أقرت هيئة قناة السويس أخيرًا زيادة جديدة في رسوم عبور السفن للقناة، بنسبة 6% خلال 2022. على أن يبدأ التطبيق أوائل فبراير/شباط المقبل. وذلك باستثناء السفن السياحية، وناقلات الغاز الطبيعي المسال. وهو قرار يتزامن مع الإعلان عن توقعات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، باستمرار نمو حركة التجارة العالمية. وكذا ارتفاع الطلب على النقل البحري، بمعدلات تصل إلى 6.7 % و4.7 % على الترتيب في عام 2022.
ففي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت هيئة القناة أنها ستطبق استراتيجية تسعيرية وتسويقية جديدة ومتوازنة ومرنة تحقق مصالحها وعملائها. بينما أوضحت أن هذه الاستراتيجية الجديدة تراعي الظروف الاقتصادية العالمية ومتغيراتها المختلفة. كما أنها تعتمد فيها آليات واضحة تتضمن تقدير رسوم عبور السفن، بما يتيح تقديم الخدمات الملاحية لعبور القناة. وذلك وفق سياسة نموذجية تضمن الحفاظ على ريادة القناة، تجعلها الاختيار الأمثل والأسرع والأقصر للعملاء، مقارنة بالطرق المنافسة الأخرى. ما يأتي بالتكامل مع المنشورات الملاحية التي تصدرها وتجددها الهيئة وفق المتغيرات الآنية لكل من فئات السفن العابرة.
كذلك، قالت الهيئة إن قرارات تحديد رسوم عبور قناة السويس والسياسات التسويقية المرنة تخضع لدراسات مستفيضة يعدها خبراء الوحدة الاقتصادية التابعة لإدارة التخطيط والبحوث والدراسات بالهيئة. وإن هذه الدراسات مبنية على متابعة دقيقة ومتفحصة لكافة المتغيرات المتعلقة بسوق النقل البحري. إلى جانب مؤشرات الاقتصاد العالمي، وحركة التجارة العالمية. فضلاً عن مراجعة التقارير الدورية والتوصيات الصادرة عن المنظمات والمؤسسات العاملة في صناعة النقل البحري، وتقديرات المؤسسات المالية العالمية. ومن بينها صندوق النقد الدولي.
ثقة تعويم إيفرجين.. هل تتأثر حركة السفن بزيادة الرسوم؟
تتباين آراء خبراء الملاحة والاقتصاد حول مدى تأثر حركة عبور السفن في قناة السويس بقرار تحريك الرسوم المقرر بواقع 6 %. فيرجح البعض أن تزايد التبادل التجاري وحركة الطلب على النفط العالمي سيعززان الإقبال على القناة في 2022. ما يجعلها المسار الملاحي الأفضل في الانتقال من أوروبا إلى شرق أسيا، لقصر زمن الرحلة البحرية عبرها. بينما يرى آخرون أن الشركات التي تمر عبر القناة لم تكن مستعدة لهذه الزيادة في هذا الوقت بالتحديد.
يرى الخبير الاقتصادي أشرف غراب أن نجاح قناة السويس في تعويم السفينة إيفرجرين منح الهيئة ثقة شركات الملاحة في قدرة القناة على مواجهة التحديات، ومرونة حركة التجارة عبرها. وبالتالي تقبل أي قرار بتحريك رسوم العبور.
وهو يشير إلى أن الزيادة التي أعلنت هي إجراء طبيعي في ظل التعافي الاقتصادي العالمي من أزمة كورونا، واحتمالية نمو حركة التبادل التجاري عبر القناة خلال 2022. بينما قرار إعفاء السفن السياحية وناقلات الغاز المسال من الزيادة هو ما يسهم في خلق تقبل عالمي لقرار تحريك الرسوم. وبالتالي عدم تأثر نسب النمو المتوقعة العام المقبل.
القناة المسار الملاحي الأفضل
“قناة السويس تعتبر هي المسار الملاحي الأفضل لعبور السفن خلال الوقت الراهن. لأنها تساهم في اختصار زمن الرحلة بين الموانئ الأوربية ونظيرتها في الشرق الأوسط”؛ يقول القطبان محمد أبوحشيش، مدير عام الشركة المصرية الدولية للتوكيلات الملاحية ببورسعيد. وهو لا يرى إشكالية في الرسوم الجديدة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن العبور من قناة السويس يخفض مصروفات شحن الحاويات للخطوط الملاحية خلال تلك الرحلات، مقارنة بالمسارات الملاحية البديلة مثل طريق رأس الرجاء الصالح، الذي تزيد مدة الرحلة فيه إلى نحو 9 أيام إضافية عند قطع المسافة بين الشرق والغرب.
وينفى أبوحشيش احتمالية تأثر القناة بشكل سلبي بعد زيادة رسوم عبور السفن. نظرًا لتحسن حركة التجارة العالمية المتوقع نموها خلال العام المقبل.
أما الخبير الاقتصادي رمضان أبوالعلا، فيقول إن غالبية الشركات التي تمر عبر قناة السويس عانت لفترة طويلة من الخسائر الاقتصادية بسبب جائحة كورونا. وقد أثرت في إيرادات وأرباح كبريات الشركات الاستثمارية عالميًا. وبالتالي لم تكن تلك الشركات مستعدة لأي زيادة في أسعار النقل والشحن سواء عبر قناة السويس أو غيرها من الطرق البديلة.
وهو يضيف، لـ “مصر 360″، أن تعويض خسائر العامين الماضيين كان يتطلب مزيدًا من الحوافز للشركات الاستثمارية. لكن كل طرف يبحث عن مصلحته وتحقيق أقصى قدر من الإيرادات ومعدلات النمو خلال الفترة المقبلة. وبالتالي سعت هيئة قناة السويس خلف ما يحقق مصلحتها.
ويتابع بأن الشركات ستعاني من رسوم النقل والشحن على المستوى العالمي. ما قد يتسبب بشكل مباشر في تحريك أسعار غالبية المنتجات التي تستحوذ على نسبة كبيرة من حركة التجارة عالميًا. ويضيف أن حركة النقل في قناة السويس قد تتأثر لفترة خاصة. ويشير إلى أن هناك موجات مستمرة من متحورات كورونا المؤثرة على الاقتصاديات المختلفة. وبالتالي سيظل التأثر حتى تتأقلم الشركات على أسعار الرسوم الجديدة ومن ثم تعود لطبيعتها.
الرسوم ثابتة منذ 7 سنوات
وصرحت مصادر مسؤولة بهيئة قناة السويس، إن زيادة الرسوم الجديدة لا تسري على السفن السياحية. ذلك باعتبارها الأكثر تأثرًا بأزمة فيروس كورونا. خاصة وأن قطاع السياحة تأثر بخسارة كبيرة للغاية بسبب الجائحة، ولايزال يعاني منها حتى الآن. وبالتالي جرى استثنائها تماشيًا مع الظروف العالمية، وتشجيعًا للسياحة والسفن السياحية.
ولم تقدم هيئة القناة على زيادة أسعار رسوم العبور منذ 7 سنوات، وبسبب فيروس كورونا، تقرر تأجيل الزيادة في 2020، تماشيًا مع الأحوال الاقتصادية للنقل البحري، بتقديم تخفيضات بين 17% لـ75%.
أوضحت المصادر أن قرار تطبيق زيادة أسعار عبور السفن بقناة السويس بنسبة 6% بداية من فبراير 2022، يأتي لمنح فرصة للشركات لجدولة أمورها خلال الأشهر المقبلة.
80 % من التجارة العالمية تمر بحريًا
وحول حركة التجارة العالمية، يقول الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، إن إيرادات قناة السويس هذا العام غير مسبوقة. ذلك رغم تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.
وبالمقارنة بين عامي 2020 و2021 في الفترة من يناير حتى أكتوبر، نجد أن أعداد السفن زادت بنسبة 8.8%، حيث مر بالقناة 15 ألف سفينة عام 2020، مقابل 17 ألف سفينة هذا العام، كما زاد العائد من الدولار بنسبة 12.4%، وكان 4.6 مليار دولار في العام الماضي، وأصبح 5.2 مليار دولار في 2021.
وخلال مداخلة هاتفية للفريق أسامة ربيع ببرنامج “90 دقيقة”، أكد أن العالم بدأ يتعامل مع تداعيات كورونا، وبخاصة أن 80% من التجارة العالمية تمر بحريًا، منها 12% في القناة، وبالتالي لم يعد هناك مجال للغلق، موضحًا أن القناة ترفع رسوم المرور بنسبة 6%؛ بداية من فبراير المقبل؛ إذ أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي معدلات نمو تقترب من 6% في عام 2021-2022.
وقال “ربيع” إن الهيئة تعمل على الانتهاء من مشروع التوسعة المجرى وتنفيذه خلال الفترة الحالية بنهاية 2022 أو منتصف عام 2023 بحد أقصى. وأعلنت هيئة قناة السويس عن عبور 1.3 مليار طن بضائع، وتحقيق 6.1 مليار دولار إيرادات خلال العام الجاري 2021
الرسوم تعظم الإيرادات الدولارية والاحتياطي النقدي
يرى أحمد معطي الخبير الاقتصادي، أن زيادة رسوم عبور السفن قناة السويس يعظم من إيرادات الهيئة خلال العام المقبل. لما في ذلك من زيادة بالعائد الدولاري من العملات الأجنبية، وما يترتب عليه من ارتفاع نسبة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
ويوضح، في حديثه لـ “مصر 360″، أن زيادة العائد الدولاري يعزز بالتبعية من أوجه الإنفاق العام بالدولة نحو القطاعات الأكثر احتياحًا في الموازنة العامة مثل الصحة والتعليم والطرق والمواصلات ومخصصات الضمان الاجتماعي الموجه للفقراء ومحدودي الدخل. وهو يلفت إلى أن قرار الزيادة لابد أن يعقبه اهتمام بالخدمات اللوجستية المقدمة للسفن العابرة. في الوقت الذي يتوقع فيه زيادة بمعدلات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، عقب التعافي التدريجي من تأثيرات جائحة كورونا.