مع انطلاق مهرجان “ميدل بيست ساوندستورم” في السعودية تعالت الأصوات الحقوقية. للتذكير بالملف الحقوقي للرياض الذي لا يزال يشوبه الكثير من الانتهاكات. بالرغم من ما تبديه السعودية من انفتاح، يعتبره البعض محاولات لتبييض صفحتها أمام العالم.
وانطلق مهرجان الموسيقي “ميدل بيست ساوند ستورم” الذي يستمر على مدار أربعة أيام. ويتوجه إلى الرياض للمشاركة في فاعليات المهرجان نجوم الموسيقى المحليين والعالميين.
وبهذه المناسبة قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: “يتعيّن على نجوم الموسيقى العالميين المشاركين بعروض ضمن المهرجان القادم في السعودية إما الحديث عن حقوق الإنسان أو عدم المشاركة”.
وتابعت المنظمة الحقوقية الدولية “يتعين أيضا على من سيقدمون عروضهم في الحدث الذي ترعاه الحكومة السعودية. وكذلك المؤثرون “الإنفلوينسرز” الذين يروّجون له، النأي بأنفسهم عن محاولات البلاد تلميع سجلها الحقوقي المروع”.
كما دعت المنظمة وفي إطار “رؤية 2030” للحكومة السعودية، “مدل بيست”. الذي يستضيف النسخة الثالثة من مهرجان الموسيقى الراقصة الرائد حوالي 200 من أفضل منسقي الأغاني “دي جي”. وفناني الأداء من جميع أنحاء العالم لتقديم عروض، بما في ذلك ديفيد غيتا وأليسو ودي جي سنايك. إلى ما يحدث من انتهاكات في الدولة الراعية للمهرجان.
ووفقا للمنظمة استعان “ميدل بيست” منذ إطلاقه في 2019 بالإنفلونسرز والمشاهير في صناعة الموسيقى لتلميع صورة البلاد بحسب تقارير حقوقية وإعلامية. كما عُرض على عشرات المشاهير والموسيقيين وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي قبيل مهرجان 2019 مبالغ تقدر بمئات الآلاف. كي يتحدثوا عن تجربتهم في المهرجان عبر الإنترنت مع توجيهات خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي من شركات العلاقات العامة التي ترعاها الدولة.
وفي المقابل رفض بعض المشاهير، مثل إميلي راتاجكوفسكي، هذه الفرصة. مشيرين إلى مخاوف حقوقية، ولفتت المنظمة إلى أن استراتيجية الترويج للمهرجان لهذا العام بدت مشابهة.
السعودية..صفحة يشوبها الانتهاكات
تقول المنظمة “بينما يضاعف (صندوق الاستثمارات العامة) السعودي، الذي يرأسه ولي العهد المسيء محمد بن سلمان. هذه الجهود لتنظيم فعاليات أكبر وأفضل في البلاد، كثفت الحكومة من قمعها للمعارضة السلمية. حيث ما يزال عشرات النشطاء والحقوقيين السعوديين مسجونين ظلما، وتعرّض بعضهم لتعذيب مروّع”.
كما وجدت المنظمة أن الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة لا ترقى، رغم أهميتها. إلى مستوى امتثال السعودية للمعايير الدولية الحقوقية أو أنها تقدم حريات سطحية فقط.
وختمت بيانها بالقول “ينبغي للفنانين والمروجين في مهرجان ميدل بيست ساوندستورم. استخدام الميكروفونات والمسارح والمقابلات للتحدث علنا عن الانتهاكات الحقوقية في السعودية. أو رفض المشاركة في أحد المخططات السعودية الأخرى لتلميع صورتها”.
وسبق للمنظمة وأن اتهمت الحكومة السعودية بتنظيم أول سباق للجائزة الكبرى للفورمولا 1 في المملكة والحفلات الموسيقية. والفعاليات المصاحبة لها بين 3 و5 ديسمبر عام 2021 لصرف الانتباه عن انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان.
ودعت المشاركين بالفاعلية للوفاء بالتزاماتهم الحقوقية وتجنب المساهمة في “غسل” سمعة الحكومة السعودية. وحثتهم على استغلال هذه المناسبة لدعوة السلطات السعودية علنا إلى إطلاق سراح المعارضين السعوديين ونشطاء حقوق الإنسان المحتجزين ظلما. بمن فيهم المحتجزات والمحتجزون أو أولئك الخاضعون لقيود بسبب الدعوة إلى الحق في القيادة. أو رفض المشاركة في فعاليات الفورمولا 1.
وفي 29 نوفمبر، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى مجلس إدارة فورمولا 1 ستيفانو دومينيكالي. والرئيس التنفيذي تشيس كاري، ورئيس “الاتحاد الدولي للسيارات” جان تود لطلب اجتماع حول الأزمة الحقوقية في السعودية.
كما حظى مهرجان البحر الأحمر للسينما بالانتقادات ذاتها إذ تعددت دعوات المقاطعة من قبل بعض النقاد. الذين حذروا من أن “بريق الأعمال الاستعراضية، من قبل السلطات السعودية، يصرف الانتباه الدولي عن انتهاكات الحقوق داخل المملكة وخارجها”.
وبحسب منظمة العفو الدولية احتجزت السلطات تعسفيا المدافعين عن حقوق الإنسان. وأفراد أسر نشطاء حقوق النساء، وقاضتهم وزجّت بهم في السجون بسبب أنشطتهم السلمية وعملهم في مجال حقوق الإنسان. بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية.
رائف بدوي نموذجا
بحلول نهاية العام الماضي، كان جميع المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان تقريبًا رهن الاعتقال بدون تهمة. أو كانوا قيد المحاكمة أو يقضون أحكاماً بالسجن.
ووفقا للمنظمة النشطة حقوقيا واصلت المحاكمات البالغة الجور أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. وهي محكمة لمكافحة الإرهاب سيئة الصيت بسبب مخالفاتها للإجراءات القانونية الواجبة. بما في ذلك إجراؤها محاكمات جماعية
ومن جملة الذين تواصلت محاكمتهم أو أُدينوا عقب هذه المحاكمات. مدافعة عن حقوق الإنسان، ورجال دين، ونشطاء اتُهموا بارتكاب جرائم من ضمنها جرائم يُعاقب عليها بالإعدام ناشئة من تعبيرهم السلمي عن آرائهم.
وبالتزامن مع ذلك يدخل المدون والناشط الحقوقي رائف بدوي عامه العاشر داخل السجون السعودية. الذي تميزت تدويناته بانتقاد أوضاع حقوق الإنسان في بلاده، وخاصة ضد هيئة الأمر بالمعروف. فحكم عليه بالسجن لعشر سنوات وألف جلدة إضافة لدفع غرامة مالية كبيرة وإغلاق موقع الشبكة الليبرالية السعودية الحرة.
وقد تلقى رائف خمسين جلدة علنية مما أثار الرأي العام العالمي، وتم إلغاء العقوبة. وعانى في معتقله ظروفا صحية غير إنسانية بحسب العديد من التقارير كما أضرب عن الطعام لفترة احتجاجا على الانتهاكات ضده. ولم تبادر الرياض إلى تخفيف العقوبة رغم تغييرها لبعض القوانين التي كان يدعوا لها رائف وزملاؤه من المدافعين عن حقوق الانسان.
وفي يناير الماضي منح رئيس بلدية مونتريال المدون السعودي المعتقل في المملكة العربية السعودية رائف بدوي “مواطن شرف” كنديا. وذلك بعد أن أقرّ البرلمان الكندي بالإجماع 27 ديسمبر/ كانون الأول مذكرة تطالب حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو بمنح الجنسية الكندية إلى رائف بدوي.
السعودية..التعذيب والافلات من العقاب
وكانت منظمة القسط لحقوق الإنسان قد نشرت تقريرها المعنون بـ “التعذيب في المملكة العربية السعودية وثقافة الإفلات من العقاب”. الذي قالت فيه “إن التعذيب في المملكة العربية السعودية يتم بشكل ممنهج، سواء لانتزاع الاعترافات أثناء الاستجواب أو كشكل من أشكال العقاب أثناء الاحتجاز”.
وعلى الرغم من إفادة المحتجزين بأنهم أبلغوا المحاكم عن التعذيب الذي تعرضوا له. إلا أنه لم يجر فعلياً أي تحقيق في مثل هذه الادعاءات، ويتم قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة ضد المتهمين بشكل منتظم.
ولفتت المنظمة إلى أن غياب الضمانات القانونية لمنع التعذيب يخلق بيئة مواتية لممارسته. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي تشريعات مثل نظام مكافحة الإرهاب على أحكام تسهل من ممارسة التعذيب إن لم تكن تحث عليه بقوة.
ومنذ أيام أعلنت المنظمة، أن التحقيق في قضية قتل الإصلاحي السعودي موسى القرني لم يتم إنجازُه حتى الآن. ولا توجد أيّة نتائج.
و كان القرني قد قُتل في سجن ذهبان بتاريخ 12 أكتوبر 2021 بعد تعرضه للضرب على الوجه والرأس. ما تسبب في تهشم الجمجمة وتشوّه الوجه؛ ما أدى إلى وفاته.
كما علمت القسط أن كافة الأدلة تكشف حقيقة مرور أكثر من 9 ساعات على حدوث الجريمة. دون أن تتدخل إدارة السجن أو أن تقوم بإبلاغ النيابة العامة، بالرغم من أنّ القاتل كان قد أبلغ إدارة السجن أو المناوب على الحراسة. بوجود جثة في الزنزانة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، إلا أن التجاوبَ حدث في الساعة الحادية عشرة صباحًا.
وموسى القرني ناشط ليبرالي اعتقل في فبراير2007 مع مجموعة من الإصلاحيين. فيما عُرف حينها بقضية إصلاحيي جدة وحُكم عليه في عام 2011 بالسجن 20 سنةً.
ومنذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لسدة الحكم تصاعدت حدة الانتقادات للملف الحقوقي في وقت يزعم فيه رؤية جديدة للاصلاح الشامل بالمملكة. وشملت الإصلاحات الاجتماعية في السعودية السماح للنساء بقيادة السيارات. وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، فيما وضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء. وتقلصت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن هذه التغيرات ترافقت كذلك مع حملة قمع للمنتقدين والصحفيين والمعارضين.