شهدت الأيام الماضية انخفاض الليرة التركية وهبوطها لأدنى مستوياتها على الإطلاق. في وقت يعاني الاقتصاد التركي ارتفاعا كبيرا في معدل التضخم. الأمر الذي سيؤثر حتمًا على اقتصاد الدولة بوجه عام وعلى مستوى الدخل والإيراد القومي بشكل خاص. فيما التساؤل هنا حول مدى تأثر السياحة المصرية برجوع الليرة إلى الخلف.
لكن الوضع الذي بات واقعًا ربما يشكّل فرصة ذهبية لقضاء العطلة السنوية. سواء في إسطنبول أو أنقرة بدلاً من كثير من المدن السياحية بالشرق الأوسط وعلى رأسها شرم الشيخ والغردقة. وذلك بعد تقارب قيمة الليرة من الجنيه المصري. ومن ثم تراجع حجم الإنفاق المتوقع في تركيا.
فهل ستتأثر السياحة المصرية بالوضع الاقتصادي الحالي في تركيا؟ وماذا عن الوجهة الأقرب لجذب أكبر عدد من السياح بعد تقارب مستوى الإنفاق بالدولتين؟
الجنيه يتفوق على الليرة
وقد سجّل سعر الليرة التركية تراجعًا ملحوظًا الأيام الماضية مقابل الدولار الأمريكي. حتى وصل خلال تعاملات الاثنين الماضي إلى 17.49 ليرة لكل دولار. وبلغ سعر الليرة مقابل الجنيه المصري نحو 89.9 قرشا. أي إن الجنيه يساوي حاليا 1.11 ليرة.
وانخفضت أسعار الليرة التركية خلال عام 2021 بنسبة 57.5% مقابل الدولار الأمريكي. حيث نزلت قيمتها من 13.46 سنت بنهاية 2020 إلى 5.72 سنت حاليا.
ولا يمثل تراجع سعر صرف الليرة التركية خبرًا جيدًا للاقتصاد المصري. وذلك على أكثر من ناحية خاصة الصادرات المصرية والسياحة. لكنه قد يمثل فرصة لزيادة تدفقات استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية.
لماذا تراجعت الليرة؟
ردّ محللون تراجع الليرة خلال الفترة الماضية إلى ارتفع معدل التضخم السنوي بتركيا ليتجاوز 21%. وذلك في الوقت الذي يقوم فيه البنك المركزي التركي بخفض أسعار الفائدة من 16 إلى 15%. وهذه هي المرة الثالثة التي يخفض فيها الفائدة خلال 2021. ما أثر بشكل مباشر على مستوى سعر الليرة.
ويقول محمد نجم -الخبير الاقتصادي- لـ”مصر 360″ إن السوق التركية تتأثر مع كل قرار يتخذه البنك المركزي هناك بخفض سعر الفائدة. ما تسبب في هبوط الليرة لمستويات قياسية ستؤثر بشكل مباشر على جذب الاستثمارات الأجنبية ومشروعات التنمية الاقتصادية بتركيا. حيث تراجع سعر الليرة لأكثر من 17 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وقال البنك المركزي التركي في بيان له إنه تدخل بشكل مباشر في سوق العملات من خلال عمليات بيع الدولار. وذلك بسبب ما وصفه بـ”تشكيلات غير صحية في أسعار الصرف”. وتدخل البنك في سوق العملات مرات عدة خلال الأسبوعين الماضيين وباع دولارات لإبطاء تراجع الليرة. ما أدى إلى تآكل احتياطياته الأجنبية المستنزفة أصلاً.
وأضاف “نجم” أن إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لتعزيز النمو الاقتصادي في تركيا وتحسين فرص تصدير السلع جاء بنتائج عكسية على سعر الليرة. تلك التي ستعاني كثيرًا خلال الفترة المقبلة.
وتابع أن سياسة خفض الفائدة تتجاهل عنصرًا محوريًا. وهو أن تركيا تستورد نسبة كبيرة من المواد الأولية التي تدخل في إنتاج السلع التي تصدرها. وهذه المستورَدات بالعملة الصعبة وبالتالي تزداد كلفتها بالليرة التركية بسبب تدهور سعرها مؤخرًا.
هل تتأثر السياحة في مصر بسبب الليرة؟
تُعتبر السياحة أحد مصادر الدخل الرئيسية في تركيا. وتعتبر من الأسواق المنافسة لسوق السياحة في مصر. وكل منهما تشترك في عوامل عديدة سواء في الجغرافيا أو حتى على مستوى الدول الزائرة التي يأتي على رأسها روسيا وألمانيا وأوكرانيا. وهي المتصدرة للدول الأكثر زيارة لمصر وتركيا.
وعدّد بعض خبراء السياحة مزايا تراجع الليرة بالنسبة لتركيا.
يقول حسن النحلة -نقيب المرشدين السياحيين السابق: “هبوط الليرة أمام الدولار عنصر جذب وفرصة للسائح الأجنبي لقضاء نزهته في تركيا. وذلك نظراً لانخفاض الأسعار مقارنة بدخولهم وسعر عملتهم القومية”.
وقد استغل منظمو الرحلات السياحية انخفاض العملة التركية. إذ أصبحت الرحلة لتركيا بصفة عامة أرخص بكثير مما كانت عليه. وبات سعر تذكرة تركيا رخيصا جداً بالنسبة للسائحين.
وأضاف “النحلة” لـ”مصر 360″ أن السياحة المصرية لا يمكنها الاستفادة من انخفاض الليرة. بالعكس ستزداد المنافسة بين مصر وتركيا على مستوى جذب السائح الأجنبي الذي يضع في اعتباره مستوى أسعار الحجوزات والغرف الفندقية.
وتابع: “الانخفاض سيؤدي إلى أن الأسعار والرحلات وعمليات الشراء تكون أفضل بالنسبة للسائح”. وهذا يؤثر إيجابيا على تركيا وليس على مصر. موضحًا أن حجم الإنفاق الذي يقوم به السائح في تركيا سينخفض كثيرًا الفترة المقبلة. وذلك عكس الوضع في المدن السياحية والساحلية في مصر التي تشهد ثباتًا واستقرارًا على مستوى الأسعار وحجم الإنفاق.
واتفق معه علاء عاقل -رئيس لجنة تسيير أعمال غرفة المنشآت الفندقية. وقال إن انخفاض الليرة ينعكس سلبيا على مصر وإيجابيا على تركيا. وأوضح أن تركيا تستطيع من خلال انخفاض عملتها أمام الدولار استقطاب عدد أكبر من السياح. ما يؤدي إلى زيادة القيمة الشرائية للسائحين والزائرين المقبلين على تركيا. ومن ثم احتمالية توجه كثيف للسائحين نحو مدن تركيا.
أعداد السياح في تركيا
بلغ عدد السياح إلى تركيا عام 2019 نحو 45.06 مليون سائح. وبلغت إيرادات السياحة هناك 34.5 مليار دولار. لكن هذا العدد تراجع بنسبة كبيرة إلى أكثر من 12 مليون سائح في 2020 بسبب تداعيات فيروس كورونا والإغلاق الذي عم العالم.
ويبرز احتدام المنافسة على السياحة بين مصر وتركيا كتهديد مع تراجع الليرة وانخفاض أسعار السلع والخدمات هناك مقابل الدولار بحسب مذكرة شركة “برايم”.
وأكد “عاقل” أن السياحة التركية قد تكتسب تنافسية عالية. لأن العملة المنخفضة قد تكون أكثر جاذبية للسائح عن غيرها عند اختيار وجهة عطلته. ومن ثم تحتاج مصر إلى مزيد من عناصر الجذب الفترة المقبلة.
وتابع: “انخفاض الأسعار سيجعل السياحة التركية أرخص بالتأكيد. لكن حاليًا ليس هو الموسم السياحي بالنسبة لتركيا. وبالتالي ستظل السوق المصرية تتمتع بقدرة على جذب السياحة في فصل الشتاء”.
بعيدا عن الليرة.. محفزات السياحة المصرية
ورغم الانخفاض المتوقع في مستوى الإنفاق السياحي بتركيا ودور ذلك في جذب السائح الأجنبي. فإن سوق تركيا كانت أغلى بكثير من السوق المصرية خلال الفترة الماضية. وذلك في الوقت الذي كانت فيه الخدمات والأسعار الخاصة بالإنفاق أفضل في المدن السياحية المصرية.
وعدّد عصام علي -الخبير السياحي- مزايا السوق السياحية المصرية. كونه مفتوحا وممتدا طوال العام. على عكس المناخ الموسمي في تركيا. إذ تنشط حركة السياحة في فصل الصيف فقط. موضحًا أن حجوزات الكريسماس لمصر وقضاء الإجازة بها مستمر كونها وجهة سياحية مطلوبة للسياح من كل أرجاء العالم.
وأضاف الخبير السياحي لـ”مصر 360″ أنه رغم انخفاض الليرة فإن سعر الخدمة في مصر لا يزال أكثر جذباً أمام السائحين في العالم. فالحد الأدنى لسعر الغرفة في فندق 5 نجوم يصل إلى 50 دولارا. وهو سعر مناسب وجيد.
ورفعت مصر مؤخراً قيمة الحد الأدنى لتكون 50 دولارا للفنادق “5 نجوم” في الليلة الواحدة. و40 دولاراً للفنادق “4 نجوم” و30 دولاراً للفنادق “3 نجوم” و20 دولاراَ لفنادق “النجمتين” و10 دولارات للفنادق “النجمة الواحدة”.
انخفاض الليرة سيمثل فرصة للسائح عند ذهابه إلى التسوق فقط. لكن الأمر يختلف في أسعار الخدمات الفندقية والبرامج السياحية المتنوعة المتوفرة الآن في السوق المصرية. وذلك لتنوع السياحة المصرية بين المدن الشاطئية ومناطق الآثار وغيرها.
التجارة بين مصر وتركيا
خلال الـ9 أشهر الأولى من العام الجاري ارتفعت قيمة التجارة بين مصر وتركيا بنسبة 16.3%. لتسجل نحو 4.125 مليار دولار في مقابل 3.545 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2020.
ويصب الميزان التجاري بين البلدين في صالح تركيا بقيمة 1.033 مليار دولار خلال الفترة “يناير-سبتمبر 2020”. ما يعني تراجع عجز الميزان التجاري بين البلدين بنسبة 16.4%.
وأوضحت نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء استحواذ تركيا على 4.5% من إجمالي تجارة مصر الخارجية. وذلك خلال أول 9 أشهر من العام الجاري البالغة 90.812 مليار دولار.
وشهدت قيمة التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعا خلال سبتمبر 2021 بنحو 32.3%. لتسجل 485.963 مليون دولار في مقابل 367.235 مليون دولار خلال سبتمبر 2020.
كما أظهرت النشرة وجود ارتفاع بقيمة صادرات مصر للسوق التركية خلال الفترة “يناير-سبتمبر 2021” بنسبة 33.9%. لتسجل 1.546 مليار دولار في مقابل 1.155 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2020. لتستحوذ على 4% من إجمالي الصادرات المصرية خلال تلك الفترة. وقفزت خلال سبتمبر بنسبة 75.1% لتبلغ 251.307 مليون دولار في مقابل 143.545 مليون دولار.
مصر تستورد منتجات تركية بـ2.6 مليار دولار
وعلى صعيد حركة الواردات ارتفعت قيمة واردات مصر من تركيا خلال الفترة “يناير-سبتمبر 2021”. لتسجل نحو 2.579 مليار دولار في مقابل 2.391 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2020 بزيادة قدرها 7.9%. لتستحوذ على 4.2% من إجمالي الواردات المصرية خلال تلك الفترة.
بينما تراجعت خلال سبتمبر لتسجل 234.656 مليون دولار في مقابل 271.671 مليون دولار بانخفاض 13.6%.
وانخفضت قيمة واردات مصر من حديد وصلب-فولاذ من تركيا بنسبة 45.8%. وذلك لتبلغ 193.286 مليون دولار في مقابل 356.519 مليون دولار. بينما ارتفعت من لدائن ومصنوعاتها لتبلغ 144.018مليون دولار في مقابل 100.145مليون دولار بنمو 43.8%.