ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عشرين عاما مضت، بين أروقة الرئاسة والحكومة الروسية، كأعلى هرم في السلطة، ويسعى حاليا إلى البقاء في السلطة حتى عام 2036 عبر تعديل الدستور.
“بوتين” انتقل من منصب رئيس الوزراء المعين في عام 1999 إلى رئيس منتخب (2000 – 2008) ثم عودته إلى رئاسة الوزراء (2008 – 2012) ثم رئيسا من جديد (2012).
أدخل “بوتين” إصلاحات على دستور روسيا لعام 1993 في يناير الماضي، وقد تم اعتمادها بالفعل في مجلسي البرلمان في موسكو، وكان “بوتين” قد وقع مرسوما يقضي بإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة في أبريل الماضي، في جميع أنحاء البلاد، غير أن جائحة كورونا اضطرته إلى تأجيل التصويت وتحديد موعد في الأول من يونيو المقبل، بعدما وافق مجلس البرلمان والمحكمة الدستورية على التعديلات الدستورية.
التصويت على التعديلات الدستورية محاولة من “بوتين” لإسباغ الديمقراطية على التغييرات المثيرة للجدل، التي قد تمنحه البقاء في الحكم حتى عام 2036، أي حين يكون عمره 84 عامًا.
“بوتين” قال في مقابلة أجريت معه في وقت سابق من الأسبوع الجاري: “أعلم أنه في غضون عامين، وبدلاً من العمل بشكل طبيعي على جميع مستويات الدولة، ستتجه الأنظار إلى البحث عن خلفاء محتملين.. ومن المقرر إجراء التصويت الرسمي في 1 يوليو، لكن السلطات قالت إنها كانت تفتح مراكز الاقتراع قبل ذلك بأسبوع لوقف التكدس وسط انتشار فيروس كورونا”.
وسيتمكن المواطنون الروس في كل من موسكو ومنطقة نيجني نوفجورود من التصويت إلكترونيا عبر الدخول إلى التطبيق الخاص بخدمة المواطنين.. أما التصويت العام في روسيا بشأن التعديلات الدستورية من المقرر أن تنظم في 1 يوليو المقبل في كل المقاطعات الروسية.
ونشرت المحكمة الدستورية قرارها على موقعها الإلكتروني، الذي اعتبرت فيه أن مشروع التعديل متوافق مع الدستور الروسي.
تعديل الدستور وبقاء السلطة
يذكر أن الدستور مبادئ عامة تحدد الخطوط الرئيسية في البلاد، فهو عقد اجتماعي يعكس المرحلة، ونصوص ليست مقدسة، وتعديلها قد يكون أمرا واجباً في وقت ما، ولجأت غالبية الدول إلى تعديل دساتيرها أو ألغت الدستور القائم ووضعت دستورًا جديدًا بما يتناسب مع طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد.
وقبل “بوتين” اقترح العديد من الرؤساء في العالم تعديل الدستور لمد فترة رئاسية أطول، ففي عام 2006، اقترح رئيس الوزراء الجزائري آنذاك عبد العزيز بالخادم تعديل الدستور الجزائري ليسمح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لولايات غير محدودة بفترة زمنية معينة.
وعام 2012 تم تعديل الدستور السوري بحيث يسمح للرئيس بشار الأسد بالترشح لفترتين رئاسيتين مدة كل منها سبع سنوات بدءاً من إقرار التعديلات.
وحاول الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس تمديد تعديلات دستورية عام 2016 تسمح له بالترشح لرئاسة البلاد لفترة رابعة عام 2019، ورغم رفض البرلمان البوليفي للمقترح، إلا أن حزب موراليس “الحركة نحو الاشتراكية” طالب المحكمة الدستورية للبلاد بإلغاء حدود ترشيح الرئيس بالدستور وهو ما وافقت المحكمة عليه مما سمح لموراليس بخوض والفوز بانتخابات عام 2019.
في عام 2017، صوتت الأغلبية من الناخبين الأتراك على استفتاء لتعديل الدستور لتحويل النظام السياسي في البلاد من برلماني إلى رئاسي، ومنح أردوغان سلطات شبه مطلقة بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء.
وفي مارس عام 2018، أقر المؤتمر الشعبي الصيني التعديلات الدستورية المقترحة من قبل الحزب الشيوعي الحاكم والتي ألغت المادة الخاصة بتحديد ولايتين متتاليتين مدة كل منها خمس سنوات لكل من رئيس البلاد ونائبه.
تعديل الدستور الروسى
ستحد التغييرات الكبيرة من حكم الرئيس إلى فترتين مدة كل منها ست سنوات، بدلاً من فترتين متتاليتين، وإعادة ضبط التوقيت على الدستور الروسي حتى يتمكن بوتين من الاستمرار في منصبه بعد عام 2024.
وبصرف النظر عن إمكانية السماح له بقيادة روسيا حتى عام 2036 – ستمنح الإصلاحات الرئيس السلطة لترشيح كبار القضاة والمدعين العامين للحصول على موافقة مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي.
كما أنها سترسخ التدابير المحافظة في الدستور، بما في ذلك الحظر الفعال على زواج المثليين وتأكيد “إيمان روسيا بالله”، كما سيتم تكريس التغييرات الاقتصادية، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور وتعديل معاش الدولة بما يتماشى مع التضخم.
التصويت
ما يقرب من 110 ملايين ناخب من كالينينجراد على ساحل بحر البلطيق إلى كامتشاتكا في المحيط الهادئ مؤهلون للتصويت، كما يوفر المسؤولون الأقنعة ومعقمات اليد في مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد.
وقالت سارة رينسفورد، مراسلة بهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي”، في موسكو إن الإقبال سيكون كبيرًا على التصويت خاصة في موسكو العاصمة، وأكد المسؤولون أن الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر روسية في شرق أوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون سيسمح لهم بالمشاركة.
وفي العام الماضي، سهل الرئيس بوتين على السكان الحصول على جوازات سفر روسية، ويقدر المسؤولون أن 150 ألف شخص في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في لوهانسك ودونيتسك يمكنهم المشاركة.
حملة مضادة
يجادل البعض بأن بوتين يحاول التمسك بالسلطة، أو إعطاء نفسه خيارًا للبقاء إذا لم يتمكن من العثور على خليفة مناسب، وأطلق بعض السياسيين والصحفيين في موسكو حملة ضد التعديلات، لكن حظر الفيروس حظر التجمعات، واحتجزت السلطات حتى اعتصامات واحدة.
ووصف الناشط الروسي المعارض “أليكسي نافالني”، أحد رموز المعارضة الروسية، التصويت بأنه “انقلاب” و”انتهاك للدستور”، وقال وفق صحيفة ذا موسكو تايمز، إن التغييرات ستسمح لبوتين بأن يكون “رئيسا مدى الحياة” الا أن بوتين كان قد أكد إنهم سيضمنون استقرار البلاد. ورأى أن ذا التصويت يرتدي طابعا شعبويا هدفه الوحيد “إعادة عداد ولايات بوتين إلى الصفر ومنحه رئاسة مدى الحياة”.
ومن جهتها، قالت يوليا جاليامينا، إحدى مؤسسي حملة “لا”، إن المسيرات الحية على الإنترنت وحملات الهاشتاج على وسائل التواصل الاجتماعي كشفت أن عددًا كبيرًا من الأشخاص لا يدعمون التعديلات، الا انها أكدت بأنها لا تستطع التنافس مع الكرملين.
“سيناريوهات بنعم للتعديلات”
أيد كبار السياسيين في جميع أنحاء البلاد التغييرات، وأعلن مركز ليفادا المستقبل للإحصاءات، أنه رغم انخفاض نسبة تأييد بوتين بين مايو 2018 إلي مايو 2019، من 79% إلي 59%. وفضلاً عن مسألة الولايات الرئاسية، يفرض الرئيس من هذا التصويت بعض الامتيازات مثل تعيين وإقالة القضاة، وتلك القيم الهادفة إلى توحيد الروس، تشكل صلب القيم الوطنية المحافظة التي يتبناها الرئيس.
وبحسب استطلاع أخير لمركز “فتسيوم”، أعرب 71% ممن استطلعت آراؤهم عن نيتهم التصويت لصالح التعديل، لكن دراسة أخرى للمركز تبين أن 24% من المستطلعين يخشون حصول غش انتخابي و25% لا يعتقدون أن التصويت نزيه.
في مقابلة مع صحيفة موسكو تايمز، قال غريجوري ميلكونيانتس من مراقب الانتخابات في جولوس إن التصويت سيكون “الأقل شفافية” منذ سنوات.
وفقًا لمركز الاقتراع المستقل في ليفادا، قال 44٪ من الروس في أواخر مايو أنهم سيصوتون بـ “نعم” ، و 32٪ سيصوتون بـ “لا” ولكن 25٪ فقط من المستطلعين “لا” خططوا للتصويت.