عرّف الآتي.. إنه سؤال مكرر في الامتحانات مع المواد التي يتم دراستها لأول مرة، نهتم بحفظ وفهم التعريفات اللغوية والاصطلاحية، نتعرف إلى التعريفات المختلفة، وكثير منا يسعى جاهدًا لحفظ التعريفات، الحفظ الوظيفي بغرض الإجابة في الامتحانات وسرعان ما تنمحي تلك المصطلحات من عقولنا، ويبهت ظلها، وبشكل أو بآخر كل منا يعرف أهمية وقيمة أن نقف على تعريف الفعل أو العلاقة، وهو ما نسميه في مجال العمل التوصيف الوظيفي، رغم كل هذه الأهمية هل نقف لنعرف ما هو تعريف العلاقة التي سندخلها؟
ولأن كثيرين غير مهتمين بتعريف واضح للعلاقة، فإن هناك خلط يحدث.
في أحد البرامج التليفزيونية وقبل أن تسألني مقدمة البرنامج عن التعافي بعد نهاية علاقة، كانت تتحدث عن العلاقات المتعبة والعلاقات السامة بوصفهما نوعًا واحدًا، فهل فعلًا هما نوعًا واحد؟
كل العلاقات مُتعبة، فنحن ندخل العلاقات ثم نتعرف عليها، نهتم بالانخراط أكثر من قراءة الشروط والتعليمات، شيء أشبه باختيار الموافقة الذي نضغط عليه دون أن نقرأ ما هي الشروط والأحكام، تلك الجملة التي تأتي بحجم أصغر مزيلة لكل الإعلانات والعروض.
تبدأ العلاقات بشرارة سرعان ما تُشعل فتيل البداية، إذ فجأة نتورط في الارتباط، وفي كثير من الحالات تكون الاحتياجات النفسية والعاطفية دافعًا قويًا لسرعة الانطلاق والمضي في علاقة لم نتحدث عنها، فقط نعيشها، الأمر أشبه باحتياجنا لتحميل تطبيق أو برنامج، فنظل نضغط أوافق.. أوافق، دون أن نقف لحظة لنقرأ، لنعرف ما تورطنا به.
مصطلح علاقات سامة له رنين، وذائع الصيت، وهو ما جعل الكثيرون يستخدمونه لوصف علاقات رغم كونها غير ذلك، تكون العلاقات منهكة لأسباب عديدة أهمها التوقعات والصمت.
نحن غرباء ومثيرو تساؤلات، حيث يضع البعض طموحات وتوقعات في علاقة هو لا يعرف ما هي، ولا خصائص الشريك، ولا تحديد واضح للمسئوليات، وعندما لا تتحقق توقعاته يشعر بالخيبة، والخذلان، وربما الفشل، سنقول إن العلاقات ليست وظيفة يمكن أن نضع مواصفات واضحة لها، ونقبل أو نرفض، ما يخص المشاعر صعب تفسيره، وهنا جاء السبب الثاني في تحول العلاقة من حالة سعادة لبناء للوجع نسكنه.
الكثيرون لا يتمتعون بالوضوح، ربما هي التنشئة والثقافة العامة القائمة على التواطؤ وغض البصر عما يحدث طالما أنه خفي، أو يتظاهر فاعلوه بإخفائه، ومن ثم في علاقات الارتباط غالبًا لا يتحدث الأطراف عن احتياجاتهم الحقيقية من العلاقة، قد تكون الفتاة ترتبط فقط لتخرج ممن بيت أهلها، وقد يكون رغبتها في حياة أفضل، وقد يكون رغبتها في إنجاب أطفال، الاحتياجات والرغبات مختلفة في العلاقات، لكن الغالبية لا يتحدثون عن الحقيقة، يحلمون، ويسعون لبناء قصور وهمية، بينما يُخفي كل طرف حقيقة احتياجاته.
الصمت الذي يعنون حياتنا في الأمور الهامة يجعلنا بحاجة إلى إعادة قراءة الشروط والأحكام، مواصفات العلاقة، هل هي ارتباط، هل علاقة مؤقتة، هل هو زواج لتوافق طرفيه ومشروع بناء أسرة، نحن لا نفكر في علاقاتنا بقدر ما نفكر في أي فعل بسيط، لو أن شخص لديه موعد فهو يفكر في ملابسه، وسيلة مواصلاته، ويحدد أمور عديدة حسب طبيعة الموعد وأهميته، ولكننا لا نفعل ذلك في العلاقات.
فقط نتركها لعوامل الزمن والظروف والتوقعات، وسوء الظن ومع الصمت الذي يرفعه الطرفين أو أحد الأطراف شعارًا علشان المركب تمشي، نجد العلاقات تسير نحو نهايتها، وتلال الوجع تزداد حتى تصير جبالًا فنخرج مجروحين ومحبطين، وخاسرين للوقت والمشاعر والثقة.
إننا جميعًا بحاجة دومًا للحوار، بحاجة لمعرفة شكل العلاقة التي ندخلها وأهدافنا منها، ما نستطيع التضحية به وبذله وليس ما نتمنى أن نفعله أو ما نجده، فقبل أن نصف العلاقة بأنها أنهكتنا أو أنها فشلت علينا أن نبذل الجهد لتنجح ولكي تنجح نحتاج أن نفهم العلاقة التي نمضى فيها.