قد يندهش البعض من العودة القوية للدوريات الأوروبية عقب التوقف الطويل بسبب فيروس كورونا، ما أدى لتوقف النشاط الرياضي في أغلب البلدان، ولكن مع عودة الدوريات الأوروبية الكبرى تدريجيًا للدوران ثانية، لم يجد المشاهد فرقًا كبيرًا في المستوى البدني والفني للفرق عن ذي قبل.
ولكن المدهش هو عدم التأثر الكبير بفترة التوقف الطويلة تلك، ما يعطي انعكاسًا لكيفية عمل هؤلاء بشكل مثالي في الإعداد البدني والفني للاعبين، وهو على العكس تمامًا للوضع في الدوري المصري، الذي يدخل اللاعبون فيه في “فورمة” اللعب الفنية والبدنية عقب مرور من 6 إلى 9 أسابيع من انطلاق المسابقة في الأوضاع الطبيعية.
وتظل الأجهزة الفنية وكذلك نجوم الكرة السابقين والمحللين، يبررون ذلك بأنها “بداية موسم”، ومازالت “الفورمة” لم تكتسب بعد للاعبين أو “حساسية المباريات” مازالت مفتقدة، تلك المصطلحات لطالما قيلت ولطالما تأثر بها الجميع، من جماهير للاعبين لأغلب المدربين في الدوري نفسه، وباتت “شماعات جاهزة” للرد على أي انتقادات بالتقصير أو مواراة للضعف في الإعداد البدني المناسب واتباعهم لأنظمة تدريبية فقيرة “عفا عليها الزمن” كما يقول المصريون.
ومع الاعتراف بالفوارق الرهيبة والسنوات الضوئية بين تلك الدوريات العملاقة عالميًا، وبين الدوري المصري محدود الإمكانيات والموارد، إلا أنه حتى على مستوى الدوريات العربية المحيطة بنا، والتي كانت في وقت سابق أقل منا كثيرًا من كل الجوانب، أصبح الفارق كبير جدًا، حيث نجحوا في التطوير بشكل متسارع في الجوانب الفنية والبدنية من خلال الاستعانة بكوادر أجنبية متخصصة في تلك المجالات.
ولكن يبقى الدوري المصري هو الوحيد في المنطقة الذي يلعب “على قديمه” مثلما يقال، من كل الجوانب الفنية والخططية والبدنية، فلماذا ذلك؟ ولماذا عاد اللاعبون في أوروبا بكامل اللياقة البدنية ومستوى فني عالٍ، نوضح ذلك في النقاط الآتية.
أساليب مختلفة
في المستوى العالي بتلك الدوريات الكبيرة، استعانوا بكل شيء من أجل تطوير الجوانب البدنية والفنية، حتى وصل الأمر للاستعانة بخبراء فيزياء وكيمياء في الجهاز الفني لفريق ليفربول بطل أوروبا ومتصدر الدوري الإنجليزي الممتاز، بالإضافة لخطط أحمال وأخصائيين على أعلى مستوى في هذا المجال.
اقرأ أيضًا:
مع دراية كاملة من المدرب وجهازه بهذا الجانب وتنسيقه مع عمله الفني والخططي ليخرج كل شيء في اتساق مذهل يظهر الفريق بهذا الشكل المثالي في الملعب سواء كان بعد توقف أو في بداية مسابقة.
عقلية الاحتراف
الفارق الأهم هو نوعية اللاعبين ومدى احترافيتهم لكرة القدم ولا شيء سواها، مع عقلية متميزة في إرضاخ كل شيء لصالح جسده ومستواه البدني حتى لو كان في حجر منزلي لفترة طويلة.
ولذلك نرى هؤلاء اللاعبين دائمًا في أفضل مستوياتهم وإن تراجعوا في مباراة عن مستواهم المعهود أو صادفهم سوء حظ مع الشباك، تجدهم يعودون ثانية لسابق تألقهم لأن هناك نظام واحد وعقلية احترافية واحدة لا تتأثر بأي عراقيل تواجههم.
استغلال التوقف
لاحظنا جميعًا في أكثر فترات الحجر الصحي والمنزلي لنجوم العالم في كرة القدم، أن أغلبهم يمارس تدريبات بدنية متواصلة للحفاظ على وزنه ومستواه البدني، بل وتابع بعض المدربين كل لاعبيه بتقنية الفيديو، حتى لا يتراجع أحد أو يحيد عن الخط المرسوم له من قبل.
الأمر الذي يجعلهم حتى في إجازتهم ملتزمين تمامًا أو بنسبة كبيرة، بمستواهم البدني ويسخرون الإجازة لصالح عقلهم للانفصال عن الكرة ليعودوا بشغف جديد وشوق للعبتهم المفضلة، ولكن مع الحفاظ التام على جسدهم وصحتهم ولياقتهم البدنية المناسبة.
وسائل قديمة
العكس تمامًا عن كل ما سبق تجد الدوري المصري، بعيد كل البعد عن الحداثة الكروية، فلا يوجد مدرب يدرس بالخارج ويحصل على دورات تدريبية متقدمة وكذلك أي مدرب أحمال أو أخصائي تأهيل، فالكل يعمل على “قديمه” بطرق وأساليب نمطية قديمة لم يعد ي}خذ بها في العالم، وهو ما نلمسه جيدًا عندما نشارك في بطولة عالمية مثل كأس العالم ونجد الفوارق الكبيرة في الميدان مع الفرق المتقدمة.
الوقوف عند نقطة معينة في عالم التدريب والتأهيل البدني، يجعل الفرق المصرية في حالة جمود لمدة زمنية تفوق العقدين بنفس الشكل والنمط التدريبي العقيم، ولذلك تجد مدربًا واحدًا يقود أكثر من فريقين أو ثلاثة في موسم واحد، نتيجة الفقر التام في إنتاج مدربين جدد بأفكار جديدة أو حتى ثورية، ولو ظهر ذلك اعتباطًا يحاربه الجميع حتى يشعر باليأس، ونظل في مربع صفر.
فوضى اللاعبين
على عكس كل نجوم العالم المتقدم والمتأخر كذلك، نجد العجب في لاعبي الدوري المصري، عقلية مشتتة، لا يعرفون أبدًا الحفاظ على مستواهم الفني والبدني، فتجد أغلب اللاعبين بعد الإجازة أو مع انطلاق الموسم بدناء “بوزن زائد” وضعيفي اللياقة، فلذلك اضطر لانتظار 5 مباريات أو أكثر لحين دخولهم فورمة اللعب المناسبة، وهو ما يفسر المقولة الأسطورية الدائمة للجميع “لهم العذر فمازلنا في بداية الموسم”.
فأصبح الأمر السلبي هو المعتاد والدائم كل موسم أو كل توقف، بل تجد الأعذار والمبررات لهذا الأمر السيء بدلًا من انتقاده والعمل على إنهائه بشكل أو بآخر، عقلية ونوعية اللاعبين في الدوري المصري والفوضى العارمة في حياتهم تمامًا أحد أهم الأسباب الحقيقة لتراجع الكرة في مصر طوال الوقت.
حالات نادرة
بلا شك ستجد حالات نادرة في فترات متقطعة، مثلاً جيل ملتزم وصاحب إمكانات وعقلية رائعة، مثل جيل المنتخب في 2006 حتى 2010، ما أدى لنجاحات كبيرة على المستوى المحلي والقاري، فعمل مانويل جوزيه مدرب الأهلي التاريخي بنظام احترافي فنيًا وبدنيًا وبمتخصصين في المجال، فصنع فريقًا قويًا قادر على منافسة الفرق العالمية، وهو ما انعكس على منتخب مصر مع المعلم حسن شحاتة الذي أكمل وأضاف على عمل المدرب البرتغالي وصنع تاريخًا مذهلًا للفراعنة في تلك الحقبة.
اقرأ أيضًا:
كذلك الفترة الأخيرة قبل توقف الدوري للأهلي مع المدرب السويسري رينيه فايلر صاحب الفكر الأوروبي المتقدم، مع جهاز متخصص في الأحمال والتأهيل البدني والفني برفقته، جعل الأهلي في مستوى بعيد وكشف عورات وضعف أغلب فرق الدوري حيث لم يصمد أمامه أحد وفاز في 16 مباراة متتالية قبل أن يتعادل بفريق من البدلاء في مباراته الأخيرة، ووصل لنصف نهائي دوري أبطال أفريقيا وبأداء مقنع ونتائج رائعة لكل الجماهير الحمراء.
كذلك الفرنسي باتريس كارتيرون في آخر فترة قبل التوقف عاد بالزمالك بدنيًا وفنيًا لمستوى جيد إلى حد كبير، وصعد كذلك لنصف نهائي بطولة الأبطال الأفريقية، فكيف سيكون الحال مع عودة النشاط، هذا هو السؤال الأهم، وهل سيكون هناك متغيرات أم ستبقى الحالة المعتادة للكرة المصرية وأنديتها على شاكلتها السابقة باستثناء القطبين؟ سنرى ذلك قريبًا.