أن تكوني امرأة وسط مجتمع ذكوري، وتتاح لكِ الفرصة بأن تكوني قائدة قادرة على إخراج ما تعانيه المرأة داخل مجتمعك العربي، وتوضحي ذلك على الشاشات المختلفة بكل وضوح، فعليك حينها أن تستغلي هذه الفرصة أفضل استغلال لكي تقدمي الرسالة التي اُتيحت لكِ أن تكوني رائدة بها، وأن تحققي بالفعل النجاح المنفرد الذي لم يفكر به أحد من قبلك.
هذا ما حاولت المخرجة إيناس الدغيدي، أن تقوم به منذ بداية ظهورها في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بعد أن عملت كمساعد مخرج لعدة سنوات، متمرسة تحت أيدي مدارس إخراجية مختلفة منها المخرج محمد فاضل في فيلم “حب في الزنزانة” وهنري بركات في “أفواه وأرانب” و”ليلة القبض على فاطمة” وغيره، إلى أن وطأت كاميرتها الخاصة كمخرجة مع نجلاء فتحي في فيلم “عفوًا أيها القانون”، والذي كان أول ما عبر عن وجهة نظرها وما ستقدمه خلال سنواتها القادمة، من خلال عرضها للسلطة الأبوية والذكورية للمجتمع من خلال فريد شوقي الأب الذي يسعى إلى أن يحافظ على أموال عائلته من خلال تزويج نجله لابنة شقيقه التي لا تُنجب ويحاول أن يستأجر رحم لامرأة أخرى من خلال تزويج نجله لها، لينهي حياة 3 أشخاص رغبة في تحقيق أحلامه بأن يكون جدًا، وشارك في هذا العمل محمود عبد العزيز و صفية العمري وهو من تأليف إبراهيم الموجي ومن سيناريو وحوار إيناس الدغيدي.
حاولت إيناس الدغيدي، أن تثب أقدامها من خلال عدد من الأفلام السينمائية والتي كانت منها “التحدي” و”زمن الممنوع” و”قضية سميحة بدران” وغيرهما.
اقرأ أيضًا:
امرأة واحدة لا تكفي.. بداية فضح الرجل
بدأت إيناس الدغيدي، اقتحام عالم الرجال والسياسة معًا من خلال فيلم “امرأة واحدة لا تكفي”، والتي أكدت من خلاله أن الرجل بطبعه يبحث عن العلاقات النسائية المتعددة في حياته، باختلاف طبقاتهم الاجتماعية وأنماطهم الفكرية، فكان البطل يحب سيدة الأعمال ويميل إلى صاحبة النظرية الثورية ويجذب قلب السيدة الأمية الفقيرة له.
كما تعرض الفيلم لعدد من الانتقادات السياسية بسبب إظهار محاولات سيطرة رأس المال الديني على الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر في بداية التسعينيات.
شارك في بطولة هذا الفيلم يسرا وأحمد زكي وحسن مصطفى وسماح أنور وفيفي عبده ومن تأليف عماد الدين أديب وسيناريو وحوار عبد الحي أديب.
الجرأة والعري الوسيلة للشهرة والانتقاد
مع حلول عام 1995، قررت إيناس الدغيدي أن تواجه المجتمع بشكل صارخ لا مواربة به، وأن تكون كاشفة لما يدور وراء الأبواب المغلقة، بتقديمها فيلم “لحم رخيص”، والذي ناقش قضية تزويج الفتيات القاصرات والشابات من أثرياء عرب يكبرون عنهن سنًا، وازدادت ضربتها قوة حين ناقشت زواج المسيار وما يشببه، فما كان عليها بعد عرض هذا الفيلم إلا الهجوم نتيجة لما تناوله الفيلم من مشاهد اعتبرها الكثيرين جريئة بشكل زائد عن الحد، كما تم اتهامها أن تستخدم العري والجرأة فيما تقدم حتى تزداد شهرتها.
وفي ذلك قال الناقد رامي المتولي لـ “مصر 360″، إن إيناس الدغيدي قدمت ما يدور في المجتمع بشكل واضح وجريء في بعض الأحيان، ولكن حين يتم تقديم وجبة دسمة من المشكلات الاجتماعية في فيلم مثل “لحم رخيص” أو مناقشة مكشلة الذكورة في فيلم “استاكوزا”، من الطبيعي أن يتم مهاجمتها، فهذا جديد إلى حد ما على المجتمع حينها وخاصة أنه مع ذلك الوقت كانت بدأت التيارات الإسلامية تأخذ مساحتها في الشارع.
وأضاف، لا يمكننا اعتبار أن كل ما قدمته إيناس الدغيدي زائد عن الحد، ولكنها كانت تعتمد أحيانًا على المبالغة حتى تحصل على الصدى الأكبر وخاصة أنها تناقش مشكلات شائكة، لم يتم تداولها سينمائيًا قبل ذلك.
إيناس الدغيدي أمام المحاكم بسبب أفلامها
مع قرار إيناس الدغيدي بأن تدخل كما يقال “عش الدبابير” المجتمعية، قدمت فيلم “كلام الليل”، الذي أظهر كبار رجال المجتمع على أسرة الدعارة لكي يقوموا بإنهاء أعمال اقتصادية أو زيادة في النفوذ، وقد تعرضت كلًا من بطلة العمل يسرا وإيناس الدغيدي إلى تهمة خيانة الوطن بسبب سوء فهم لجالا فهمي بطلة العمل أثناء التصوير، ولكن تم تبرئتهم من هذه التهمة فيما بعد.
أما فيلم “مذكرات مراهقة” والذي تم رفضه للمرة الأولى من قبل الجهات الرقابية بعد إعداده لعامين ونصف، ثم بعد ذلك رفضته الرقابة مرة أخرى بسبب احتواءه على مشاهد اعتبرتها الرقابة جريئة بشكل زائد عن الحد، إلى أن تم عرضه أخيرًا بالسينمات، ليواجه قضية أخرى تطالب بمنعه من العرض، وذلك ما تناولته نص الفيلم من تحريض الفتيات بالخروج على آداب المجتمع وممارسة الحب بعيدًا الأعراف والتقاليد المجتمعية، وقد شارك في هذا الفيلم هند صبري وأحمد عز ومن تأليف عبد الحي أديب.
اقرأ أيضًا:
وعن هذه الأفلام قال الناقد عصام زكريا، أن إيناس الدغيدي واجهت المجتمع بما فيه من مشكلات ولكن كان هناك استخدام للمشاهد الجريئة أكثر من اللازم وكان يمكن عرضها بصورة أقل مما عُرضت به، وكان لن يقلل هذا من الحبكة الدرامية للعمل في شيء.
وأضاف في تصريح لـ “مصر 360″، أن الهجوم الذي تعرضت له الدغيدي بسبب هذه الأعمال البعض منه كان في محله طبقًا لطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، ولكنها كانت تصّر على الوقوف أمام الجميع بشكل صارخ.
الباحثات عن الحرية وأحلام إيناس الدغيدي الضائعة
قدمت إيناس الدغيدي عام 2005، فيلم “الباحثات عن الحرية”، والتي حاولت من خلاله التعبير عما تتعرض له المرأة العربية من كبت للحريات في بلادها، باختلاف أنواع هذا الكبت حتى الجنسي منه، لتواجه أيضًا بدعوى قضائية تطالب بوقف عرض الفيلم بتهمة الإساءة لسمعة الفتيات المصريات، ولكن يتم استكمال عرض الفيلم.
ليكون آخر الأفلام التي قامت الدغيدي بإخراجه هو “مجنون أميرة”، والذي لاقى فشل ذريع على المستوى النقدي والمادي، والذي ندمت هي أيضًا على تقديمه، ليظل يراودها حلم تقديم عمل فني عن زنا المحارم، انتهت من كتابة السيناريو الخاص به وهو عبارة عن قصص حقيقية من عدة دول عربية ولكنها لم تقم بتنفيذها حتى الآن.
لتصبح إيناس الدغيدي المخرجة العربية الوحيدة التي لعبت على خط النار في اختبار المواضيع المجتمعية الجريئة التي تقم بمناقشتها وفي ذات الوقت قد تكون اساءت لها بما عرضته عنها بشكل فج أصاب الجمهور بحالة من النفور.