بعد ترشيحه من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لتمثيلها في منافسات الأوسكار. تصاعدت أبواق الغضب ضد فيلم “أميرة“، الذي يتناول موضوع تهريب نُطف الأسرى من أبناء فلسطين في السجون الإسرائيلية. ووجهت نحو صانعيه تهم، بينها “الإساءة للأسرى وللأبناء المولودين من تلك النطف” والذين يسمونهم “سفراء الحرية”.
الفيلم الذي يروي قصة فتاة ولدت من نطفة مهربة من سجن إسرائيلي، لتكتشف بعد سنوات أن النطفة لضابط إسرائيلي. وصف بأنه يدعم الرواية الإسرائيلية بشأن أمر يعتبره أبناء فلسطين شكلًا من أشكال النضال. حتى إن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تخصص له جزءًا من التقرير السنوي المشترك.
فلسطين سفراء الحرية
من خلال النطف المنوية المحررة من السجون الإسرائيلية، أو ما تم الاصطلاح على تسميتها “سفراء الحرية”. استطاع عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين صنع حياة جديدة وتحريرها من خلف القضبان. خاصة الأسرى القدامى وذوي الأحكام العالية، ممن يتوقع بقاؤهم في سجون إسرائيل مدى الحياة.
وكان الأسير “عمار الزبن” من قرية ميثلون، التابعة لجنين، هو أول من سجّل نجاحاً في هذه التجربة. بإنجاب طفله “مهند” عبر نطف محررة خلال شهر آب/أغسطس من عام 2012. وقد شكّل هذا النجاح دافعا للأسرى الآخرين وزوجاتهم لخوض التّجربة. واستمرّت بعد ذلك عمليات تحرير النطف المنوية، وأنجبت زوجات الأسرى عشرات الأطفال.
وبمجرد علم سلطات الاحتلال بولادة طفل عبر نطفة محررة، تبدأ بالانتقام من الأسير الذي أقدم على هذه الخطوة. فتفرض بحقه عقوبات تأديبية كزيادة فترة سجنه، أو عزله داخل الزنازين، أو فرض غرامات مالية باهظة بحقّه. وأحياناً يشمل الانتقام زوجته عند الزّيارة، بتعريضها للمعاملة المهينة.
أمّا أطفال فلسطين أنفسهم، فيرفض الاحتلال الاعتراف بشهادات الميلاد وأرقام الهويات التي تخرجها وزارة الداخلية الفلسطينية لهم. كما يحرمهم من الحق في زيارة آبائهم داخل السجون. فوفقًا للقانون الإسرائيلي، لا يُسمح بزيارة الأسير إلا أقرباء من الدرجة الأولى.
لكن هناك بعضهم نجحوا في زيارة آبائهم داخل السجون، منهم الطفلة ميلاد وليد دقة، التي استطاعت زيارة والدها داخل المعتقل بعد إجراء فحص DNA لإثبات نسبها، وتقديمه التماسا لمحاكم الاحتلال للسماح لها بالزيارة.
102 طفلا فلسطينيا
وأشار التقرير السّنوي المشترك عن فلسطين لعام 2021. والذي تصدره مؤسّسات الأسرى وحقوق الإنسان الفلسطينية. منها هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضّمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة بالقدس. إلى أنه بلغ إجمالي أعداد الأسرى الذين نجحوا في الإنجاب عن طريق النطف المهربة حتى نهاية العام 71 أسيراً.
وبلغ عدد أطفال النطف المهربة 102 طفلًا، منهم عدد من التوائم. كان آخرها تجربة الأسير “ناهض حميد” من بلدة بيت حانون في قطاع غزة، والذي نجح بإنجاب توأمين من الأطفال بواسطة النطف المحررة.
وفي نهاية عام 2021 انطلقت مبادرة ودعوات من مؤسسات عدة تعنى بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان وعدد من القوى الوطنية. للمطالبة بإقرار يوم 13 آب/أغسطس من كل عام يوماً وطنياً فلسطينياً، للاحتفال وتكريم أطفال النطف المحررة في مختلف المحافظات. باعتبارهم مثالًا حيًا لتحدي سطوة السجان الإسرائيلي.
مُعاناة الفلسطينيات في الاعتقال
تواصل سلطات الاحتلال انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، خلافاً لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1987، والتي حظرت المعاملة غير الإنسانية. وخلافاً لقواعد الأمم المتّحدة النموذجية لمعاملة السجناء لعام 1955.
وتعيش الأسيرات ظروفاً لا إنسانية، لا تراعي فيها حقوقهنّ في السّلامة الجسدية والنّفسية والخصوصية، إذ يحتجزن في ظروف معيشية صعبة، يتعرّضن خلالها للاعتداء الجسدي والإهمال الطبي. وتحرمهن سلطات الاحتلال من أبسط حقوقهن اليومية، كحقهنّ في التجمّع لغرض أداء الصلاة جماعةً أو الدّراسة، إضافة إلى انتهاك خصوصيتهن بزرع الكاميرات في ساحات المعتقل.
وحتّى نهاية عام 2021، بلغ عدد المعتقلات 34، بينهنّ الفتاة القاصر نفوذ حماد -14 عاماً- وأقدمهنّ الأسيرة ميسون موسى المعتقلة منذ عام 2015. وأعلاهنّ حكماً الأسيرتان شروق دويات، وشاتيلا عيّاد، والمحكوم عليهما بالسّجن 16 سنة، وميسون موسى وعائشة الأفغاني المحكومتان بالسّجن 15 سنة.
ورصد التقرير 11 أمّاً بين الأسيرات يحرمهن الاحتلال من احتضان أبنائهنّ. كذلك من بين الأسيرات الجريحات وأشدّها معاناة “إسراء جعابيص” من القدس، والمحكوم عليها بالسّجن 11 سنة، والتي اعتقلتها قوّات الاحتلال بعد إطلاق النّار على سيّارتها. ما أدّى إلى انفجارها، وإصابتها بحروق شديدة شوّهت وجهها ورأسها وصدرها وبترت أصابعها.
وكانت إدارة سجون الاحتلال قد نفّذت عمليات قمع متكررة وغير مسبوقة بحقّ الأسيرات على مدار أيّام خلال ديسمبر/كانون الأول 2021. حيث تمّ الاعتداء عليهنّ بالضّرب وسحلهنّ وتهديدهنّ برشّ غرفهنّ بالغاز. وفرضت عليهنّ جملة عقوبات تمثّلت في حرمانهن من الزيارة و”الكانتينا”، وعزل ثلاث منهنّ.
في قبضة “النحشون”
تحرم إسرائيل النساء الأسيرات من حقّهن في ممارسة الأشغال الفنية اليدوية، علاوة على تعرضهنّ للتنكيل بهنّ خلال عملية النقل عبر عربة “البوسطة” إلى المحاكم أو المستشفيات، والتي تستغرق عملية النّقل بها لساعات. ويتعرّضن خلالها للاعتداء عليهن على يد قوّات “النحشون”.
وتعني “النحشون” في القاموس العبري القوة والصلابة والقسوة، وهي قوة خاصة شكلت لقمع المعتقلين، ترتدي زيًا مميزًا كتب عليه “أمن السجون”. ووضعت سلطات الاحتلال في كل سجن ومعتقل فرقة خاصة من تلك الوحدات، تعمل 24 ساعة يوميًا، وبمقدورها اقتحام الغرف وقمع الأسرى ليلا أو نهارا والسيطرة على السجن.
ومن ضمن مهام تلك الوحدات مسؤولية نقل المعتقلين من سجن لآخر، أو من السجن للمحاكمة. ومنع هروب السجناء، أو اعتراض قافلتهم ومهاجمتها وتحريرهم من منظماتهم أثناء ذلك. وأيضًا السيطرة على السجن والقضاء على أي تمرد للأسرى، ومواجهة حالات الطوارئ داخل السجون والمعتقلات، بما فيها عمليات احتجاز رهائن.
اعتقال أطفال فلسطين
تشير التقارير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفرق بين البالغين والأطفال في اعتقالاته وانتهاكاته حقوقهم. بل وثّقت المؤسسات الحقوقية تعمّده استغلال حساسية وضعهم، وتأثير الاعتقال على حالتهم النّفسية، بمضاعفة قسوة ظروفهم وتعريضهم للعنف المفرط والتهديد. رغم توقيع إسرائيل على اتفاقية حقوق الطفل عام 1991.
واعتقل الاحتلال خلال 2021 أكثر من 1300 طفل وقاصر. مع انتهاج سياسة الاعتقال الإداري بحق الأطفال أيضاً، حيث اعتقل 6 أطفال إدارياً خلال عام 2021، ما زال 4 منهم قيد الاعتقال. وهم محمد منصور، أمل نخلة، براء محمد، وأحمد البايض، في خرق صارخ لاتفاقية حقوق الطفل، والتي تنصّ على أن “اعتقال الأطفال يجب أن يكون الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة”.
ويقبع الأطفال المعتقلون في ثلاثة سجون هي “عوفر”، “الدامون”، و”مجدو”. يبقون في ظروفٍ معيشية قاسية، يحرمون فيها من التواصل الحسّي مع عائلاتهم، ومن حقّهم في التعليم.
ووثّق التقرير حالات اعتداء وسوء معاملة الأطفال عند اعتقالهم. منهم الطفل “محمد النتشة” الذي تعرّض للضّرب مراراً أثناء الاعتقال. كما يتعرّضون للضرب والإهانة المتواصلة بمراكز التّحقيق، بالإضافة للحرمان من النّوم والتّهديد بإيذاء عائلاتهم، والتفتيش العاري واستخدام ألفاظ نابية. وقد وثّقت المؤسسات الحقوقية تعرّض الطفل “محمد دعنا” للصعق بالكهرباء أثناء التحقيق معه.
كذلك يتعمد الاحتلال إهمال الأوضاع الصحية للأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة، واستغلالها للضّغط عليهم، مثل الطفل “أمل نخلة” الذي يعاني من الوهن العضلي الشديد. والطفل “سليم جوابرة” الذي تعرّض للضّرب على موضع عمليته ونزع الّلاصق الطّبي عنها، ليعرض على الطّبيب لاحقاً.