مصر صبرت أكثر مما ينبغي على مراوغات إثيوبيا
إثيوبيا تلعب دور الولد الشقي لإفساد الحوار.. وجنوب أفريقيا تسعى لاستغلال ابتعاد مصر عن البيت الأفريقي
المكسب الحقيقي من التصعيد لمجلس الأمن تقليل الخسائر وإيقاف التهرب الإثيوبي.. والسودان موقفه غامض
ضرورة الائتلاف الوطني لمواجهة المخاطر الوجودية التي تهدد المجتمع
على السلطة أن تفتح الحوار مع الجميع للمشاركة في العبور من الأزمة
القاهرة لم تستغل رئاسة الاتحاد الأفريقي العام الماضي في إنهاء أزمة سد النهضة
قال السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر استفادت من تصعيد قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن بتقليل الخسائر المحتملة من بناء السد، وتحجيم خطة الخداع الأثيوبية عند هذه المحطة، مشيرا إلى أن العالم انتبه الآن إلى القضية المائية الشائكة.
وأضاف مرزوق، الذي شغل منصب سفير مصر في عدد من البلدان الأفريقية، في حواره مع “مصر 360″، أن مصر صبرت كثيرا على المراوغات الأثيوبية طوال السنوات الماضية، مطالبا وزارة الخارجية باستعادة أدواتها الدبلوماسية الفعالة داخل القارة السمراء.
وطالب مرزوق، أنصاره من أبناء التيار المدني، بالاصطفاف خلف القيادة السياسية في أزمة السد للعبور، في الوقت الذي حث السلطة على فتح المجال السياسي للاستماع لجميع الآراء في قضايا الوطن، وإلى نص الحوار.
بداية.. كيف ترى المواجهة التي جرت بين مصر وأثيوبيا في مجلس الأمن؟
تحركنا إلى مجلس الأمن تأخر كثيرا، ومصر كانت صبورة أكثر مما ينبغي في إحالة القضية إلى المنظمات الإقليمية والدولية، لأن إثيوبيا تتبع أسلوب كسب الوقت و”تنويم الخصم” واستدراجه إلى آخر محطات التفاوض حتى يتسنى لها إنجاز هدفها المنشود، ويجب أن نعترف أن مصر تصرفت بحسن نية في قضية سد النهضة رغم أن تصرفاتهم معنا منذ البداية كانت سيئة النية وقائمة على المراوغة.
هل بالفعل تقدمت مصر خطوة للإمام وكسبت تأييدًا دوليًا بعد كلمة الوزير سامح شكري؟
جلسة مجلس الأمن ليست انتصارا ساحقا في حد ذاته، بل خطوة جيدة في الطريق الطويل، خصوصا أن إثيوبيا متجمدة عند أفكارها ومستمرة في المراوغة كعادتها، لذا الوصول إلى مجلس الأمن لا يجب أن نعطيه أكبر من قيمته، ولكن يجب الاستمرار في حصار الجانب الأثيوبي كي نقلل الخسائر والضرر على دول المصب، مع عدم السماح لهم مرة أخرى بكسب الوقت في مفاوضات لا طائل وراءها.
فلا شك أن العالم انتبه الآن إلى قضية سد النهضة بعد عرضه في مجلس الأمن، لأن الموضوع يمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فنحن نحصل من مياه نهر النيل الأزرق على 85 % من احتياجاتنا وإنشاء السد يعني بوار 3 ملايين فدانا زراعيا، وتملح الأراضي الواقعة في الدلتا خلال ثلاثة سنوات من التشغيل فهو تهديد حقيقي لمصر، والعالم يجب أن يعلم أن إصرار إثيوبيا على التصرف دون مراعاة شواغل دول المصب يعد بمثابة حرب إبادة صريحة ضد لشعب المصري.
في رأيك.. ما مصدر قوة المفاوض الإثيوبي؟
إثيوبيا تلعب دور الولد الشقي لإفساد أي حوار، ومصدر قوتها أنها دولة المنبع ونحن دولة المصب، لكننا أيضا ساهمنا في قوتها بمنحها إعلان المبادئ الذي وقع بين دول حوض النيل في 2015 الذي أعطاها الضوء الأخضر للاستمرار في بناء السد وتمويله، وأثر سلبا علي النظام القانوني الحاكم بين البلدين، ومنها اتفاقية 1902 التي كانت تمنع استخدام أو بناء أي مشروع على نهر النيل بدون أذن مصري، كما أنها نجحت في استدراجنا في التفاوض بنوايا حسنة، فلم نسع أو نتحرك لإيقاف بناء السد في أي مرة بعد فشل عمل اللجان القانونية في مرات كثيرة حتى أصبح السد حقيقة وأمر واقع.
إثيوبيا تلعب الآن بورقة الاتحاد الأفريقي للعودة للمراوغة بعامل الوقت، وهو اتحاد كبير به أكثر من 50 دولة، وربما يكون فيه من لديه مصلحة في ضرب أهداف مصر، لكن المناورة الآن بورقة الاتحاد الافريقي بعد التصعيد لمجلس الأمن هي محاولة خبيثة للالتفاف على التحرك المصري.
تنادي باستمرار مصر في تفعيل أدواتها الدبلوماسية.. ماذا تقصد؟
مصر تمتلك مؤسسة عتيقة مثل وزارة الخارجية تتوارث القيم والخبرات، ولدينا مدرسة تليدة وعظيمة، ودبلوماسيو مصر مصدر فخر وتتمنى دول العالم بأسره بما فيها القوى العظمى في العالم أن يكون لديها مثل هذه الكفاءات، وما أقصده هو عودة الخارجية لممارسة أدوارها المعهودة، والاستفادة القصوى من إمكانياتها دون تدخل أو تعويق من مؤسسات أخرى.
هل تكشف لنا أزمة أثيوبيا عن أخطاء الدبلوماسية المصرية في أفريقيا؟
علاقتنا بدول أفريقيا تغيرت منذ السبعينات بعد مساندة مصر الدولة الساعية للاستقلال الوطني من الاستعمار، فمصر في البداية كانت توفد أفضل ما لديها من خبرات إلى أفريقيا في الستينيات، بعد ذلك تراخي الاهتمام بأفريقيا وأصبح الأفارقة بشكل عام يشعرون أننا نتعالى عليهم، أتذكر حديثي مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني حينما كنت سفيرا لمصر في أوغندا، عن شكواه من عدم زيارة مبارك له رغم زيارته له 4 مرات بالقاهرة، فـ “مصر مبارك” كانت ترى مصلحتها في شمال البحر المتوسط وليس الجنوب.
في فترة عبد الناصر علي سبيل المثال كانت الإذاعات توجه للبلدان الأفريقية باللغات الأفريقية المحلية، وشهدت ثراء كبيرا في حركة الترجمة للأدب والثقافة الإفريقية، وكان هناك نشاط محمود لمكاتب شركة النصر للتصدير والاستيراد، وأدى تراجع الاهتمام إلى خلق فجوة كبيرة تفصل بين مصر وأفريقيا، والآن ندفع ثمن هذا الإهمال في علاقاتنا المتوترة بأبناء الجنوب.
حديثك معناه أن جنوب أفريقيا تلعب حاليا دور مصر في الستينيات؟
جنوب أفريقيا منذ انتخاب نيلسون مانديلا وتخلصها من التمييز ومحاربة العنصرية أصبحت دولة قوية ناشئة تمتلك إمكانيات وتهتم بالبيت التي تسكن فيه وهو القارة الأفريقية، فلا توجد مشكلة في القارة السمراء إلا وجنوب افريقيا تضع نفسها فيها سواء في النزاعات أو المعاهدات التجارية، جهازهم الدبلوماسي ضعيف لكنهم يتعلمون أثناء العمل.
وأنا أرى أن مصر لم تستغل رئاسة الاتحاد الأفريقي العام الماضي في إنهاء أزمة سد النهضة، وهو ما تحاول جنوب أفريقيا إثباته الآن باعتبارها الدولة التي تدير الاتحاد، ولا نستطيع تحييد جنوب إفريقيا حاليا، لكن بطبيعة الحال ليس من حقها التأثير على الحقوق المصرية.
ما تعقيبك على الموقف المتباين للسودان الشقيق في أزمة السد؟
السودان موقفه غامض بالنسبة لي، فقد كان ملتصقا بالمصالح الأثيوبية في البداية بحكم العلاقات والمصالح، وتحسن مؤخرا بفضل الدبلوماسية المصرية أيضا، لكن الوفد السوداني في اجتماع مجلس الأمن الأخير حاول أن يكون محايدا رغم أنه سيكون أكثر المتضررين من انهيار السد، بل سعى إلى استغلال الاجتماع في إبراء ذمته من تهم الإرهاب والاستفادة بالاعتراف به داخل مجلس الأمن، لقد تحدث السودان عن نفسه بأكثر ما تحدث عن أزمة سد النهضة، وأتصور أن جهدا دبلوماسيا يجب أن يبذل لتنسيق المواقف بشكل أكثر إحكاما بين البلدين.
كيف ترى التلويح بالحل العسكري الذي يروج له البعض في أزمة السد؟
من يخطط لعمل عسكري لا يُظهر ذلك في العلن، وليس من مصلحتنا أن نبين أننا دولة معتدية، لأن الإعلام الإثيوبي يستخدم هذا ضدنا، وإذا استدعى الأمر استعراض عضلاتنا في وقت مقبل، فإن ذلك أمر يجب دراسته جيدا قبل اتخاذ أي قرار فيه.
أخيرا.. ما المطلوب من المعارضة المصرية في أزمة سد النهضة؟
كتبت من قبل أن السفينة حينما تواجه العواصف في وسط البحر لا يجوز مصارعة الربان في غرفة القيادة، وعلينا نصح القائد وليس العراك معه حتى لا يتشتت عن القيادة، لذا يجب الائتلاف الوطني لمواجهة المخاطر الوجودية التي تهدد المجتمع، وذلك هو ما يحدث في كل دول العالم عندما تواجه ما يهدد أمنها القومي، وذلك لا يعني الدعم المطلق الأعمى، بل رفع الوعي بمخاطر الأزمة وتقديم الرأي والبدائل حتى لا نغرق جميعا، وهذا يقتضي من السلطة بدورها أن تفتح الحوار مع الجميع للمشاركة في العبور من الأزمة.