أثارت توجهات الحكومة بوقف إصدار بطاقة التموين للمقبلين على الزواج. وعدم استخراج بطاقة لأكثر من شخصين ممن سبق لهما الزواج أخيرًا. مخاوف من تأثيراتها على معدلات الفقر والأسر الأولى للرعاية. والذين ظلوا يعتبرونها مظلة حماية اجتماعية لمدة 76 عامًا.
أوقفت بوابة دعم مصر الخاصة بوزارة التموين ثلاث خدمات كانت تتيحها بدءًا من الأربعاء الماضي. وهي إضافة الزوجة المحرومة تموينيًا. وإضافة الأفراد الجدد لبطاقات التموين. لكنها أبقت خدمة الفصل لمستفيد من بطاقة إلى أخرى.
وخصصت الموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي نحو 87 مليارًا و222 مليون جنيه لدعم السلع التموينية. مقابل 84 مليارا و487 مليونا بموازنة العام المالي السابق. بينها 50.6 مليار جنيه لدعم الخبز و36.6 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.
المستفيدون من بطاقة التموين
يبلغ عدد مستفيدي دعم الخبز نحو 72 مليون مواطن. بينما يستفيد من دعم السلع الغذائية نحو 64 مليونا. وذلك بواقع 50 جنيها شهريًا لعدد أربعة أفراد مقيدين على البطاقات. بإجمالي 58.5 مليون شخص. وما زاد على ذلك (4 أفراد) 25 جنيهًا شهريًا بعدد 5.1 مليون فرد.
وقبل أشهر استبعدت وزارة التموين بعض المنتفعين من البطاقات. في مقدمتهم الأسرة التي يبلغ استهلاكها للكهرباء أكثر من ألف كيلووات. أو التي تمتلك سيارة موديل أحدث من 2014. وأيضا الأسرة التي لديها حيازة زراعية أكثر من 15 فدانًا. وكذلك التي تدفع جمارك صادرات أكثر من 100 ألف جنيه. أو التي تصل فاتورة استهلاك التليفون المحمول بها إلى أكثر من 800 جنيه. كذلك الأسرة التي تسدد مصاريف مدارس أكثر من 50 ألف جنيه. أو تدفع ضرائب أكثر من 100 ألف جنيه.ومعها الأسرة التي تمتلك راتبًا حكوميًا 15 ألف جنيه.
بطاقة التموين.. لا إضافة للمواليد الجدد
ليست المرة الأولى في تاريخ بطاقات التموين التي تقوم فيها الدولة بوقف ضم فئات من المواطنين. ففي عهد الرئيس الأسبق مبارك توقفت الحكومة 28 عامًا عن تسجيل المواليد الجدد في نظام الدعم. والذي شهد أيضًا رفع الدعم عن الخبز متوسط الجودة والشامي وإنقاص وزن الرغيف من 150 إلى 130 جرامًا.
من 1989 حتى عام 2008 لم يتم إضافة مواليد للبطاقات. وبعد الأزمة المالية العالمية كان أمام الحكومة خياران. أولهما الاتجاه للدعم النقدي والثاني إضافة سلع وخدمات على البطاقة. وفتح إضافة مواليد جدد على البطاقات. ففضلت الحكومة حينها الخيار الثاني.
مع فتح باب إضافة المواليد ارتفع عدد المستفيدين من 54 مليونا إلى 64 مليونا بحسب الدكتور علي المصيلحي وزير التموين الحالي. والذي كان وزيرًا للتموين حينها.
منذ خمسة أعوام تبنت وزارة التموين مبادرات تتعلق بالبطاقات لترشيد الدعم. في مقدمتها تبديل فارق نقاط الخبز بالبطاقات (تقليص الاستهلاك عن الحصة المقررة) بجميع منافذ المجمعات بكل السلع التي يرغبونها وتوفير أكثر من 1200 صنف.
أسهم نظام النقاط في تحقيق وفورات سنوية 11 مليار جنيه في العام المالي 2016. متمثلة في تراجع استهلاك القمح غير المطحون من 15% إلى 8%. كذلك تراجع مخالفات المخابز المُبلغ عنها فيما يتعلق بالأرغفة ناقصة الوزن ومواصفات الرغيف لأقل من ثلث مستوياتها. كما تقلصت الطوابير الطويلة أمام المخابز.
تربط الدولة القرارات الجديدة الخاصة بالبطاقات بخطر الزيادة السكانية. فالرئيس السيسي قال: لا يمكن هدي بطاقة تموين تاني لحد يتجوز.. دي ثقافة تشكلت في وجدان الناس، ومش موجودة غير في بلدنا إحنا بس، إن اشتري الحاجة بأقل من ثمنها، وأخذ الخدمة بأقل من ثمنها، وكمان لما أخلف حد يأكل لي عيالي”.
بطاقة التموين وخطر الزيادة السكانية
وبحسب وزير التموين فإن الرئيس السيسي أراد التنبيه إلى خطر الزيادة السكانية. لأن الإمكانيات محدودة. فحديثه يخص البطاقات التموينية الجديدة وليست القديمة. والرسالة الواضحة المهمة لبناء مصر القوية أن يتحمل كل شخص نتيجة قراره.
وتؤكد دراسات اقتصادية أن دعم الغذاء بمصر اتسم بسوء الاستهداف والمبالغة في التكلفة. ما يؤدي إلى تسرب الموارد إلى الأسر مرتفعة الدخل.
وبرغم توفير الدعم العيني منذ فترة طويلة وتوسع نطاق تغطية نظام دعم الغذاء على مدى سنوات. فإن معدلات الفقر استمرت في الارتفاع. ولا تزال نسبة كبيرة من السكان تفتقد الأمن الغذائي وتعاني سوء التغذية، وفق دراسة تناولت نظام الدعم حتى 2011. أعد الدراسة المركز المصري للدراسات الاقتصادية. وطالبت بوجود نظام يستهدف مستحقي الدعم بصورة أفضل للقضاء على الاستهلاك المفرط ومنع إهدار الموارد الحكومية. وضمان توجيه الموارد التي يتم توفيرها للمستحقين والأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم إضافي في صورة مواد غذائية وخدمات أساسية. وذلك بإعداد نظام يتم بمقتضاه منح الفئات الضعيفة المستحقة للدعم حق الاختيار بين الحصول على تحويلات نقدية أو عينية مباشرة.
هناك أشكال للدعم العيني منها الدعم العام للأسعار لكل فئات المجتمع في السوق. أو بطاقات التموين التي توزع حصصا محددة بأقل من سعر السوق. أو كوبونات الغذاء وهي توزيع كوبونات ذات قيمة محددة على الفئات المستهدفة لضمان حصولها على الغذاء أو برامج التغذية المتكاملة. والتي تقدم وجبات غذائية للأطفال. أو الاستهداف الذاتي مع دعم السلع التي يستهلكها الفقراء بنسبة أكبر.
المكسيك دولة رائدة عالميًا في الدعم
طبقت المكسيك برنامج التحويلات النقدية بالمكسيك المعروف باسم “بروسبيرا” بمنتصف التسعينيات. وذلك بعد انهيار الاقتصاد المكسيكي وزيادة الفقر.
ويعيش أكثر من 44.4 مليون شخص في المكسيك على أقل من 5.50 دولارا يوميًا. وهو أعلى رقم منذ أكثر من عقد وفقا للبنك الدولي.
يحتوي البرنامج على ثلاثة مبادئ أساسية: يتم تقديم الأموال للعائلات إذا أرسلوا أطفالهم للمدرسة واستوفوا معايير التغذية. بل وخضعوا لفحوصات صحية منتظمة يتم توزيعها على الأمهات بدلاً من الآباء. لأنهم أكثر عرضة للاستثمار في عائلاتهم. ويتم توزيعها محليًا. بحيث يمكن للمسؤولين التعرف على المستفيدين ومتابعتهم.
تعمل المكسيك أيضًا على دعم السعر العام للمنتجات الغذائية كالذرة والقمح والدقيق والخبز. بالإضافة لبرامج الاستهداف الجزئي. حيث توجد المجمعات الاستهلاكية التي تبيع السلع بسعر منخفض. ويوجد أيضًا الكوبونات الغذائية كالبطاقات التموينية للألبان وبرامج التوزيع المباشر لمشروعات الغذاء التكميلية التابعة لوزارة الصحة.
تطبق مصر ذلك النظام بالفعل في برامج تكافل وكرامة. والأول هو مساعدة نقدية مشروطة هو استحقاق أسري. ويتم منحه للأسر ذات المستوى المعيشي الضعيف وليس لديها أملاك أو حيازات. بشرط أن تكون لديها أطفال من سن (يوم-18 سنة). والأطفال فوق 6 سنوات مُسجلون في التعليم ومنتظمون بالحضور بنسبة 80% على الأقل. أما “كرامة” فهو استحقاق فردي يستهدف الأفراد المُسنّين من 65 سنة أو أكثر. ويستهدف الأشخاص أيضًا ذوي الإعاقة بنسبة 50% بشهادة من القومسيون الطبي.
الدعم بين كينيا وألمانيا
في كينيا تم إطلاق برنامج التحويلات النقدية للأيتام والأطفال الضعفاء عام 2004 لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من الأطفال الذين أصبحوا ضعفاء. وذلك بسبب الفقر وفيروس نقص المناعة البشرية. عبر شروط من بينها زيادة الالتحاق بالمدارس والحضور والاستمرار للأطفال بين 6 و17 عامًا في المدرسة الأساسية. وتعزيز القدرات داخل الأسرة بمجالات مثل التغذية والصحة الإنجابية. ويتلقى المستفيدون 2000 شلن كيني للأسرة الواحدة شهريًا.
لدى بنجلاديش تجربة أخرى بتطبيق 64 برنامجًا للجانب الاجتماعي بين تحويلات نقدية وبرامج للأمن الغذائي وغيرها. والتي قلصت الفقر من 50% إلى 31.5% عام 2021.
تخصص ألمانيا نحو 8% من إنتاجها المحلي للدعم. توازيا مع سياسة دعم متحركة تواكب حركة الاقتصاد ومستويات التضخم للمحافظة على مستويات معيشة مقبولة لشريحة محدودي الدخل. لكنها تتبنى نظام اجتماعي هو الأضخم في العالم بمخصصات تلتهم أكثر من نصف ميزانية الدولة سنويا. وذلك بتخصيص 177 مليار يورو لصرفها على الحاجات الاجتماعية للمواطنين. ما يعادل 54% من مجمل موازنة الدولة. بينها 80 مليار يورو يتم تحويلها لتغطية دفع معاشات المتقاعدين.
دعم البرنامج الفيدرالي الأمريكي
في الولايات المتحدة يتلقى طلاب الجامعات من ذوي الدخل المنخفض دعمًا عبر برنامج المساعدة الغذائية التكميلية. وهو برنامج فيدرالي يقدم خدماته لكبار السن والأطفال. واستفاد منه في خضم كورونا نحو 3 ملايين طالب.
تسود جدليات عالمية حاليًا حول دور برامج الدعم في تغيير حياة الفقراء للأفضل. فحتى التجربة المكسيكية رغم الإشادة العالمية بها لكنها أيضًا لا تخلو من عيوب في عدم استدامة تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة. أو بمعنى آخر الإبقاء عليهم في دائرة الفقر.
البروفيسور جوردن أتكنسون -أستاذ الاقتصاد بجامعة سالفورد- يرى أن برامج الدعم يجب أن تمثل حلولا قصيرة المدى لمشكلة الفقر. فالصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة لم تنجح في انتشال شعوبها من الفقر عبر الدعم النقدي أو العيني للفقراء. بل أوجدت الرخاء من خلال إطلاق العنان لقوة الابتكار وريادة الأعمال.
برأي أتكسنون فإن توزيع معدات إنتاجية كآلات الخياطة وأجهزة الكمبيوتر وتوفير الخدمات المصرفية السهلة للجميع. (يقصد القروض المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر). يكون له تأثير في المجتمع أكثر من الدعم بزيادة معدلات التوظيف وعائدات الضرائب وتمكين الحكومات من تقديم خدمات أفضل.
تاريخ بطاقة التموين بمصر
يعود تاريخ بطاقات التموين في مصر لعام 1945 حينما تم استحداثها للمرة الأولي. وذلك لمواجهة موجة تضخم عالمية ارتبطت بالحرب العالمية الثانية. ودفعت بقطاعات واسعة من المواطنين إلى طابور الفقر. وصدر حينها مرسوم بقانون للملك فاروق يحمل رقم 95 بمنح وزير التموين سلطة فرض قيود على إنتاج المواد الأساسية وتداولها واستهلاكها. بما في ذلك توزيعها بموجب بطاقات أو تراخيص تصدرها وزارة التموين لهذا الغرض.
لم تكن موجة التضخم العالمي عام 1940 مرتبطة بنقص أساسي في السلع. ولكن بجشع التجار في المقام الأول. واقتصرت السلع التي يتم توزيعها على الكيروسين لأغراض الطبخ وإنارة مصابيح المنازل حينها. قبل أن تمد الدولة مظلته ليشمل الأقمشة.
في الأربعينيات طرحت الدولة على البطاقات سلعا غذائية أساسية للمواطن. مثل السكر وزيت الطعام بمقدار محدد لكل شخص. بعدما اعتبرته السلاح الأول لمكافحة التضخم. فحينما صرفت علاوات لمواجهة غلاء المعيشة بنسبة 15% في المتوسط رفع التجار الأسعار بمعدلات أعلى.
أسهمت البطاقات في ضبط السوق حينها ومواجهة التجار الذين اعتمدوا على تعطيش السوق عبر تخزين السلع ومنع تداولها إلا بكميات محدودة. ما يسمح برفع السعر وتخليق طلب كبير على البضائع.
جاءت ثورة 23 يوليو فتوسعت الحكومة في تقديم الدعم للمواطنين. وذلك بوضع نظام شامل لدعم أسعار السلع الغذائية الأساسية. وكذلك توسيع نطاق الاستفادة لمواجهة الزيادة السكانية ونمو المدن. قبل أن تأتي أزمة الستينيات الاقتصادية فظهرت مشكلات التموين وبدأت طوابير الجمعيات الاستهلاكية. ورفضت أمريكا تجديد المعونة أو حتى تزويد مصر بالقمح. ولجأت الحكومة حينها للحصول على كميات محددة من المكسيك وأستراليا. بحسب كتاب ملفات ثورة يوليو لطارق حبيب.
بعد نكسة 1967 أصدرت الدولة بطاقات التموين لعدد محدود من السلع. وذلك كإجراء لمواجهة نقصها. واقتصر الأمر على سلع أساسية مثل القمح والسكر والأرز وزيت الطعام والصابون والكيروسين.
يا سادات ليه معلش
ومع بداية حكم الرئيس السادات ارتفعت قيمة الدعم المصروف وفقا للبطاقات عام 1970 إلى 20 مليون جنيه. بعدما شمل 18 صنفًا منها الفول والعدس والأسماك والدجاج واللحوم المجمدة.
لم تشهد فترة السادات اختناقات حتى في ظل حرب أكتوبر. وفي يوم 10 أكتوبر 1973 أبدى “السادات” شكره على إعداد الدولة للمعركة بنجاح. وكيف لم تظهر طوابير التموين أو أي ظاهرة أو قلق من جانب المواطنين.
بعدها زادت الدولة من مخصصات التموين بعد حرب 1973 لتشمل المواطنين نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. وبلغ عدد الأسر الفقيرة إلى 5 ملايين تعيش شهريا على أقل من 30 دولارًا. أي ما يعادل حينها 75 جنيهًا.
بعد أربعة أعوام تم رفع أسعار عدد من السلع. كجزء من الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي عام 1976 لخفض الدعم. وذلك لتنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية. واندلعت بسببها تظاهرات لم تتوقف إلا بعودة الأسعار لسابق عهدها.
أولويات مبارك في بطاقة التموين
كانت أولويات مبارك تصحيح الأخطاء التي وقعت من الانفتاح وتطبيق الإصلاح طبقا لمتطلبات صندوق النقد. وذلك للتخلص من الديون التي تركها السادات. فتبنّى مبارك برنامجًا لخفض الدعم تدريجيًا وبعد أن كان نظام الدعم عام 1980 يغطي 20 صنفًا تم إزالة الدعم عن السمك والدجاج واللحوم المجمدة والشاي والأرز.
بحلول عام 1996/1997 كانت هناك أربعة أصناف فقط مدعمة. وهي العيش البلدي والدقيق البلدي والسكر وزيت الطعام. كما تم قلصت الحكومة عدد الأشخاص الذين يملكون بطاقات تموين. وظل ذلك النظام عاملاً حتى ثورة يناير 2011.
تم وقف العمل بالبطاقة الورقية نهاية عام 2014 وحلت محلها البطاقة الذكية. وبعدها بأربعة أعوام تم تطبيق نظام نقاط الخبز بصرف مبلغ 10 قروش عن كل رغيف يوفره صاحب البطاقة. ويتم احتساب ذلك بالنقاط لصالح مستحقي الدعم وأخذه سلعا عينية أخرى. هذا قبل أن تقرر الحكومة خفض وزن رغيف الخبز من 110 جرامات إلى 90 جراما.
ترتبط وزارة التموين ككيان حكومي ببطاقات التموين. فالوزارة تم إنشاؤها سنة 1943 لتختص بشؤون التموين. أي قبل ثلاثة أعوام فقط من تفعيل نظام البطاقات. ووجهت الوزارة أكبر مخصصات برامجها للدعم بقيمة تناهز 2 مليون جنيه حينها. حتى أن أحد الرؤساء اعتبر أن وزارة التموين باقية لأن الدعم باق للخبز وبعض السلع الأساسية.