في 10 ديسمبر/كانون الأول وقع انفجار في مخيم “البرج الشمالي” للاجئين الفلسطينيين بمدينة صور، جنوبي لبنان. ظهرت روايتان خلف الانفجار: مخزن أوكسجين أو مخزن سلاح لحركة “حماس”. وبعيدًا عن السبب الحقيقي، فإن ما حدث بعدها كان مؤشرًا عمّا يدور من خلافات بين الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات اللبنانية، وحول صراعات داخل السلطة الفلسطينية بشأن من يخلف رئيسها محمود عباس.
في اليوم التالي وخلال تشييع جثمان حمزة شاهين، أحد قيادات حماس والذي توفي في الانفجار، أطلقت عناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية النار على المشيّعين. أسقطت 3 أشخاص بذريعة أن مُسلحين شاركوا في مسيرة التشييع.
هنا، ظهر اسم ماجد فرج، مدير المخابرات العامة الفلسطينية، والمسيطر على جهاز “الأمن الوقائي” داخل المخيمات اللبنانية، الذي أطلقت عناصره النار على المشيّعيين.
المخيمات اللبنانية هي ساحة صراع، اشتد مؤخرًا، بين جناح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يمثله ماجد فرج، وجناح القيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان. وانضمت لهذا الصراع حماس، التي وسّعت من حضورها الأمني والعسكري بعدما كان قائمًا على الوجهة السياسية والاجتماعية.
فرج “يروج لنفسه”
صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من “حزب الله” (المحسوب على ما درجت تسميته “محور المقاومة” التابع لإيران)، اتهمت ماجد فرج بنقل التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل من الأراضي المحتلة إلى لبنان. وأنه نقل “معلومات للعدو الإسرائيلي عن مراكز الحركة (حماس) في لبنان، وهو ما بدأ العدو بتسريبه عبر الإعلام”.
وفي هذا الإطار، أشار موقع “درج” اللبناني، إلى أن فرج يحاول، ضمن مساعيه، تقديم إحدى أوراق اعتماده للقوى الإقليمية، بعدما بات يسوق لنفسه خليفة لعباس في رام الله. “الاشتباك مع حماس في أرض يقودها حزب الله ليس أمرًا يمكن المرور عليه من دون تمعن. وهو أراد توجيه رسائل في كل الاتجاهات، منها للأميركيين الذين يفاوضون طهران في فيينا، والثانية للداخل الفلسطيني، بأنه الرجل الحديدي”، يقول التقرير.
وفرج وفقًا لمعلومات -بحسب التقرير- زار الرياض وأبوظبي. كما أنه سعى أمام المسؤولين في السعودية والإمارات إلى إظهار أنه يصلح بديلاً لرئاسة السلطة بعد وفاة عباس، بدلاً من دحلان. وأنه يمكنه السير في القضايا السياسية المتعلّقة بالقضية الفلسطينية بشكل أفضل من دحلان. ذلك في ظلّ سيطرته الأمنية على مراكز السلطة في الضفة الغربية المحتلّة، بينما لا يستطيع دحلان فعل ذلك.
إلى جانب ذلك، فهو يروّج لكونه الطرف الفلسطيني الأقوى الذي يحظى بالدعم الأميركي لخلافة عباس. فيما لا يجد اعتراضًا عليه من قِبل إسرائيل، نظرًا لمواقفه السياسية المتعلّقة بالتنسيق الأمني ومواجهة حماس.
ويقول فرج إن لديه معطيات دقيقة حول الأزمة بين الإماراتيين ودحلان خلال الفترة الماضية، نتيجة فشل الأخير في تحقيق اختراقات على مستوى تعزيز مكانته داخل “فتح”. فضلاً عن تضاؤل فرصه في خلافة عباس، بعد تعزيز فرج وحسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، وجبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لفتح، سيطرتهم على مناطق السلطة، ومحاربتهم أيّ تحرك لدحلان فيها. إضافة إلى تقارير عن اختراقات أمنية نفّذها جهاز المخابرات العامة داخل تيار دحلان.
من هو ماجد فرج؟
ولد ماجد علي فرج، عام 1962، وهو من سكان مخيم “الدهيشة” للاجئين جنوب بيت لحم. وينحدر من قرية رأس أبو عمار المحتلة عام 1948، قضاء القدس. درس في مدارس وكالة الغوث بالمخيم، واعتقل في بداية المرحلة الثانوية لمدة عام ونصف العام. ثم توالت الاعتقالات في سجون الاحتلال، حيث كان من أوائل المعتقلين في سجن الفارعة. كما اعتقل في سجون الظاهرية والمسكوبية والخليل ونابلس وعتليت والنقب. ووصل مجموع عمليات اعتقاله لأكثر من 15 مرة؛ ليمضي حوالي 6 سنوات في السجون الإسرائيلية.
وكان فرج من مؤسسي لجان الشبيبة، الذراع النقابية والجماهيرية لحركة فتح، والتي حُظرت في عام 1987. كما كان من قيادات الانتفاضة الأولى (1987). ثم تمت تسميته في اللجان السياسية قبيل اتفاقية أوسلو.
التحق بجهاز الأمن الوقائي تحت قيادة جبريل الرجوب في عام 1994 فور مجيء السلطة، ولاحقًا كمدير بالجهاز لأكثر من محافظة، مثل دورا وبيت لحم، إلى أن تم تعيينه مديرًا لجهاز الاستخبارات العسكرية عام 2006.
وفي الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، عمل فرج كمسؤول عن منطقة بيت لحم بالجهاز. وعندما فرض منع التجول على المدينة، في أبريل/نيسان 2002، استشهد والده بعد إطلاق النار عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وكان ذلك فور خروجه من المنزل لشراء مواد غذائية.
بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، فإن الجنود اعتقدوا بحمله عبوة ناسفة. في حين لم يذهب فرج لرؤية والده بالمشفى، وبعث صديق للتأكد من هويته والاهتمام بالجنازة. وأضافت “بعد رحيل عرفات واستلام عباس رئاسة السلطة تم تقليد فرج مهام قيادة جهاز المخابرات. في حين فشل في الانتخابات البرلمانية عام 2006”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ساهم بعد تعيينه مديرًا للمخابرات في اعتقال رجل القاعدة نزيه الرقيعي “أبو أنس الليبي”. كما توسط لإعادة مواطنتين سويديتين كانتا لدى “جبهة النصرة” بسوريا، وتلقى جائزة من الولايات المتحدة لهذا السبب.
ماجد فرج.. رجل التنسيق الأول
في يناير/كانون الثاني 2016، أعلن فرج، خلال مقابلة مع مجلة “Defense News” الأمريكية أن جهازه أحبط 200 هجوم ضد إسرائيليين. كان ذلك أثناء “تصاعد العنف” الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق. حينها، أكد فرج على أنه سيواصل تنسيقه الأمني مع إسرائيل.
أضاف الرجل، الذي نادرًا ما يدلي بتصريحات علنية، أن قوات الأمن والمخابرات الفلسطينية صادرت أسلحة، واعتقلت حوالي 100 فلسطيني خلال هذه الفترة. بينما أشار إلى أن “التنسيق الأمني مع إسرائيل يمثل الجسر الذي يمكن أن يبقى على حضور الظروف الملائمة لكلا الطرفين، إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة بين السياسيين نحو العودة إلى مفاوضات جادة”.
وفي رد فعل رمزي أكثر منه واقعي، أحال النائب العام في قطاع غزة، الخاضع لحركة حماس، أوراق الادعاء ضد اللواء فرج إلى القضاء العسكري، “لتحريك دعوة عمومية بحقه لاعترافه الصريح أمام الإعلام بإحباط عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة”.
وإضافة إلى ذلك، طالت فرج إدعاءات أخرى، من مواقع مقربة من حماس، بتنفيذ “عمليات أمنية ضد شخصيات فلسطينية على علاقة بالمقاومة في إحدى الدول الإقليمية الكبرى، بتوجيه من الموساد الإسرائيلي”.
وتوجه إلى فرج أصابع الاتهام في اغتيال الناشط نزار بنات، بالاشتراك مع جهاز الأمن الوقائي، واتهمه والد الأخير بأنه “طلب من قتلة ابني تصويره أثناء تنفيذ الجريمة”.
تسليم أسرى جلبوع
بحسب “مجموعة الشهيد جاد تايه”، وهي مجموعة عملت مؤخرًا على نشر تسريبات من داخل جهاز المخابرات الفلسطينية، فإن فرج ساهم في تسليم أبطال “نفق الحرية”. هؤلاء الأسرى الستة الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم والفرار من سجن جلبوع شديد الحراسة.
وفي تفاصيل ذلك، قالت المجموعة إنه بعد أقل من ثلاث ساعات من عملية (كسر القيد) ونجاح الأسرى الستة في التحرر من سجن جلبوع، أبلغت قيادة الشاباك الإسرائيلي، جهاز المخابرات العامة بقيادة ماجد فرج، بعملية الهروب. طلبوا منهم الانتباه لإمكانية وصول الأسرى إلى جنين، وتحديدًا المخيم. كما طلبوا رصد أي اتصالات أو تحركات غريبة في أوساط عائلاتهم.
وأدعت المجموعة أن مطالبات الشاباك وصلت إلى فرج، عبر مسؤول العلاقات الدولية في الجهاز، العميد ناصر عدوي، في يوم الهروب وتحديدًا الساعة الخامسة فجرًا. حينها كان اللواء ماجد فرج على علم بالقضية، بعد اتصال جمعه ونائب رئيس الشاباك.
عقب ذلك، أصدر اللواء تعليمات فورية بمراقبة محيط منازل عائلات الأسرى الستة. بالإضافة إلى أصدقاء المناضل زكريا الزبيدي. وقد شملت المراقبة إرسال عدد من “مناديب” الجهاز للتردد على منازل عائلات الأسرى.
ووفق ادعاء المجموعة أصدر فرج تعليماته للبدء بعمليات تنصت هاتفي على شخصيات محددة من أقارب أسرى “عملية الهروب”. ولتحقيق ذلك تم إرسال جهاز التقوية الخاص بعملية التصنت إلى جنين عبر سيارة مدنية تتبع للمخابرات. وانتقل في أكثر من مكان في المدينة والمخيم، ولم يغادرها إلا بعد القبض على الأسيرين أيهم كممجي ومناضل انفيعات.
علاقات فرج القوية مع الأمريكيين
يحضر فرج دومًا باعتباره صانع للسياسات في القضايا الخلافية، عبر مد قنوات تواصل سرية مع واشنطن وتل أبيب. كان أبرز الشواهد على ذلك اجتماعه سرًا، مع مايك بومبيو رئيس الاستخبارات الأمريكية عام 2018. بينما كانت الرئاسة الفلسطينية تُعلن المقاطعة الرسمية لإدارة ترامب، ويرفض أبو مازن التواصل معها.
قال الباحث الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة فادي السلامين، لـ”المونيتور“، إن فرج شخصية محبوبة في الأوساط الأمنية الأميركية، ولديه شبكة علاقات قوية مع ضباط كبار في الـCIA.
وقد سبقت هذا الاجتماع جلسات سرية جمعت فرج بمسؤولي تل أبيب وواشنطن. ونيل الدعم الأمريكي والإسرائيلي، أكده الضابط الإسرائيلي سابقًا في جهاز الاستخبارات العسكرية، يوني بن مناحيم، حين ذكر أن فرج المقرب من عباس، يحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي، وبدعم من بعض الدول العربية (لم يذكرها)، وقد يعيّنه عباس خليفة له.
تشير صحيفة “جيروزاليم بوست” إلى أن فرج هو ثاني اثنين، مع حسين الشيخ، لا يثق عباس إلا بهما، وأن الاثنين متحالفان بشكل قوي. و”ينظر إلى تحالف الشيخ – فرج وعلاقاتهما الوثيقة بعباس على أنها ضربة لاثنين من كبار مسؤولي فتح: جبريل الرجوب ومحمود العالول”، بحسب ما ذكره محلل فلسطيني للصحيفة.
وقد كُشف النقاب عن إحباط محاولة لاغتيال فرج، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، ما أثار جدلاً كبيرًا بشأن فتح الباب للحديث عن حرب تصفيات جسدية خفية بين المتنافسين لخلافة عباس.
الموقف المصري
الحسابات السياسية دائمًا ما تتغير، فبعدما كانت الأوساط المصرية تُفضّل محمد دحلان لخلافة أبو مازن تغير الموقف لحسابات جمّة. لكن الأولوية ليست لماجد فرج في الوقت الحالي. أو هكذا تفيد التقارير.
في عام 2018، وقف فرج عائقًا أمام إتمام المصالحة بين فتح وحماس برعاية مصرية. وقد حذر اللواء، الذي على مشارف الستين من عمره، محمود عباس، في تقرير مُسرب كشفته مصادر من فتح، من التوقيع على اتفاق الوحدة.
التقرير زعم، وفقًا لهذه المصادر، أن القاهرة تعمل لصالح دحلان، المسؤول الأمني السابق لحركة فتح في غزة ومستشار ولي العهد الإماراتي، حيث يستمد منه دعمًا كبيرًا.
دحلان منافس لعباس على زعامة فتح، وبحسب هذه المصادر، فإن أي اتفاق وحدة بوساطة مصرية سيكون بمثابة “فخ” يسمح لدحلان بالعودة على حساب عباس.
ورغم علاقاته الجيدة مع القاهرة والسعودية والإمارات، إلا أن الأولى تؤيد ذهاب منصب الرئاسة إلى جبريل رجوب، بحسب موقع “إنتلجنس أونلاين” الفرنسي، المعني بالشؤون الاستخباراتية.
وبعد أن كانت تفضل دحلان قررت مصر، التي رفضت مؤخرًا السماح له بفتح مكتب في القاهرة، أن تضع ثقتها في الرجوب.
هنا، يلفت التقرير إلى أن طموحات فرج ودحلان موقوفة حاليًا على الموقف المصري. ولا سيما موقف جهاز المخابرات العامة المصرية برئاسة عباس كامل؛ حيث تلعب القاهرة دورًا حاسمًا في القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا:
الهندسة الأمنية في الضفة الغربية.. من النشأة إلى التنسيق
34 عاما على انطلاقة “حماس”: اختلاف على الحكم واتفاق على “المقاومة”