لاتزال الأقليات موضع اهتمام غالبية الدول، حيث أصبحت أزمة العرقيات في العالم همًا دوليًا وإقليميًا، مما قد ينتج عنه صراعات ونزاعات تهدد سيادة الكثير من الدول، وذلك لارتباطها ببعض القضايا كالتقدم الاقتصادي والتنوع والاستقرار السياسي.

وشهدت العقود القليلة الماضية، تناميًا في الكتابات العلمية عن الأقليات العرقية، خاصة التنوع وعدم التجانس القومي سواء كان ذلك عرقيًا أم دينيًا أم لغويًا، فترى كل جماعة عرقية في أي من دول العالم، بأن جنسها هو الأرقى أو أن دينها هو الأسمى أو أن لغتها هي الأم.

دستور الأقليات في أثيوبيا

في عام 1994 اعتمدت أثيوبيا، ثاني أكبر الدول الأفريقية، دستورًا جديدًا، يعتبر واحدًا من أكثر الدساتير تقدمًا من حيث أحكام حقوق الإنسان، وبدأ التصديق التدريجي على عدة معاهدات دولية بشأن حقوق الأقليات بالفعل في عام 1991، مباشرة بعد سقوط نظام الدرج.

إلا أن نظام المراقبة التابع للأمم المتحدة، بمراجعة وثائق الأمم المتحدة الرسمية، كشف عن عدم التوافق بين الخطوات الدستورية والدولية المذكورة والوضع على الأرض، وذلك بسبب الشكل الخاص للفدرالية العرقية، والذي تم تقديمه لأول مرة بميثاق الحكومة الانتقالية لإثيوبيا وتم تطويره لاحقًا في الدستور الجديد جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية والثاني هو التناقض بين نظرية الدستورية القائمة على الحريات السياسية الأساسية، والممارسة السياسية للحزب الحاكم، القائمة على الديمقراطية الثورية، والأيديولوجية.

 

اقرأ أيضًا: 

81 قتيلًا في إثيوبيا.. دماء “فنان الثورة” تحاصر طموح “صاحب نوبل”

 

التمييز اللغوي أبرز الخلافات

يعد التمييز اللغوي، أبرز أسباب الخلافات في أثيوبيا، حيث يوجد بها نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 مجموعات لغوية رئيسية هي السامية والكوشية والأومية وجميعها من الأسرة الآفرو آسيوية، كما أن هناك مجموعة رابعة تنتمي إلى النيلية وهي جزء من أسرة النيل الصحراء اللغوية.

 

 

الأورومو

تعد الأورومو، أكبر العرقيات الموجودة في أثيوبيا، حيث تُشكل 34 بالمائة من سكان أثيوبيا البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة إلا أنهم لم يحتفظوا بالسلطة في تاريخها الحديث، وتتركز قومية الأورومو في أوروميا وهم يتحدثون اللغة الأورومية، ويعملون بالزراعة والرعي.

ولدى الأورومو، تقويمهم الخاص المبني على ملاحظات فلكية، أما التراتبية الخاصة بنظامهم الاجتماعي، المعروف باسم “جادا”، فتعطي أهمية كبيرة لعامل السن، فعلى رأس الهرم يوجد الأكبر سنا الذين يُنظر إليهم باعتبارهم الأكثر حكمة ولذلك تتم استشارتهم في أوقات الحروب والزواج.

واندلعت احتجاجات الأورومو، في عام 2015 بسبب نزاع بينهم وبين الحكومة حول ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف منهم.

وفقًا للمحللة السياسية مارينا أوتواي، في تصريحات صحفية، كانت جبهة تحرير أورومو “تمزق الفصائل، وقيادة ضعيفة، وغير قادرة بشكل مزمن على تحديد ما إذا كان هدفها النهائي هو أوروميا مستقلة أو إثيوبيا فيدرالية، وكانوا مشاركًا غير فعال في الحرب ضد منغيستو.

وبعد هزيمة نظام منغيستو في عام 1991، انضمت جبهة تحرير أورومو إلى الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية في حكومة انتقالية من شأنها أن تضع الأساس للانتخابات والانتقال إلى الديمقراطية.

وقبيل الانتخابات في منتصف عام 1992، انسحبت جبهة تحرير أورومو والأحزاب الأخرى بعد نزاعات حول معسكرات العسكريين ومزاعم بمضايقة أعضاء الحزب.

واعتادت عرقية الأورومو، الشكوى من الاضطهاد الحكومي ضدها لعقود، وقادت احتجاجات مناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات حتى إسقاطها.

وكانت مظاهرات اندلعت عام 2016 لزيادة الضغط على الحكومة، فلجأ الائتلاف الحاكم في نهاية المطاف إلى تعيين أبي أحمد رئيسًا للوزراء عام 2018 بدلًا من هايلي مريام ديسالين.

وأشعل مقتل المغني هاشالو هونديسا، المللقب بفنان الثورة، احتجاجات دامية في عدة مدن هزت العاصمة أديس أبابا، نتج عنها ثلاثة إنفجارات، ووقوع عشرات القتلى والجرحى، واعتقال جوهر محمد زعيم المعارضة الأورومية.

 

 

الأمهرة

ثاني الأقليات في أثيوبيا، ويتحدثون اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية في أثيوبيا، ويشكلون نحو 27 بالمئة من عدد السكان، ويعتنق أغلبهم الدين المسيحي.

وكانوا الحكام التقليديين، في عهد الملكية الإثيوبية التي انتهت بإسقاط الإمبراطور هيلا سيلاسي المدعوم من الاتحاد السوفيتي عام 1974، وبحسب المعتقد التقليدي فإن أصول الأمهرة ترجع إلى سام الابن الأكبر لنوح الذي وردت قصته في العهد القديم.

وتعرف أقليات أمهرة بأنهم مهمشون سياسيًا بشكل متزايد، وتنحدر أمهاراس من المرتفعات الشمالية والوسطى، ويستخدمون الأمثال والأساطير لتلقين التعاليم الأخلاقية للأطفال، ويشتهرون بالمأكولات المليئة البهارات مثل الفلفل الحار والزنجبيل والثوم، وهم من أكثر الناس استهلاكا للقهوة.

 

 

قومية التيجراي

ثالث أقلية في أثيوبيا، وتقع في أقصى شمال مناطق أثيوبيا التسع، ويمثل عدد سكانها 6 بالمائة فقط من السكان، ويعتنق أغلبهم الدين المسيحي.

إلا أنهم يسيطرون على السياسة وقوات الأمن منذ أن أطاح متمردو تيجريان بقيادة ميليس زيناوي الزعيم العسكري الماركسي منغستو هايلي مريم في عام 1991.

ويولع التيجراي، بالشعر والألغاز وقصص التسلية، ومن أبرز العادات تسمية الطفل، فالتمسية بمثابة آلية جعل الطفل عضوًا في مجتمع التيجرياني، والطفل الذي يموت قبل تسميته لا تقام له جنازة.

نزاع تيجراي

وبحسب تقرير لوكالة “رويترز”، يخطط حزب أثيوبيا الرئيسي لإجراء انتخابات رئاسية مما يضعها في مسار تصادمي مع الحكومة الفيدرالية ويختبر الوحدة الهشة للبلاد.

وأجلت أثيوبيا، في مارس، الانتخابات البرلمانية والإقليمية المقرر إجراؤها في أغسطس بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، ولم تُحدد موعد جديد بعد.

وانشقت جبهة تحرير شعب تيجراي، والحزب الحاكم في المنطقة، بشكل حاد عن تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية واندمجت أحزابها الثلاثة الأخرى لتشكيل حزب الازدهار الجديد.

وهيمنت التيجراي، على الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي التي استولت على السلطة في عام 1991، وأبقت على احتقان التوترات لعقود من خلال قمع كل المعارضة، بما في ذلك تعبيرات القومية العرقية.

وعندما تولى رئيس الوزراء أبي أحمد، السلطة عام 2018، بدأ في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات التي سمحت بقدر أكبر من الحريات في واحدة من أكثر الدول القمعية في أفريقيا.

لكن الإصلاحات جعلت من الممكن إظهار المظالم التي طال أمدها ضد عقود الحكومة القاسية إلى السطح، وشجعت وسطاء السلطة الإقليميين مثل الذين يسعون إلى الحصول على مزيد من السلطة لمجموعاتهم العرقية.

وقال جوهر محمد، ناشط بارز من جماعة أورومو العرقية، إن نزاع تيجراي قد يزعزع استقرار القرن الأفريقي.

وقال ويليام دافيسون ، كبير المحللين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية في إثيوبيا، إن قرار الجبهة الشعبية المضي قدمًا في الانتخابات قبل بقية البلاد يمكن أن يكون متفجرًا سياسيًا نظرًا لعدم الوضوح القانوني.

وأضاف في تصريحات صحيفة لوكالة “رويترز”، إنها تهدد بتعميق الأزمة السياسية الإثيوبية حيث أن قانونية المناطق التي تجري انتخابات دون إذن اتحادي غير واضحة ومتنازع عليها.

 

اقرأ أيضًا: 

احتجاجات أثيوبيا وسد النهضة.. لُعبة سياسية أم نقطة ضعف؟

 

الصوماليون

  يحتل الصوماليون، المنطقة الصومالية الجافة والقاحلة، والمعروفة أيضًا باسم أوغادين، الثلث الشرقي من البلاد وتضم 6 ملايين نسمة، ويعتنق أغلبهم الدين الإسلامي.

 وللصومال تاريخ من التمرد الانفصالي ضد أديس أبابا، يغذيه إلى حد كبير الاستياء على مستوى التنمية المنخفض، حيث اعتبرت قيادتها الأخيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهيلي مريم وميليس زيناوي قبله. 

وتنقسم القومية الصومالية، إلى عشائر، وتعد العشيرة جزءً مهمًا من ثقافتهم، والإسلام هو الدين المهيمن بينهم، وفي الثقافة الصومالية فإن اليد اليمنى هي النظيفة، أما اليسرى فيُنظر إليها على أنها محرمة.

ويعاني الصوماليون في أثيوبيا، من العنصرية، حيث قامت الحكومة الأثيوبية بمحو الصوماليون من الخريطة وفي عام 2019، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية إنها غير متأكدة من كيفية تسلل الخريطة على الموقع الإلكتروني.

وبحسب تقرير هيئة الاذاعة البريطانية، فقد تم محو الصومال تمامًا من الخريطة، ولكن تم عرض أرض الصومال المعلنة ذاتيًا، والتي لم يتم الاعتراف بها دوليًا.

لكن العلاقات بين البلدين تحسنت منذ وصول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى السلطة العام الماضي في سعيه لنزع فتيل التوترات في المنطقة.