خطوة جديدة يخطوها حقوقيون باتجاه تحريك ملف الحريات في مصر، للبناء على خطوتين سابقتين من السلطة، لعل ثقوب الأمل في ملف سجناء الرأي تتمدد اتساعاً لتسمح بعبور المحبوسين، بالإفراج قضائيًا أو العفو العام.
العام الماضي شهد إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإلغاء قانون الطوارئ. وهما خطوتان رأى حقوقيون فيهما بارقة أمل لحدوث انفراجة في ملف سجناء الرأي، تزامنًا مع الإفراج عن عدد من المحبوسين على فترات خلال العام.
لكن مع صدور حكم من محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بحق عدد من النشطاء والصحفيين والمحامين في قضايا سياسية. أربك المشهد المتفائل، خاصة مع بدء محاكمة سياسيين آخرين أمام محاكم طوارئ وصدور أحكام سابقة من المحاكم الاستثنائية ذاتها.
لذلك أطلق حقوقيون ونشطاء وشخصيات عامة، في خطاب مفتوح موجه لرئيس الجمهورية، حملة للمطالبة بإلغاء أحكام الإدانة التي صدرت من محاكم الطوارئ ضد سجناء الرأي، وحفظ الدعاوى ضدهم، وإطلاق سراحهم.
وتمثلت مطالب الخطاب في إلغاء الحكم الصادر في القضية رقم 957 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ. وهو الصادر بتاريخ 17 نوفمبر 2021 بحق ستة متهمين، من بينهم البرلماني السابق زياد العليمي والصحفيان حسام مؤنس وهشام فؤاد.
وطالبوا بإلغاء حكم المحكمة في القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ الصادر في 20 ديسمبر 2021. بحق الناشط السياسي علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون الصحفي محمد إبراهيم رضوان الشهير بـ”أكسجين”.
كما ناشد الموقعون على الخطاب بإلغاء أي أحكام صدرت ضد متهمين أمام محاكم طوارئ في قضايا الرأي أو الممارسة السلمية. وذلك بشأن أيٍّ من الحقوق والحريات الدستورية، مع حفظ الدعاوى ضدهم طبقا للمادة 14 و20 من قانون الطوارئ، وإطلاق سراحهم.
هذه المطالب، تأتي في أعقاب إلغاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الطوارئ في البلاد. وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات.
الوجه الآخر للطوارئ
انتقل الآثر السلبي من قانون الطوارئ إلى قوانين أخرى، جرى تعديلها خلال السنوات الماضية. وهو ما أبطل المفعول الإيجابي من إلغاء الطوارئ. لذلك رأى المحامي الدولي والحقوقي ناصر أمين أن المشكلة تكمن في التعديلات القانونية أو التشريعات التي صدرت منذ 2015 المتعلقة بجرائم النشر.
وتحدث أمين، في حوار سابق مع “مصر 360″، عن تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، الذي صنّف 74 تصرفًا باعتبارها جرائم. وهي تصرفات تدور في نطاق الأفعال المباحة، وعلى رأسها جرائم “نشر أخبار كاذبة”.
كما أضاف قانون الجرائم الإلكترونية “النشر” ضمن الجرائم، وباتت تطول أصحاب الرأي والفكر والصحفيين. كما أصبحت تمثل تهديدًا لحريتهم، وهو ما دفع الحقوقيين للمطالبة بإعادة النظر في كل هذه القوانين للحد من نطاق المساءلة سواء لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحفيين والإعلاميين.
وفي 29 ديسمبر الماضي، أعلن المحامي خالد على التصديق على الحكم الصادر بحق هشام فؤاد وزياد العليمي وحسام مؤنس. وذلك بأحكام تراوحت بين 3 إلى 5 سنوات، في القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية “الإيحاء”. بعد أسبوع من صدور الحكم في 24 نوفمبر الماضي.
لذلك بدأ حقوقيون جمع توقيعات على الخطاب المفتوح الموجه لرئيس الجمهورية. إذ يقولون إن المحاكمات أمام محكمة طوارئ افتقرت لضمانات المحاكمة العادلة المحمية بموجب الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان أيضًا.
قضية “الإيحاء” لم تضمن للمتهمين حقهم في الحصول على دفاع فعّال. كما لم يتاح لمحاميهم الحصول على نسخة من أوراق القضية لتحضير دفوعهم أو التواصل الفعّال مع موكليهم. ولم تنصت المحكمة لطلبات المتهمين المتمثلة في الحصول على نسخة ضوئية من أوراق القضية التي تجاوزت الألف صفحة للاطلاع عليها وتحضير الدفوع. كذلك، صدرت إدانتهم من قبل محكمة، أحكامها نهائية لا يجوز الطعن عليها بطرق الطعن التي يكفلها القانون في المحاكمات الطبيعية. وهي خروقات أخلت بحق المتهمين في محاكمة عادلة وفقا للدستور المصري وللمعايير الدولية.
هل يحق للرئيس إلغاء أحكام الطوارئ؟
فهل رئيس الجمهورية يمتلك سلطة إلغاء هذه الأحكام؟ الإجابة على لسان المحامي طارق نجيدة هي: نعم.
يشرح نجيدة بأنه “يجوز لرئيس الجمهورية بعد التصديق على الحكم، تعديل الحكم أو تخفيفه أو إلغائه أو حفظ الدعوى. طالما لم يكن جناية تتعلق بقتل عن عمد أو اشترك فيها أو من جرائم الإرهاب”.
وأشار إلى أن القضايا التي جرى التصديق عليها مؤخرًا تتعلق بنشر أخبار كاذبة. لذلك للرئيس صلاحيات أخرى، منها ممارسة دوره الرقابي على أحكام محكمة الطوارئ وفقا للدستور والقانون. كما يحق له إصدار قرارات العفو الرئاسي بشأن الأحكام النهائية.
الأمر نفسه أكده المحامي أحمد راغب، بأن للرئيس الحق في إلغاء الحكم بعد التصديق عليه. كما يحق له حفظ القضية أو وقف عقوبة التنفيذ. أو أن يصدر عفوًا عن أحكام نهائية في أي قضية أمن دولة طوارئ.
وتنص المادة 14 من قانون الطوارئ على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية عند عرض الحكم عليه أن يخفف العقوبة المحكوم بها. أو يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغى كل العقوبات أو بعضها أيًا كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية أو أن يوقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها. كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى. وفى هذه الحالة الأخيرة يجب أن يكون القرار مسبباً”.
أما إذا صدر الحكم بعد إعادة المحاكمة بالبراءة وجب التصديق عليه في جميع الأحوال. وإذا كان الحكم بالإدانة جاز لرئيس الجمهورية إلغاء العقوبة أو تخفيفها أو وقف تنفيذها، أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى.
الطريق ممهد.. هل يفعلها الرئيس؟
كما يقول المحامي ناصر أمين إن رئيس الجمهورية يمتلك صلاحيات العفو عن أي مسجون شريطة أن يكون الحكم نهائيًا. وفيما يتعلق بالأحكام التي صدرت لها قرارات بالتصديق من الحاكم العسكري، تتبقى خطوة التماس إعادة النظر والتي من شأنها أن تدفع لإقرار عفو يصدر من رئيس الجمهورية عن المحكوم ضده، وبالتالي وقف تنفيذ العقوبة. وقال أمين: “الطريق ممهد الآن لرئيس الجمهورية لاستخدام صلاحياته في العفو سواء كان تخفيف العقوبة أو وقف تنفيذها أو العفو”.