تتجاوز مخاطر متحور كورونا الجديد على الاقتصاد الدولي أضراره الصحية. وتوقعات المنظمات الدولية بعدم القدرة على مواجهة تفشيه والتشكك في فعالية اللقاحات دارجة الاستخدام، فاستمرار الوباء واحد من سلسلة تهديدات تواجه العالم في 2022.
تأتي الموجة الجديدة الخامسة لكورونا وسط محاولات إفاقة للاقتصاد العالمي الذي خسر منذ أواخر 2019، نحو 13 تريليون دولار تقريبًا. وهو رقم ضخم لم يصل إليه، حتى في الأزمة المالية العالمية عاد شبح الإغلاق الاقتصادي مجدداً للدول الأوروبية. في مقدمتها هولندا التي بدأت إغلاقاً كليّاً جديداً اعتباراً من صباح الأحد الماضي، في محاولة للحد من الموجة الخامسة التي جاءت مع متحور أوميكرون.
قررت أيرلندا إغلاق الحانات والمطاعم من الساعة الثامنة مساء ً حتى نهاية يناير. وأغلقت الدنمارك لمدة شهر المسارح ودور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية والمتنزهات الترفيهية والمتاحف. وفرضت البرتغال وإيطاليا واليونان على المسافرين الأوروبيين حتى الملقحين منهم إبراز فحص تشخيص سلبي لكورونا لدى وصولهم.
تلقى الانتعاش البريطاني الضعيف بالفعل ضربة جديدة بوصول متغير “أوميكرون” في وقت كان الاقتصاد فيه بأضعف حالاته. منذ أن كانت البلاد في حالة إغلاق كامل الشتاء الماضي. تواجه الحكومة حاليًا، ضغوطاً لتقديم المساعدة للقطاعات التي تضررت بشدة من الوباء خاصة قطاع الخدمات. مع ارتفاع التضخم في البلاد لأعلى مستوى في 10 سنوات.
اقتصاد أكثر مرونة
بحسب المكتب الوطني للإحصاء بالمملكة المتحدة، فإن التداعيات وصلت المستهلك مع انخفاض استخدام بطاقات الائتمان والخصم. كما تقلصت الحركة في الشوارع الرئيسية التجارية بصورة ملحوظة.
ووصل عدد من يتناولون في المطاعم البريطانية لأدنى مستوى منذ تخفيض قيود الإغلاق في مايو الماضي. كما عبرت 7% من الشركات عن انخفاض ثقتها في إمكانية أن تظل أبوابها مفتوحة في الأشهر الثلاثة المقبلة، مقابل 4% في أكتوبر الماضي.
تقول كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إن أوميكرون خلق حالة من عدم اليقين في مواجهة التعافي القوي. مطالبة دول الاتحاد بتبني اقتصاد أكثر مرونة في مواجهة الموجة الخامسة.
في فرنسا، تم إلغاء “لونا بارك” ، وهو معرض ترفيهي سنوي لمدة شهر واحد يقام في مدينة نيس الجنوبية. من أجل تحويل المكان إلى مركز تطعيم طارئ، ما وضع مالكه في أزمة لإنقاذ شركتة من خسائر تصل إلى 566 ألف دولار. بالإضافة إلى المبالغ المستردة للتذاكر التي كانت معروضة للبيع لعدة أشهر.
أعطى المعرض إجازة لـ20 موظفًا وطُلب من 200 عامل آخر في المهرجان كانوا قادمين من جميع أنحاء البلاد. لإدارة الألعاب والألعاب الستين البقاء في منازلهم، لتعود الشركة التي تدير المعرض لنفس مصير الشهر ذاته من 2020.
وطالب رئيس الوزراء الفرنسي المجالس البلدية بإلغاء الحفلات الموسيقية وعروض الألعاب النارية مساء 31 ديسمبر/كانون الأول. مع حظر استهلاك المشروبات الكحولية في الأماكن العامة.
صدمة لمحاولات التغلب على أزمة كورونا
في الولايات المتحدة، يتزايد القلق ذاته إذ يؤكد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن هناك حالة عدم يقين عميقة. وليس من الواضح مدى حجم التأثيرات على التضخم أو النمو أو التوظيف.
باول يقول إن الخطر الحقيقي يتمثل في أن يكون التضخم أكثر ثباتًا وليس ظاهرة مؤقتة، لكن مسؤولو بنك “يو بي إس” كان رأيهم أكثر وضوحًا بشأن البيانات العالمية حول التضخم والعمالة، قائلين إنها “صارخة للغاية”.
استبعد الرئيس جو بايدن عمليات الإغلاق التي أثبتت فعاليتها في احتواء الفيروس ولكنها كارثية على الاقتصاد. بدلاً من ذلك فهو يدعو إلى المزيد من التطعيمات والاختبارات.
جاءت موجة أوميكرون في وقت اكتشفت فيه سلاسل التوريد بعض الحلول البديلة للاضطرابات المرتبطة بكورونا. من بينها نقل البضائع في رحلات الركاب بدلاً من السفن لتجنب الموانئ المزدحمة.
يتدفق المستثمرون على الشركات الناشئة التي يمكنها بناء طائرات الشحن بدون طيار، في غضون ذلك،. كما دخل صغار المصنعين في العالم، بمجال توفير مصدر المواد الخام الخاصة بهم.
دروس مستفادة ومواجهة التحديات
توقع خبراء اقتصاديون أن تؤتي الدروس المستفادة من الموجة الأولى لكورونا ثمارها في مواجهة أوميكرون. فمع ظهور أخبار عن المتحور الجديد لكورونا الشهر الماضي بدأت الدول في تشديد قواعد السفر الدولي. وبالفعل فرضت المانيا تقييدا على الوافدين من بريطانيا حاليا بعد تزايد الحالات داخلها.
أنفقت الحكومات تريليونات الدولارات لمواجهة الضرر الناجم عن الوباء. وأدى ذلك التحفيز العالي بالإضافة إلى سلاسل التوريد المتعثرة إلى زيادة التضخم العالمي بأكثر من 5%. ما دفع البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة وسط صراع بين البنوك والحكومات، مع موجة من الابتكار حول العملات المشفرة والرقمية التي تغرى المستثمرين بعائد أعلى.
تحديات صعبة تواجه العالم في 2022
يواجه الاقتصاد العالمي العديد من العقبات في 2022، تأتي في مقدمتها: أوميكرون، والتضخم. ورفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وأزمة شركة العقارات الصينية “إيفرجراند”، وأزمتي تايوان وأوكرانيا، والتقلبات في الأسواق الناشئة. وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الشرق الأوسط.
تقول وكالة بلومبرج إن عام 2022 لن يكون سهلاً، وخاصة في ظل تحديدات جائحة كورونا، فالتضخم سيكون أبرز التحديدات التي سيواجهها الاقتصاد العالمي في 2022.
توقع خبراء بنك الاستثمار الأمريكي “جولدمان ساكس” أن يشهد الاقتصاد العالمي طلبًا قويًا وعرضًا محدودًا في عام 2022. وذلك في ظل تعطل سلاسل التوريد في العام الجاري.
لا تسير كل المخاطر حول الاقتصاد العالمي في 2022 في الاتجاه ذاته، فـ”أوميكرون” أحد أسباب التخوفات. خاصة مع وجود التضخم الذي قد يرفع الأجور التي تتصاعد بالفعل بوتيرة سريعة بالولايات المتحدة.
الأزمات السياسية أيضًا قد تكون أحد مشكلات اقتصاد 2022، فالتوترات بين روسيا وأوكرانيا قد تسبب ارتفاعًا بأسعار الغاز. وتغير المناخ يجلب المزيد من الظواهر الجوية المدمرة، ما قد يؤدي إلى استمرار أسعار المواد الغذائية في الارتفاع.
لا تزال أزمة تايوان قنبلة موقوتة في علاقة الصين بالغرب، فبكين تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وترفض منحها الحق في أن تكون عضوا في الأمم المتحدة التي لا تسمح إلا للبلدان ذات السيادة بالانضمام إليها، وهو مطلب تؤديه أمريكا وعدة دول أوروبية.
كما يمكن لموجة جديدة من الفيروس أن تضرب صناعة السفر على سبيل المثال مما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، وأن تلقي بظلالها على صناعة السياحة العالمية التي قد ترتفع خسائرها بنهاية العام الحالي إلى 2 تريليون دولار، بحسب الأمم المتحدة.
ينذر التأثير المشترك لتلك العوامل مجتمعة إلى إمكانية حدوث صدمة تضخمية مصحوبة بركود تضخمي تترك البنوك المركزية حول العالم دون إجابات سهلة خاصة الأسواق الناشئة التي تواجه خطر رفع الاقتصاد الأمريكي الفائدة ما يجعل واشنطن جاذبة للمستثمرين من الأسواق الأخرى.
أزمة الديون العالمية تتفاقم
ارتفعت نسبة الديون الخارجية إلى إجمالي الدخل القومي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (باستبعاد الصين) بنسبة 42% في 2020 من 37% في 2019، بينما زادت نسبة ديونها إلى صادراتها إلى 154% في 2020 من 126% في 2019، بحسب البنك الدولي.
زادت أيضًا أرصدة الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مجتمعة إلى 8.7 تريليونات دولار، ما بتطلب إتباع نهج شامل لإدارة الديون لمساعدة تلك البلدان على تقييم المخاطر وتقليصها والوصول بمستويات الدين إلى حدود يمكن الاستمرار في تحملها.
لا تزال شركات تصنيع اللقاحات عالميًا تجري التجارب “أوميكرون”، ومسؤولو الصحة ينصحون بتوخي الحذر، فيما يتعلق بالتواصل الاجتماعي بدلاً من تنفيذ عمليات إغلاق جديدة، لكن محافظو البنوك المركزية يعتقدون أن الوقت ليس في صالحهم، خاصة أن تأثير قرارات السياسة النقدية على الاقتصاد الأوسع ليس فوريًا.
تتراوح تحركات الاقتصاد العالمي في 2022 بين اتجاهين أحدهما يشكل الأغلبية ويعتقد أن المخاطر كبيرة، واتجاه آخر يرى أن أزمات الديون والتضخم المتزايد ليست مزمنة وأن النصف الثاني من العام المقبل قد يكون إيجابيًا، أو أن يكون التأثير محدود مثل شركة أكسفورد إيكونوميكس التي ترجح أن يكون لأوميكرون تأثير اقتصادي مماثل على دلتا في الربع الثالث، وأن يهبط بالناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام المقبل بنسبة 0.3٪ فقط.