مساء الأربعاء الماضي، أعلنت شركة فيس بوك عن مجلس الإشراف العالمي الخاص بالرقابة على محتوى منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة، فيس بوك و إنستجرام.
بحسب ما جاء في الإعلان، فإن المجلس أشبه بـ”محكمة عليا” تبت في أكثر القضايا حساسية مثل التحريض على الكراهية والتحرش، بما يشمل البت أيضًا في حذف بعض المنشورات أو الحسابات، والتمتع بسلطة اتخاذ قرارات مُلزمة.
هيئة مثل هذه ينبغي أن تُبنى على قواعد وضوابط تحكم كل خطوة فيها منذ التأسيس مرورًا باختيار الأعضاء ووصولا إلى الضوابط التي ستحكم عمل الأعضاء، ووضع السياسات لمنع وجود أي شبهة تحيز أو فرض أهواء وميول شخصية في عملية صنع قرارٍ يتعلق بشكل مباشر بحرية التعبير وحق المستخدم في إبداء رأيه بحرية.
ما جاء به البيان لا يحمل أي تفاصيل عن مثل هذه القواعد والضوابط. وكتب الرؤساء المشاركون الأربعة للمجلس -الذي يتكون من ثلاثة خبراء قانونيين ورئيسة وزراء الدنمارك السابقة، “هيلي ثورننغ-شميت”- مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز، لم يختلف كثيرًا عن البيان الذي نشر في اليوم السابق له. المقال والبيان أوضحا أن عملية الاختيار تمت من خلال تصويت الجمهور وترشيحات أخرى، ثم مقابلات مع الأعضاء المرشحين وأخيرًا الإعلان.
الواقع لا يعرف الجمهور العربي، وهي شريحة كبيرة تمثل الملايين من مستخدمي فيس بوك، شيئًا عن ذلك الترشيح الذي كان ينبغي أن يشاركوا فيه، ولم يفصح الأعضاء عن معاييرهم في اختيار الأعضاء الـ 16 الذين تم الإعلان عنهم، وهذا كفيل بأن يبعث بالقلق بشأن عدم الحياد والتحيز.
الأمر الذي أثار غضب الجمهور العربي، هو اختيار الممثل الخاص بهم (الذي لم يشاركوا في التصويت له) من فصيل يحمل أيديولوجية متطرفة نبذها المصريون في عام 2013 وكان عقابهم سلسالًا من الدم وجرائم عنيفة طالت فئات المجتمع المختلفة، على رأسهم الجيش والشرطة، والهجمات الإرهابية الدموية على الكنائس وسط القاهرة وخارجها، ومجزرة مسجد بئر العبد في سيناء التي راح ضحيتها أكثر من 300 مُصلٍّ. فربما لا يتسع الحديث هنا لسلسلة الجرائم التي لم تنتهِ بعد.
اختيار الناشطة اليمنية توكل كرمان، التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين يحمل الكثير من علامات الاستفهام. فرؤساء المجلس قالوا إنهم أرادوا تشكيلة من أعضاء لديهم خلفيات مهنية وثقافية ودينية ووجهات نظر سياسية؛ ليمثلوا طيفًا واسعًا من المناطق حول العالم، الذين عاشوا في أكثر من 27 دولة ويتحدثون 29 لغة على الأقل. التنوع حتمًا شيء عظيم، لكن اختيار شخصية خلافية تحمل توجهات أيديولوجية متطرفة ينبذها العالم العربي ولها تاريخ من العنف والقتل، لمنصب يتعلق بحرية الرأي أمر يحمل الكثير من التحيز، خاصة عندما يغيب الكشف عن معايير اختيار هذه الشخصية.
كرمان لها تاريخ من الآراء الداعمة للعمليات الإرهابية في مصر، وقامت مرارًا بحظر منتقديها على حسابها بموقع تويتر مما يعني أنها لا تؤمن بحرية الرأي. السؤال أيضًا، هل لا يوجد في العالم العربي شخصية ليبرالية يحترمها ويثق بها الجميع، يمكن أن تمثله. يبدو أن الاختيار تم بناء على كونها حاملة لجائزة نوبل للسلام فقط، وهو معيار معيب لأن هذه الفئة من الجائزة الدولية المرموقة عليها الكثير من الجدل داخل الدوائر الغربية نظرًا لابتعادها عن الهدف الأساسي الذي خُصصت لأجله، ونظرًا لتاريخ مثير للجدل لعدد ممن حصلوا عليها.
ففي أكتوبر 2017، نشرت مجلة “فورين بوليسي”، الأميركية، مقالًا للمؤرخ البريطاني ريتشارد إيفانز، يتحدث فيه عن كيف ضلت الجائزة طريقها فأصبحت وِسامًا لأعمال حقوق الإنسان وخانت نوايا مؤسسها. وكتب يقول: إنه “على عكس جوائز نوبل الأخرى التي كانت خالية من الجدل، فإن جائزة السلام التي خصصت لصناع السلام الدولي أصبحت ميدالية حسن سلوك عام، الأمر الذي يترك غصة في الحلق عندما يتبين أن حامليها أقدامهم ملوثة بالطين”. وهذا كفيل بألا يجعل اختيار كرمان على هذا الأساس، كافيًا لمهمة التحكم في آراء الملايين.
من حق المستخدم العربي أن يقلق من تقييد حريته عندما يكتب منشورًا يخالف أيديولوجية هذه السيدة، أو ينتقد تنظيم الإخوان، المصنف بالفعل كجماعة إرهابية في العديد من الدول العربية، والتي تدرس الولايات المتحدة نفسها تصنيفه كجماعة إرهابية أجنبية، وهناك مشروع قرار في الكونجرس مقدم في هذا الصدد. من حق المستخدم العربي والمسلم أن يقلق من استغلال الإسلامويين الذين تنتمي لهم كرمان، لمصطلح “الإسلاموفوبيا” في حماية والدفاع عن أيديولوجيتهم وخطابات الكراهية التي يبثونها ضد من يعارضهم في دول الشرق الأوسط والعالم.
وطالما شكا المسلمون الليبراليون أن هذا المصطلح الذي يعبِّر عن التحيز ضد المسلمين، يُجرى استغلاله من قِبَل التيارات الإسلاموية في الغرب لتصوير أي خطابات مناهضة لهم على أنها كراهية ضد المسلمين. ففي مقابلة أَجرَيتها في نيويورك في نوفمبر 2019، مع الدكتور محمد زهدي جاسر، رئيس المنتدى الأمريكي الإسلامي للديمقراطية -نُشِرت في صحيفة اليوم السابع- قال: إن “التيارات الإسلاموية تتاجر بالإسلاموفوبيا للترويج لأجندتهم”. ومع وجود عنصر يحمل الأيديولوجية نفسها داخل مجلس حكماء فيس بوك، فربما يتم حذف الكثير من المنشورات المناهضة لجماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الخارجة عن عباءتها، بداعي التحريض على الكراهية، ناهيك عن حذف المنشورات التي تنتقد سياسات الأنظمة الداعمة لهم في المنطقة والمعروفة بين صفوف الساسة والخبراء الغربيين، وهنا أقصد قطر وتركيا.
بحسب بيان فيس بوك فالمجلس سيتكون من 40 عضوًا؛ إذ لا تزال عملية الاختيار جارية لتعيين 20 عضوًا آخرين، لذا على الشعوب العربية أن تصل صوتها برفض هذا التعيين والضغط من أجل أن يكون، على الأقل، هناك توازن في الشخصيات الممثلة للمنطقة. وهذه المسؤولية تقع بشكل رئيسي على عاتق الجماعات الحقوقية العربية والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير من خلال عريضة أو حملات منسقة تظهر سوابق السلوك الشائن والمتحيز لهذه السيدة.