ما بين ديسمبر ويناير من كل عام، أي في موسم ميلاد المسيح، تنتشر أيقونات حكاية الميلاد في البيوت والكنائس والأسواق. مزود للبقر يُعتقد المسيحيون أن السيد المسيح قد وله به، ومغارة الميلاد الشهيرة التي تتزين بها الكنائس قبيل العيد. لكن المدقق في سيرة الميلاد التي ترويها الأناجيل الرسمية الأربعة -تشكل العهد الجديد- قد يجد أن تلك الموتيفات لا وجود لها أو أنها تطورت بمرور الزمن لتضفي طابع التواضع والزهد على حكاية ميلاد من تغيرت بحضوره البشرية، وكذا تاريخ العالم أجمع.
الرواية الشعبية وما جاء الإنجيل عن ميلاد المسيح
في تفاصيل رواية ميلاد المسيح، يقول القس الدكتور وجيه يوسف الأستاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية: لم يكن القديس يوسف ولا القديسة مريم يجريان في شوارع المدينة في منتصف الليل يطرقان على الأبواب بحثًا عن مكان يمكن للقديسة مريم أن تضع ابنها فيه. بل كانا في بيت لحم عند الأقرباء قبلها بفترة (لو ٢: ٦). وهذا على عكس قصة الميلاد الشعبية المعروفة بلحظات القلق والبحث عن مكان آمن للعذراء الحبلى قبل أيام من الميلاد.
يوضح القس الدكتور وجيه يوسف أن القديس يوسف النجار لم يترك السيدة مريم العذراء على ظهر الحمار، وهي تعاني آلام الوضع، باحثًا عن حجرة في فندق، ليكتشف أن نسبة الأشغال 100%. بل نزلا ومكثا عند أحد أقرباء القديس يوسف بوقت كاف قبل ميعاد الميلاد. فالقديس يوسف ليس غريبًا عن بيت لحم، ومن ثم وجد مكانًا عند أقاربه بسهولة ويسر. مع الأخذ في الاعتبار قيم الضيافة والكرم عند الشرقيين.
يرجع الأستاذ في كلية اللاهوت الإنجيلية فرضية الفندق إلى خطأ في الترجمة المتداولة عن قصة الميلاد. فيقول: كلمة καταλύματι والمترجمة (منزل، أو كما يظن البعض “فندق”) لا علاقة لها بمفهومنا المعاصر عن “الفنادق”. ويوضح: الكلمة تعني حجرة الضيوف (انظر لو 11:22؛ مر 14:14)، بينما تستخدم الترجمة اليسوعية تعبير “المضافة”.
وهذا الخطأ لم يقع فيه المترجمون العرب المسيحيون في العصر الوسيط. فهناك كلمة يونانية أخرى للحديث عن الفندق، نجدها في مثل السامري الصالح (لو 34:10).
موقع مزود البقر في حكاية ميلاد المسيح
أما عن مذود البقر الشهير الذى ارتبط دائمًا بحكاية ميلاد المسيح، فإن الدكتور وجيه يوسف يفجر مفاجأة بشأنه. يقول: لم يكن مذود البقر هو المكان الذي ولدت فيه القديسة مريم ابنها. لقد كان المذود مكانًا في الجزء الأسفل من البيوت آنذاك، حيث كان أكل البهائم يوضع فيه.
يوضح يوسف: كانت البيوت، كمعظم البيوت الشرقية آنذاك، مكونة من حجرة كبيرة للمعيشة، أسفلها مكان لحفظ البهائم ليلًا (انظر ١ صم 24:28). وبذلك يكون ميلاد المسيح في بيت أقرباء القديس يوسف. وقد وضع لاحقًا في المذود. إذ كان البيت ممتلئًا بأقرباء القديس يوسف، الذين أتوا بغرض الاكتتاب.
يقول يوسف: سبّح الرعاة الله وشكروه تعالى من أجل كل ما رأوه. وهذا معناه أنهم شعروا بقدر العناية التي شملت القديسة مريم والطفل يسوع. لو كانوا قد شعروا بعكس ذلك، لعرضوا على العائلة المقدسة ترك هذا المكان العفن فورًا والذهاب معهم لبيت من بيوتهم، فكرم الضيافة فضيلة شرقية.
أما الفرضية الثانية التي ينفيها القس وجيه، فيقول عنها: لا يعرف الإنجيل لرواية “مغارة الميلاد” سبيلًا، فحتى لو كان المسيح ولد في قصر من زمرد وياقوت ويشب، فمجرد نزوله إلينا بيانٌ لقمة تواضعه، وعظمة مكانتنا وقدرنا عنده. لكن يلزم أن نفهم القصة كما تقولها كلمة الله، بمنظورها الشرقي، لا بحسب سانتا كلوز أو هوليوود.
ما جاء بإنجيل لوقا
من كتاب الأناجيل الأربعة هناك اثنان فقط يذكران قصة الميلاد بالتفصيل، وأخصهم لوقا. كما يوضح القس مينا القمص إسحق المعيد بالكلية الإكليريكية بالعباسية للأرثوذكس. يقول: يبدأ معلمنا لوقا البشير سرد أحداث الميلاد من بداية الاكتتاب. وربما يتساءل البعض ماذا يفيدني هذا الأمر الذي يرويه بخصوص “الاكتتاب الأول” للمسكونة كلها في عهد أغسطس قيصر؟ فيجيب العلاّمة أوريجانوس كان يريد بهذا السجل أن تُسجَّل أسماء الكل معه في سفر الحياة (في 4: 3). كل الذين يؤمنون به يكتب أسماءهم في السماوات (لو 10: 20) مع القدِّيسين.
وفق القس مينا، ربما تكون هناك بعض الروايات التي توارثناها عن قصة الميلاد ولم ندقق فيها، مثلما ذكر دكتور وجيه يوسف. لكن تلك القصص تمت كتابتها في كتابات الأبوكريفا مثل قصة لم يتم إدراجها في الكتاب المقدس. كما تم إدراجها في الإنجيل الأوَّلي ليعقوب. وهي تصف بتفصيل كبير رحلة يوسف ومريم وولادة يسوع بعيدًا عن وسائل الراحة المنزلية. من هنا حصلنا أخيرًا على وجود حمار. إذ يقول النص إن يوسف يسرج على حمار ويضع مريم عليه لركوب الرحلة الطويلة للتسجيل في الاكتتاب (يقوب 17).
يتابع القس مينا: يضع يعقوب الولادة في كهف يمر الزوجان في طريقهما بدلًا من مكان منزلي. قالت مريم لخطيبها: أنزلني عن أتاني، لأن ما في يضغط علىَّ للغاية (يعقوب 17). وهكذا من الممكن أن نجد بقية القصص لها جذور في الكتابات الأبوكريفية كأناجيل الميلاد وأناجيل الطفولة. لكن الهدف الرئيسي من ميلاد المسيح هو الفداء والاتحاد بنا. وفي ذلك يستشهد القس مينا بقول القديس أثناسيوس: لما ولد جسده من والدة الإله مريم قيل عنه إنه هو الذى ولد مع أنه هو المانح للآخرين الميلاد ليوجدوا. وكان ذلك لكي يحول لنفسه ميلادنا، فلا نمضى فيما بعد إلى التراب كمجرد ترابيين. بل كمتحدين بالكلمة الذي من السماء نؤخذ إلى السماء بواسطته.
من المنتظر أن يترأس قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قداس عيد الميلاد المجيد بكاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة مساء الخميس إلا أن الكنيسة وللمرة الأولى منعت حضور وسائل الإعلام لتغطية القداس مكتفية ببثه على الهواء مباشرة عبر التلفزيون المصري.