وتقييم أدائهم الرقابي والتشريعي والتواصل معهم لعرض مقترحاتهم ومشكلاتهم.
وذكرت النائبة في اقتراحها أن المجتمعات والدول تتباهى بما يحدث داخل مجالسها النيابية. وإشراك المواطنين في متابعة الأحداث الهامة بأقصى درجات الشفافية.
حضور مواطنين للجلسات
كثير من البرلمانات تتيح للجمهور من المواطنين حضور الجلسات من داخل المجلس. وذلك عبر نظام تسجيل وقواعد للحضور لتأكيد أن البرلمان ملك الشعب ويعمل لصالحه. إذ لا يوجد أي مانع من إتاحة مشاركة المواطنين ما لم يؤثر على سير أعمال المجلس.
قناة صوت الشعب
وكانت الهيئة الوطنية للإعلام اتخذت قرارا بوقف بث قناة صوت الشعب المخصصة لنقل جلسات مجلس الشعب والشوري في عام 2017. وهو القرار الذي أثار حفيظة عدد من النواب وقتها.
وجاء قرار وقف البث بعد5 سنوات من انطلاقها لبث جلسات مجلسي الشعب والشورى. وذلك بالتزامن مع أول انعقاد لجلسات مجلس الشعب بعد ثورة 25 يناير 2011 في21 يناير 2012.
دعوى قضائية
مؤسسة حرية الفكر والتعبير لجأت إلى محكمة القضاء الإداري. حيث أقامت دعويين قضائيين ضد كل من رئيس “النواب” -حنفي جبالي- ورئيس “الشيوخ” -عبد الوهاب عبد الرزاق. وذلك طعنا بالقرار السلبي بالامتناع عن بثّ جلسات مجلسي الشيوخ والنواب تليفزيونيا ورقميا ونشرها مكتوبة في الجريدة الرسمية.
وحملت الدعوى الأولى والموجهة ضد رئيس “النواب” رقم 64322 لسنة 75 قضائية. بينما حملت الثانية والموجهة ضد رئيس “الشيوخ” رقم 46319 لسنة 75 قضائية أمام الدائرة الثانية في محكمة القضاء الإداري.
وبحسب ما جاء في الدعوى فإن إتاحة جلسات “النواب” والشيوخ” تمثل ضمانة رئيسية لتوفر الرقابة الشعبية على أعضاء السلطة التشريعية. وأيضا تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين. علاوة على أن التصويت في الانتخابات البرلمانية ينبني على علم بأداء النواب وتباين المواقف بين الأحزاب السياسية وهو ما تضمنه متابعة الجلسات.
وأضافت أن حضور بعض ممثلي الصحف والمواقع الإخبارية جلسات المجلسين ينبني على حقهم الدستوري والقانوني في ممارسة عملهم. إذ لا يمتد إلى تحقق مبدأ العلانية ﻷنه يستحيل حضور كل ممثلي الصحف والمواقع والقنوات لجلسات المجلسين.
ولفتت الدعوى إلى أن لكل وسيلة إعلامية سياسة تحريرية خاصة بها قد تؤدي إلى تقلص مساحات النشر. لبعض التطورات التشريعية أو عدم نشر البعض الآخر. وذلك يحرم المواطنين من الوصول إلى المعلومات.
برلمانات العالم
وزادت: إتاحة بث الجلسات في دول كألمانيا وبريطانيا وأمريكا وفرنسا تمكِّن المواطن من الوصول مباشرة إلى المادة دون انتظار وسائل الإعلام.
حريٌّ أن يكون البرلمان المصري ذو التاريخ العريق الممتد إلى مائة وخمسين عاما على قدر من الشفافية أسوة ببرلمانات الدول الديمقراطية. وذلك انتصارا للشفافية والمشاركة السياسية المعززة لاستقرار مصر. هكذا اختتمت المؤسسة دعواها التي تطالب ببث جلسات المجلسين.