“منفعة عامة“. هو القرار الذي بموجبه تنزع السلطات به ملكية السكان. وهؤلاء بدورهم يصبحون مضطرين إلى البحث عن حلم الإنسان الأول بالعثور على كهف يستره.
لقد صدرت قرارات متعاقبة مؤخرا توزعت بين مناطق عدة لنزع الملكية عن سكانها لصالح “المنفعة العامة” عبر مشروعات البنية التحتية التي تقوم بها الدولة.
هذه القرارات ذات “المنفعة العامة” لم يستطع تصدير الاعتراض أن يكون حائط صد لها. لذلك لجأ سكان أهالي ”ألماظة” في مصر الجديدة لاتخاذ مسار القضاء لوقف قرار إزالة منازلهم بناء على المنفعة العامة. وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا من باب فقه الأولويات: حق السكن أم المنفعة العامة؟
دعوى سكان ألماظة ضد إزالة منازلهم بالمنفعة العامة
تخبط كبير عاشه سكان ألماظة 6 أشهر بعدما أخطرهم مسؤولون بمحافظة القاهرة بقرار إزالة الصف الأول من عمارات شارع “حسين كامل” وطريق السويس. وذلك لعمل توسعة 20 مترا لطريق السويس لضمان السيولة المرورية. فيما تم حصر الوحدات السكنية الموجودة في الشارع لتحديد ما سيتم إزالته.
لجأ السكان لرفع دعوى اعتراضا على قرار أعمال تطوير توسعة شارع “حسين كامل” -المقابل لمطار النزهة- فيما لجأ غيرهم إلى حلول أخرى لوقف الأعمال التي ستطيح بمنازلهم.
بعض أهالي ألماظة طعنوا في دعواهم على المادة الثانية من قرار رئيس الوزراء رقم 3025 لسنة 2021. والتي تتيح الاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي والعقارات الواقعة في نطاق توسعة شارع “حسين كامل” تمهيداً لنزع ملكيتها.
وتنظر الدائرة الثالثة قضاء إداري القاهرة دعوى سكان ألماظة على القرار. ويطالبون بدلاً من إزالة 39 عمارة بترحيل سور مطار ألماظة بقدر المساحة اللازمة لتوسعة الشارع.
مدير المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان أشار إلى أحقية الأهالي في الاعتراض بالطرق القانونية. والتي حددت اعتراضهم خلال 3 أشهر من تاريخ نشر القرار بالجريدة الرسمية والذي يبدأ من الجهة المحلية. وصولاً إلى القضاء خلال شهرين بعد عدم أخذ الاعتراض الأول بعين الاعتبار.
الحلول البديلة.. الحكومة تطرح “جاردينيا” والأهالي: سور المطار أولى بالمنفعة العامة
سكان ألماظة أكدوا أنهم لا يعارضون أعمال التطوير. ولكن يطالبون بـ”البديل المتاح” الذي يوازن بين مصالح السكان ومصالح الدولة. قالوا إن ترحيل سور المطار يسمح بالتوسعة اللازمة مع نقل المحال التجارية والكافيهات الموجودة بالسور إلى مكان آخر. وذلك لحمايتهم من فقدان منازل اشتروها بعقود منذ عشرات السنين.
كان نائب محافظ القاهرة قدم بعض الحلول السكنية للأهالي، وكذلك لأصحاب المحال التجارية. منها توفير وحدات سكنية في “جاردينيا“، على مساحة 120 مترًا، بمهل سداد على 15 سنة، وسعر 9000 جنيه للمتر. قال نائب المحافظ حينها: “نضع أنفسنا مكان الساكن، ولا نرضي بأي ظلم لأحد، وهناك أطروحات وحلول كثيرة، وأصحاب المحلات ممكن إعطائهم محال أسفل الكباري”.
لكن الأهالي في دعواهم أشاروا إلى أن التعويضات المقترحة من الدولة وتقدر بـ8 آلاف جنيه للمتر غير كافية. خاصة بالنظر إلى سعر المتر المربع في المنطقة، والذي يتجاوز 35 ألف جنيه.
علي عبد العظيم -أحد سكان ألماظة- قال إنه تم تقديم شكوى في الرقابة الإدارية وتمت متابعتها حتى حٌفظت. كما تم تقديم شكوى في مجلس الوزراء وتم تحويلها لمسؤولي الحي لإعلان رفض الإزالة. إلا أن مسؤولي المحافظة شرعوا في إزالة مسجد ومدرسة الشهيد “حجاج مناع”. كما أبلغ مسؤولو الحي السكان بإزالة الوحدات السكنية الواقعة على الصف المقابل لطريق السويس قريبا.
وقال أحمد حمودة -أحد سكان ألماظة المتضررين- إنه جرى حوار متقطع بين عدد من الأهالي مع نائب المحافظ ورئيس الحي أكثر مرة. وأوضح أنه تم عرض الحل البديل بإزالة سور مطار ألماظة. والذي به مجموعة كافيهات وملاعب كرة. مشيرا إلى أن هذا السور تم تقديمه ليقتطع من عرض الشارع أكثر من مرة. وقال: المسؤولون تجاهلوا الرد على مقترحنا.
وتفاجأ الأهالي -حسب حمودة”- بعدم علم المسؤولين عن تنفيذ الإزالة بوجود ملاك لوحدات سكنية لهم حصص في الأرض. وذلك بعدما اشتروا. ورد المسؤولون بالحي: “روحوا خدوا حصصكم من الشركة اللي باعت لكم”. اشترى الأهالي من شركة “مصر الجديدة للإسكان والتعمير”. وهي إحدى شركات القطاع العام آنذاك.
الرئيس يشدد على ضرورة تقديم تعويضات جيدة
وينص قانون المنفعة العامة بعد تعديله على “أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه مرفقًا به مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه. موضحًا بها قيمة التعويض المبدئي والذي يجب إيداعها بحساب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية. وذلك خلال شهر من صدور قرار المنفعة العامة ورسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازمة له”.
“يعتبر من أعمال المنفعة العامة مشروع توسعة وتطوير شارع حسين كامل سليم بحي مصر الجديدة”. هذا قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3025 لسنة 2021 الصادر في 10 نوفمبر الماضي والمنشور في الجريدة الرسمية. والذي تضمن مذكرة إيضاحية تضمنت أن حي مصر الجديدة قام بحصر للعقارات المقرر إزالتها والتي تتعارض مع مشروع التوسعة والتطوير بالشارع.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أشار في أكثر من محفل إلى ضرورة تقديم تعويضات جيدة للمواطنين الذين سيتم إخلاء وهدم منازلهم.
السكن الملائم
يتم النظر إلى السكن بشكل متزايد على أنه سلعة. ولكنه في الواقع وقبل كل شيء حق من حقوق الإنسان بحسب الأمم المتحدة. وبموجب القانون الدولي، فإن الحصول على سكن لائق يعني ضمان الحيازة بمنأى عن الخوف من الإخلاء أو الحرمان من المنزل أو الأرض. كما يقصد بذلك العيش في مكان يتوافق مع ثقافة الفرد ويمكنه من الوصول إلى ما هو ملائم من خدمات ومدارس وعمل.
وأوضح شريف الهلالي -مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان- أن الحق في السكن هو حق اقتصادي في المواثيق الدولية والدستور المصري. فيما أضاف: “تكمن المشكلة الحقيقية في قرارات نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة المنصوص عليها في القانون. والتي يمكن أن تكون بقرار من السلطة الإدارية والحق في إقامة دعوى قضائية من المواطنين ضدها”.
وأشار “الهلالي” إلى أنه أحيانا ما تقوم الدولة بإجراءات نزع الملكية دون انتظار الدعاوى القضائية. فالقانون يذكر أن الدعاوى العينية والمرفوعة بخصوص القرار لا توقف الإجراء. ويرى “الهلالي” أن ذلك “تعسفً ويناقض المعايير الدولية في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة الحق في السكن”.
ويلزم الدستور بصون الملكية الخاصة ويشترط لنزعها في حالة المنفعة العامة دفع الدولة للمضار تعويضا عادلاً. وهو ما فسره قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة الصادر في سبتمبر 2020 في تحديد رئيس الجمهورية القرارات التي تستهدف المنفعة العامة وتحديد لجنة بكل محافظة لتقدير قيمة التعويض طبقا للأسعار السائدة وقت صدور القرار.
وقال إن أغلب الأهالي لا تعترض على قرارات الإزالة نظرا لما يتعرضون له من مضايقات ومحاولات ضغط لعدم حصولهم على تعويض عادل.
وطبقا للمعاهدات الدولية بشأن السكن الملائم تأتي عمليات نقل الأهالي من مناطق اعتادوا العيش بها إلى مناطق أخرى تفتقر للعمار بجانب عدم توفير تعويضات ملائمة مخالفة لقوانين الحق في السكن.