“لمدة 110 أيام لم أرى أبنائي، خدمة المرضى كانت ولا زالت الأهم، دعوات المرضى هي من دفعتني للاستمرار في القيام بمهمتي”.. كلمات قالتها الطبيبة “ميرفت السيد”، مدير مستشفى العجمي بمحافظة الإسكندرية، التي قضت خلالها 110 أيام في العزل الصحي، بعد تجهيز المستشفى لتكون واحدة من مستشفيات العزل واستقبال مصابي “كورونا”.

مع بداية أزمة كورونا، أصبح الأطباء هم خط الدفاع الأول في مواجهة الفيروس، ليُظهر هذا الخط العديد من النماذج النسائية التي قررت مكافحته، لتكن هذه النماذج بمثابة الأيدي الناعمة التي تقدم يد العون للمصابين.

 

“اقضي على الكورونا علشان ترجعي”

الدكتورة ميرفت السيد، تبلغ من العمر 35 عامًا، تدرجت في العديد من المناصب حتى تولت منصب مدير مستشفى العجمي، بعد تجهيز المستشفى لتصبح واحدة من مستشفيات العزل في محافظة الإسكندرية، خبرتها في قسم الطوارئ، ودراستها لطب الكوارث والأمراض المعدية، جعلها تتقدم الصفوف الأولى لمواجهة الفيروس، وعلى الرغم من أنه فيروس جديد لا توجد معلومات كاملة عنه، أو عن مخاطره ومخاطر الإصابة به، لكن الدور المهني والإنساني كان في مقدمة أولويات الطبيبة، فلم تتردد في اتخاذ القرار، والبقاء في المستشفى 110 أيام بعيدة عن زوجها وأطفالها، إيمانا منها أنه دون محاربة الفيروس في المستشفيات، سينتقل للمنازل ويصيب الجميع.

 

اقرأ أيضًا:

قبض وإخفاء ثم ظهور.. ما الذي جرى لرئيسة تحرير المنصة؟

 

“اقضي على الكورونا علشان ترجعي”، تلقت الأم تلك العبارة من نجلها الصغير، لتكون حافزًا لها على الاستمرار، كما أن زوجها كان الداعم الأول والأخير لها، فكان يصطحب طفليهما، ويزورها في المستشفى من خارج الأسوار، لتطمئن عليهم، ويطمئنوا عليها، حتى جاء عيد ميلاد نجلها واحتفلت به من خلف أسوار المستشفى أيضًا.

 

وعاشت الطبيبة مشاعر مختلطة بصحبة الفريق الطبي بالمستشفى، ما بين مشاعر بالفرحة والسعادة عند شفاء الحالات المصابة بالفيروس وخروجها من المستشفى، وبين مشاعر الحزن على وفاة المرضى الآخرين الذين لم يستطيعوا مقاومة الفيروس المستجد، لتكون تلك المشاعر أكثر قسوة عندما يكون المتوفى هو واحدا من الفريق الطبي بالمستشفى.

تحديات نفسية

الطبيبة “سلوى حسن”، إحدى الطبيبات بمستشفى عزل قها، تروي أن تجربة العزل تضع الطبيبات في تحديات نفسية، ما بين مشاعر من الخوف لترك الأسرة والأبناء، وتخوفات أيضًا من نقل العدوى لأحد أفراد الأسرة، فكانت جميعها مشاعر وأفكار دارت في ذهنها عند تلقيها نبأ تكليفها بمستشفى العزل، لتقرر مشاركة أبنائها في التجربة، وشرحها لهم بشكل مبسط، وتهوين الأمر عليهم أيضًا.

جلست الطبيبة الشابة مع أبنائها، لتخبرهم أنها ستغيب عنهم لعدد من الأيام، لأن دورها كطبيبة يقضي تواجدها في هذا الوقت الحرج بالمستشفى، كان الأمر في البداية صعبًا على 3 أطفال لا تتعدى أعمارهم 7 سنوات، ولكنها قررت مشاركة التجربة معهم.

قضت الطبيبة 12 يومًا في المستشفى، كانت تتواصل مع أطفالها مرة واحدة يوميًا، وتقضي بقية اليوم في المستشفى مع الفريق الطبي، لمتابعة الحالات، ليصبح على عاتقها دورين، الأول وهو الدور الطبي لكونها طبيبة، والثاني طمأنة المرضى بأن الأزمة ستزول، وطمأنة أطفالها أيضًا بأن الوقت سيمر وستعود لهم مجددًا.

 

مستشفى قها للحجر الصحي، وجهت رسالة تقدير إلى الطبيبات المشاركات في الفريق الطبي، ووصفتهن بـ”زهرات الوطن”، في مواجهة الجائحة، والمشاركة في محاربة الوباء.

تغسيل الموتى 

يواجه الفريق الطبي لحظات حرجة منذ بداية الأزمة، ففي مستشفى حجر أبو تيج بإحدى قرى أسيوط، وضعت سيدة مصابة بكورونا طفلين توأم، وتوفيت عقب الولادة، لتقرر الطبيبة شيرين عبد الواحد تغسيلها، وتواصلت الطبيبة مع أحد أقاربها للسؤال عن طريقة الغسل الشرعية، وارتدت القناع الواقي والملابس الطبية، متخذة كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة، قبل الدخول لغرفة تغسيل الموتى، لتصبح بعد ذلك الطبيبة متعهدة لتغسيل موتى كورونا في المستشفى.

 

أخبار عدة صادمة تداولتها صحف ومواقع مختلفة، حول ترك أهالي جثث ذويهم خوفًا من العدوى، أو الهروب من المصابين، أو تعرضهم للوصم والعار والنبذ أيضًا، لتضع الفريق الطبي في تحديات نفسية جديدة، ففي المستشفى التي تعمل بها الطبيبة شيرين عبد الواحد، رفض أحد الأبناء الذهاب لوالده للصلاة عليه، وظل لمدة 24 ساعة في ثلاجة حفظ الموتى، لتكون تلك المواقف سببًا جديدًا في حرص الطبيبة الشابة على ذهاب المتوفين لمثواهم الأخير في أحسن صورة بحسب قولها، مع إتمام كافة الإجراءات من الغسل والتكفين.

قضت الطبيبة شهرين متتابعين في المستشفى، كانت تتواصل خلالهما مع طفلتيها عبر “فيديو كول”، حتى ذهبت لهن لمدة 15 يومًا لتعود لعملها مجددًا، ولرحلتها في مداواة المرضى، وتغسيل المتوفين في المستشفى أيضًا.

 

وشهدت مستشفى النجيلة موقفًا مشابهًا أيضًا، حيث توفيت سيدة مسنة مصابة بالفيروس تبلغ من العمر 62 عامًا، ورفض أهلها استقبالها، فقررت إحدى الطبيبات في المستشفى تغسيلها وتكفينها، بعد تخلي أسرتها عنها، وتمت الصلاة عليها في المستشفى.

حرب ضد الوباء

نشر موقع “بي بي سي” تقريرًا في اليوم العالمي للممرضات في 12 مايو الماضي، تحدث خلاله مع 3 من الممرضات حول التحديات اللاتي تواجههن في محاربة الفيروس، وتحدث الممرضات خلال التقرير عن فرحتهن عند تعافي أحد المصابين، وعن محاولاتهن أيضًا في التخفيف عن المرضى حتى في الساعات الأخيرة من حياتهم، والتأكيد لهم أن الأمر حتما سيزول.

 

اقرأ أيضًا:

الأحزاب المصرية ودعم مفاوضات السد.. التهميش يشل الدبلوماسية الشعبية

 

الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، ثمنت في بيان صادر عن المجلس، تضحيات طبيبات وممرضات مصر، مؤكدة أنهن يخضن حربًا ضد وباء جائح، ويتصدرن له بكل قوة وشجاعة، وفي الوقت الذي يلتزم جميع أفراد المجتمع منازلهم، تحارب الطبيبات والممرضات الوباء.

ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية، تقريرًا عن 4 طبيبات يعملن بإحدى مستشفيات العزل في إسبانيا، يستقبلهن الجيران عند عودتهن للمنزل بالتصفيق، تقديرًا لجهودهن في محاربة الفيروس.

 

وفيات القطاع الطبي

الأزمة مستمرة بعد، والجائحة لم تنتهي، ومع استمرار انتشار الفيروس، يصاب المواطنون وأفراد الطاقم الطبي أيضًا، فهم أكثر عرضه للإصابة بسبب التعامل المباشر مع المرضى والمصابين، ويقول الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، إن عدد شهداء الأطباء بسبب الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وصل94 طبيبا، وعدد الإصابات بين الأطباء بفيروس كورونا، والتي تمكنت النقابة من رصدها وصل لـ430 إصابة، مشيرًا إلى أن نسبة الوفيات بين الأطباء تتراوح بين 5 إلى 7%.

وتخرج وزارة الصحة بتقرير يومي عن عدد الإصابات بفيروس كورونا، وعدد الوفيات أيضًا، لتخبرنا تلك الأرقام أن الجائحة مستمرة، ومعها أيضًا بطولات لطبيبات يواجهن الفيروس في الصفوف الأولى، ويقدمن يد العون للمرضى.