تضج المحاكم بقضايا العنف الزوجي ضد المرأة، يتبادل المجتمع الحديث دائمًا عن سيدات مقهورات، صاحبات العزيمة والصبر، اللاتي يتحملن ضرب وإهانة وتعنيف الرجل بحجة أنه زوجها و”أبو عيالها”، فيغضب لأجلها المجتمع، ويساندها الجميع، أو يوجهها للحصول على حقوقها وحمايتها، وتبدأ مجالس المرأة في إعداد تقاريرها وتفعيل خطوط ساخنة لاستقبال المشكلات وطلبات الاستغاثة التي تطلبها النساء لحمايتهن من الرجال.
يبدو الحديث منطقي ومعتاد إلى الآن، لكنه يُخفي في طياته حقيقة أخرى، وهو إغفال العنف الزوجي الذي تمارسه النساء ضد الرجال، فالمجتمع غالباً لا يريد أن يعترف أن هناك عنف تمارسه الأنثى ضد الذكر، حفاظاً على الهيبة الذكورية المزعومة إلى أن خرج بحث أجراه قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي، كشف أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين في مصر معرضون للضرب من زوجاتهم.
البحث تبعته دراسة أخرى، خرجت عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، توصلت إلى أن نسبة عنف الزوجات ضد أزواجهن تصل إلى 50.6% من إجمال عدد المتزوجين في مصر، وأن العنف يزيد بين الزوجات الأميات بنسبة 87 % مقارنة بالزوجات المتعلمات، وأوضحت الدراسة أن 5.7 % من النساء يستخدمن آلات حادة خلال تعنيفهن لأزواجهن.
الأكثر غرابة أن الدراسة، أشارت إلى أنه بإجراء اختبارات نفسية لتلك الزوجات تبين أن ثلثهن لا ينتابهن أي شعور بالندم عقب ممارسة أفعال العنف، وليست لديهن أي رغبة في التوقف عن تعنيف وتعذيب الأزواج.
وقد أوضح الباحث نصر الدين خليفة، أن الجهل سبب رئيسي في العنف الموجه من النساء للرجال، فأحياناً تشعر المرأة غير المتعلمة أنه لا جدوى للحصول على حقها أو الانتصار في أي نقاش سوى بالعنف الذي تواري خلفه ضعف العقل، وهو نفس مبرر العنف لدى الرجال أيضًا، لكن عنف النساء يتسم بالشراسة أكثر لأنهن يفكرن مباشرة في القتل أو استخدام آلة حادة، أما الرجال فغالباً ما يقبلون على الضرب أو إحداث الألم وليس إنهاء حياة الطرف الآخر.
الخيانة الزوجية
أكثر الأسباب التي وقفت خلف العنف الزوجي ضد الرجال كان بسبب الخيانة الزوجية واكتشاف الزوجة لذلك، بحسب دراسة صادرة عن بحث مقدم من المركزي للبحوث، والذي أوضح أن نسبة 60% من السيدات المكتشفات لخيانة الزوج لهن تلجأن للعنف ضد أزواجهن، غالباً ما تحاول القتل، تلي الخيانة مباشرة سوء الأحوال الاقتصادية، ويتسبب في العنف غالباً في المجتمعات التي تكون فيها الزوجة غير متعلمة، فعندما يجتمع الجهل مع الفقر يتحدان معاً ويشجعان الزوجة على العنف، بل وتصل للقتل أحياناً.
جاء هذا موافقاً لما نشرته الصحف نهاية عام 2018 عن زوجة المعادي التي قتلت زوجها بـ 12 طعنة بعد اكتشافها لخيانته، ثم هربت وأخذت أطفالها معها.
قاتلة رغما عنها
“الجاني الطيب” وصف يبدو مضحك لكنه حقيقي، فيقول محمد سعد، أستاذ علم النفس الجنائي بجامعة القاهرة، إن قضايا قتل الزوجات لأزواجهن غالباً ما ترتبط بأمرين، الأول أن يكون هناك جانب نفسي من القهر والمشكلات النفسية تعاني منها الزوجة أجبرتها على هذا الفعل، وهو وظيفة علم النفس لاكتشافه.
الأمر الثاني، أمر جنائي بحت، فقد تبين أن الجرائم التي ترتكبها الزوجات ضد أزواجهن سواء عنف أو قتل غالباً ما يتم اكتشافها بسهولة، وهو ما لاحظه “سعد” خلال فترة عمله استشاري مساعد للإضرابات السلوكية بأحد مراكز صحة المرأة.
يتذكر” سعد” واقعة أقبلت فيها الزوجة على جلد زوجها كنوع من التعنيف فلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن قيدته وجلدته، فقامت الزوجة بفك قيد الزوج وإخفاء الحبال في دولاب خزانتها الخاصة وبالبحث الجنائي تم اكتشاف الأمر وبمواجهتها انهارت واعترفت، وتبين خلال التحقيقات أن الزوج كان يعنفها جسدياً وجنسيا في بداية زواجهما.
وبعد مرور 10 سنوات أصيب بوعكة صحية جعلته يضعف ويفقد قوته البدنية وهو ما استغلته الزوجة لتعيد كرامتها وترد له الإهانة التي عانت منها طوال السنوات الماضية، وقد طلقها مرتين لكنها اجتهدت لتعود لمنزل الزوجية لتقتص لكرامتها، وأضافت أنها لا تشعر بالندم على الإطلاق حتى بعد وفاته.
أضاف “سعد” أن الرجال عادة يلجأون للشدة للسيطرة قدر المستطاع، وجميع الدراسات أثبتت أنه سواء كان هذا العنف من الرجال للنساء، أو من النساء للرجال في كل الأحوال فهو سلوك سيء جدًا، ومن شأنه أن يهدم منازلًا ويشرد أطفالًا، ويساعد على انتشار الكثير من الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية، للذكور والإناث على حد سواء.