أثبتت كرة القدم، على مر العصور أنها ليست مجرد لُعبة للتسلية كما يعتقد البعض، حيث لعبت أدوارًا محورية في حل العديد من الأزمات وإنهاء الكثير من الحروب منها الحرب العالمية الأولى، التي كان من شأنها حصد العديد من أرواح البشر آنذاك.
تاريخ كرة القدم
كرة القدم، اللعبة التي يتنافس خلال مبارياتها الآن 22 لاعب موزعين داخل أرضية الملعب لأحد عشر لاعبًا في كل جانب، في مدة زمنية محددة تبلغ 90 دقيقة كحد أدنى و120 دقيقة في أقصى حالاتها، لم يكن الأمر هكذا عندما بدأت اللعبة.
بشكلها الحالي كرة القدم ظهرت لأول مرة في بلاد الإنجليز عام 1863 عندما تم التفريق بين لعبة كرة القدم “soccer” وبين رياضة الرجبي، وتم تأسيس أول اتحاد لتلك اللعبة علي وجة الكرة الأرضية، لكن رغبة الإنسان في ركل كل شيء مرت به البشرية في جميع الحضارات أبرزها الصينية والفرعونية والإغريقية والرومانية، وحتى الإنجليز في عام 1016 عندما تم جلاء الدينماركيين عن بلادهم كانوا يركلون رؤوس بقايا جثث الاستعمار لديهم.
الإنجليز ونبذ كرة القدم
في العصور الوسطى كانت رياضة كرة القدم تقام بين المدن والبلدات والفصائل، وكانت تقام بشكل احتفالي وكرنفالي، حيث كان مجموعة من سكان منطقة يركلون الكرة إلى منطقة أخرى مجاورة ويحاول سكان المنطقة الأخرى منعهم من فعل ذلك والاستحواذ على الكرة والذهاب إلى مدينتهم، بكل الطرق حتى العنيفة منها والتي وصلت إلى حد القتل، وأدى عنف تلك الرياضة آنذاك إلى صدور أكثر من مرسوم ملكي للإنهاء على تلك اللعبة، حتى البلاد المجاورة مثل فرنسا وإسكتلندا قامت بتحذير مواطنيها من ممارسة تلك اللعبة وأصدر ملوكها مراسيم تمنع ذلك بل وتحرمها.
التنظيم الاول للعبة كرة القدم
في عام 1846 قام وسطاء بجامعة كامبريدج بعمل لقاء بين قادة من المدارس الرئيسية العامة في إنجلترا توصلوا من خلاله لاتفاق يقضي بوجود قواعد للعبة، وتم تأسيس أول نادي لكرة القدم في العالم وهو نادي شيفيلد عام 1855 ثم تبعه تأسيس نادي نوتس كاونتي في 1862، ثم تم تأسيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عام 1863.
اقرأ أيضًا:
حرب المائة ساعة
في عام 1969 نشبت نزاعات سياسية بين الجارتين السلفادور والهندوراس بسبب قضايا متعلقة بشئون الهجرة، الحكومة الهندوراسية كانت قد اتخذت قرارًا بنزع ملكية أراضٍ يملكها ما يقارب 300 سلفادوري كانوا قد هاجروا واستقروا في الهندوراس.
في تصفيات كأس العالم عام 1970، أوقعت القرعة منتخبي السلفادور والهندوراس وجهًا لوجه، ولعب الفريقان المباراة الأولى بينهم يوم 8 يونيو 1969 وهي مباراة الذهاب في مدينة تيغوسيغاليا الهندوراسية واستطاع أصحاب الأرض أن ينتزعوا الفوز بهدف وحيد، وتلت المباراة أحداث شغب بين مشجعي المنتخبين، وألقى الاتحاد السلفادوري اتهامات على نظيره الهندوراسي بسبب قيام مشجعي الهندوراس من التجمع تحت مقر إقامة منتخب السلفادور وإصدار ضجيج طوال الليل، الأمر الذي صعّب علي اللاعبين مهمة النوم والراحة من أجل الاستعداد للقاء اليوم التالي.
عقب انتهاء لقاء الذهاب قامت فتاة سلفادورية بالانتحار حزنًا علي هزيمة منتخب بلادها، وقامت الصحف السلفادورية بتداول أخبار الفتاة وأصبحت ذات شعبية كبيرة وأقيمت جنازة رسمية لها شارك فيها لاعبي السلفادور ورئيس البلاد.
وقبل لقاء العودة رد مشجعوا المنتخب السلفادوري بالتجمع تحت مقر إقامة منتخب الهندوراس وقاموا بعمل نفس الأمر الذي قام به مشجعي الهندوراس من إصدار الضجيج طوال الليل إضافة لإلقاء المأكولات والحيوانات الميتة على النوافذ الخاصة بغرف لاعبي منتخب الهندوراس.
وفي يوم لقاء العودة 15 يونيو دخل لاعبوا المنتخب الهندوراسي في سيارات مصفحة إلى ملعب المباراة “فلور بانكال” في مدينة سان سلفادور، وضمن تلك الأجواء كان من الصعب على المنتخب الهندوراسي أن يفوز أو يتعادل ومني بخسارة كبيرة بنتيجة 3 أهداف مقابل لا شيء.
عقب صافرة النهاية انطلق سكان هندوراس في شوارع البلاد للبحث عن مقيمين من دولة السلفادور، وقاموا بقتل عدد منهم وإحراق ممتلكاتهم، وهرب بعضهم إلى السلفادور.
في 26 يونيو لعب الفريقان مباراة فاصلة بينهم في المكسيك واستطاع منتخب السلفادور أن يفوز بنتيجة 3 أهداف مقابل هدفين ليصعد إلى كأس العالم.
عقب المباراة خرج مشجعو المنتخب الهندوراسي مرة أخرى إلى الشوارع محتجين وغاضبين من الهزيمة، وقاموا بالاعتداء مرة أخرى علي المهاجرين السلفادوريين المقيمين في الهندوراس، الأمر الذي دفع السلفادور لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الهندوراس متهمين الأخيرة بأنها لم تُحرك ساكنًا ضد جرائم الإبادة التي حدثت، ثم تم الإعلان عن غزو الهندوراس في 14 يوليو وبدأت الحرب بينهما واستمرا لمدة 4 أيام، ووصل خلالها الجيش السلفادوري إلى مشارف العاصمة الهندوراسية، وقام الجيش الهندوراسي بضرب قواعد عسكرية للجيش السلفادوري وآبار البترول التي تقع على الحدود بينهما.
تم إيقاف الحرب بعد تدخل منظمة الدول الأمريكية، وتم إطلاق اسمين هما “حرب كرة القدم” و”حرب المائة ساعة” على تلك الأحداث.
كرة القدم توقف الحرب العالمية الأولى مؤقتًا
في 28 يوليو عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى أو كما تسمي “الحرب العظمى” بين بريطانيا وفرنسا وروسيا من جانب وألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، وبعد اتساع الحرب انضمت بعض الدول الأخرى لكل جانب مثل إيطاليا واليابان والولايات المتحدة والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا.
بدون اتفاق رسمي توقفت الحرب لمدة يوم واحد تحت مصطلح ما يسمي بـ “هدنة الكريسماس”، خلال الهدنة قام بعض الجنود من الجانبين بالتجمع في منطقة بين أحد المعسكرين بالقرب من قرية ميسينز وقاموا بتبادل الهدايا التذكارية وأزرار بدلة الحرب والأطعمة.
أثناء تلك الأجواء السعيدة لعب الجانبان مباراة كرة قدم واطأصبحت فيما بعد أحد أهم الصور التي أبرزتها الحروب حيث تحولوا فجأة من تنافس بالرصاص إلى التنافس على تسجيل الأهداف في مباراة كرة قدم.
اقرأ أيضًا:
بيلية يوقف حرب نيجيريا
لا شك أن شعبية اللاعب البرازيلي بيليه، في السيتينات من القرن الماضي لم يكن لها مثيل، حيث كان هو اللاعب الأكثر شهرة ومتابعة في العالم.
كان بيليه يقوم بجولات كثيرة كل عام في جميع دول العالم، سواء منفردًا أو مع فريقه سانتوس صاحب الشعبية الصارخة في البرازيل، وخلال إحدى جولات الجوهرة البرازيلية مع فريقه في القارة السمراء، اندلعت الحرب من جديد بين نيجيريا ودولة انفصالية سابقة اسمها بيافرا، بسبب رغبتهم في الانفصال عن الحكومة المركزية في نيجيريا، حرب استمرت على مدار عامين من القتل والعنف الداخلي في نيجيريا، الأمر الذي ذهب ضحيته نحو مليوني مدني وتشرد أكثر من 4 ملايين آخرين.
وصل سانتوس، في منتصف الحرب للعب مباراة في لاجوس عاصمة نيجيريا، وعندما وصلوا إلى لاجوس توقفت الحرب وأبرمت نيجيريا هدنة مع بيافرا لمدة 48 ساعة، وتم فتح الجسر الفاصل بين المعسكرين وشاهد الجانبين المباراة بحضور 25 الف متفرج.
كرة القدم هي رياضة تنافسية رائعة، يمكن أن تستغل في أكثر من اتجاه، وأحيانًا يستغلها السياسيون لتحقيق أغراضهم سواء كانت جيدة أو شريرة بطبيعة الحال، ويمكن أن توحد الجميع علي قلب رجل واحد، في السلام وفي أعظم الأزمات وحتى في الحرب.