متحورات جديدة تهدم المحاولات الطبية لفهم طبيعة فيروس كورونا، ومن ثمّ إيجاد وسيلة لتثبيطه. يرافقها الإعلان السريع عن لقاحات تقول الشركات إنها فعالة للحد من تداعيات المرض، لكنها تواجه اتهامات بإخضاع التجربة لـ«البيزنس». وهي الاتهامات التي تستند إلى قصر المدة الزمنية التي تفصل اكتشاف الوباء والإعلان عن لقاح مضاد. بينما يعكف أطباء لسنوات قبل اكتشاف لقاحات لأمراض أخرى.
بين هذا الجدل المستمر، والذي لم يضع حدًا فاصلاً بين الصواب والخطأ. تظهر مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما تويتر بزي القاضي، يعتلي منصة المحاكمة، يحظر ويهدد من يشكك في فاعلية أو جدوى اللقاحات. وتتسم مواقع التواصل بخطاب التحذير من أي تشكيك في الجهود الطبية، التي هي بطبيعة الحال مثار خلاف بين الأطباء أنفسهم.
في أوقات الأوبئة يكون مطلوبًا الحزم ضد الشائعات، ومنع التشكيك في بعض الأدوية. لكن الموقف إزاء جائحة كورونا، ذات مسارين، الأول هو الإعلان السريع عن اللقاحات المضادة. وبشكل مكثف من عدة شركات باتت تمثل منافسة اقتصادية بين شركات ودول، وليس لقاحًا واحدًا بجهود جماعية.
المسار الثاني يتمثل في حالات الإصابة والوفيات التي تسجلها المؤسسات الصحية حول العالم لأشخاصٍ تلقوا اللقاح. وآخرها إعلان البيت الأبيض إصابة لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي بفيروس كورونا. وذلك بالرغم من تلقيه جرعتين من لقاح كورونا، فضلاً عن جرعة معززة أوائل أكتوبر.
وبالرغم من تأكيد «أوستن»، أن الأعراض المصاحبة لإصابته بفيروس كورونا ضعيفة وغير مؤثرة إلا أنه فتح الباب أمام جدوى اللقاحات. وهل نجحت في تقويض انتشار فيروس كورونا؟، لاسيما في ظل وجود دراسات وأبحاث تشير إلى قلة حيلة العلم حتى هذه اللحظة في الوصول إلى لقاح يقضي على فيروس كورونا نهائيًا.
جذور حملة الترويج
جذور الحملة الترويجية الأضخم للقاحات فيروس كورونا، جرى وضع بذرتها الأولى في التاسع من ديسمبر 2020. حيث جرى تقديم مارغريت كينان «91 عامًا» وويليام شكسبير «81 عامًا»، كأول شخصين يتلقيان جرعة أولية من لقاح كورونا.
في تلك الليلة، تم ترويج الأمر بأنه انتصار للعلم والبشرية في مواجهة فيروس فتاك يودي بحياة مئات الآلاف حول العالم. وتحدثت حكومات وشركات عاملة في أبحاث اللقاحات عن كونه الصفحة الأخيرة في نهاية قصة فيروس كورونا. وبالفعل خلال الفترة الفاصلة بين ديسمبر 2020 وحتى وقت قريب أعطيت قرابة 5.7 مليار جرعة من اللقاحات المختلفة في جميع أنحاء العالم.
خلال الفترة الأخيرة بدأت تعلو أصوات تندد بترويج الحكومات للقاحات كورونا. موضحة تفهمها موقف الشركات العاملة في مجال الأبحاث الخاصة بالوصول للقاح للفيروس بأن أغراضها مالية في المقام الأول. وتحقيق أكبر قدر من الأرباح، لكن لماذا تدفع الحكومات إلى هذا الطريق. إلى جانب ظهور العديد من النظريات الرافضة للقاح، والاعتماد عليه ودوافع إجبار الحكومات للمواطنين على تلقي اللقاح. لا سيما أن تجارب عدة أظهرت عدم قدرة اللقاحات على تقويض انتشار الفيروس ومتغيراته التي تظاهر واحدا بعد الآخر.
تجربة إسرائيل الأولى
روج الإعلام الإسرائيلي للنجاحات التي حققتها الحكومة في التصدي لجائحة كورونا. حين عمدت إلى منح اللقاحات في مرحلة مبكرة جدًا من الوصول إلى الجرعات. وفي الوقت الذي تحاول بعض الدول بشكل حثيث الحصول على جرعات أولية، كانت بيانات الحكومة الإسرائيلية يؤكد حصول أكثر من 50% من سكان إسرائيل على اللقاح بالفعل.
وفي فترة بسيطة عادت الحياة إلى طبيعتها في إسرائيل بشكل كبير. حيث بدأت الحكومة تقليص القيود على المواطنين ولم يعد هناك سقف لأعداد التجمعات، وفُتحت المطاعم ولم يعد ارتداء الأقنعة إلزاميا. لكن يبدو أن فيروس كورونا كان يخبئ مفاجأة غير سارة حيث ظهرت نسخة معدلة من الفيروس “متغير دلتا”. واكتشاف أول حالة إصابة في السابع من يوليو، ووصلت أعداد الإصابات لأكثر من 10 آلاف حالة إصابة يوميا.
وفي محاولة لفهم كيف حدث السقوط المدوي وارتفاع الإصابات الآلاف. أجرى فريق من الباحثين الإسرائيليين أبحاثًا على نوع العدوى بين الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح في البلاد. وجدوا أنه رغم كونهم أقل عرضة للإصابة بالأعراض الحادة لفيروس كورونا مقارنة بالأفراد الذين لم يحصلوا على اللقاح. فقد أصبحت مناعتهم أقل قوة بمرور الوقت.
دراسة تزعم فشل اللقاحات
أثارت دراسة صادمة نشرتها مجلة Vaccine حول لقاحات كورونا، حالة من الجدل. ودفعت إلى تقديم هيئة تحرير المجلة العلمية المرموقة إلى تقديم استقالات جماعية.
وتحظى المجلة باحترام وثقة كبيرين من قبل العاملين في مجال الأبحاث العلمية. كما تتعاون الجمعية الأمريكية لعلم الفيروسات (ASV) مع المجلة، فضلاً عن علماء مختصين في علم الأوبئة واللقاحات من أنحاء العالم.
زعمت المجلة في عددها الصادر 24 يونيو 2021، عبر دراسة تمت مراجعتها من قِبل «زملاء»، أنه «لكل 3 وفيات يتم تفاديها من قِبل لقاحات كورونا، يجب أن نتقبل وفاتين يسببهما اللقاح نفسه».
هذه الخلاصة دفعت 6 علماء متعاونين مع المجلة إلى تقديم استقالاتهم. من ضمنهم عالمة المناعة البريطانية في معهد جينر بجامعة أكسفورد، كاتي ايور، التي كانت ضمن الفريق الذي طوَّر لقاح أكسفورد، أسترازينيكا. حسب ما نشرته مجلة Science.
ووفقا للورقة البحثية، جرى حساب الوفيات الناجمة عن الآثار الجانبية للقاح بالاعتماد على بيانات الاتحاد الأوروبي حول عدد جرعات اللقاح التي تم توزيعها في هولندا بالتحديد. حيث توجد قاعدة بيانات تسمى The Netherlands Pharmacovigilance Center، هدفها إفساح المجال لأي شخص بالتبليغ عما اختبره من عوارض ما بعد اللقاح.
مؤلفو الدراسة قالوا إنهم عثروا على «16 عرضاً جانبياً خطيراً لكل 100 ألف لقاح. وأن عدد الآثار الجانبية المميتة هو 411 لكل 100 ألف لقاح. وبالنسبة لثلاث وفيات منعها اللقاح، علينا قبول حالتين سببها اللقاح».
الاستقالات الجماعية دفعت مديرة تحرير المجلة، فاني فانغ، إلى فتح تحقيق في الأمر. كما تحدثت عن قلقها وتعاطيها مع الأمر بكل جدية. وفي 2 يوليو 2021، سحبت المجلة عددها رسمياً بعدما استقطبت الدراسة أكثر من 350 ألف قراءة وشاركها الآلاف على «تويتر».
تويتر يدخل على الخط
هنا يدخل «تويتر» على خط الأزمة، بين الرافضين للقاح والحكومات وشركات الأدوية. وكان آخر ثمار هذا التعاون متمثلاً في حظر الحساب الشخصي لعضوة الكونغرس الأمريكي مارجوري تايلور غرين. وأرجع السبب إلى «انتهاكات متكررة لقواعده حول التضليل» بشأن فيروس كورونا.
وبحسب ما أعلن، فإن الإجراء الجذري من قبل «تويتر» ضد النائبة عن الحزب الجمهوري يأتي ضمن نظام العقوبات التي سنها الموقع على المنشورات المتعلقة بكوفيد-19.
ووفق ما يمكن تسميته بـ«مدونة سلوك» تويتر تجاه كيفية التعامل مع كل ما ينشر حول فيروس كورونا عبر المنصة. يخضع للتدقيق والتفحيص كل ما يتعلق بالوباء طبقًا للعقوبات المنصوص عليها.
وفي بيان رسمي على «تليجرام»، قالت غرين: «لا تستطيع منصات التواصل الاجتماعي منع انتشار الحقيقة على نطاق واسع». واتهمت موقع تويتر بمساعدة أعداء مجهولين في «ثورة شيوعية».
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تكافح لاحتواء فيروس كورونا الذي توفي بسببه حتى الآن أكثر من 825 ألف شخص. إلا أن غرين كانت معارضة للإجراءات المصممة للتصدي لانتشار الفيروس.
ما الأمور التي تعد انتهاكًا في تويتر؟
وضع «تويتر» قواعد فضفاضة لاتخاذ قرار الحجب والحظر تجاه الحسابات التي تتناول لقاحات كورونا بالسلب. منحته سلطة ضخمة زادت من سخط سياسيين كبار حول العالم.
وبحسب عقوبات «تويتر» يتم تصنيف المحتوى المرتبط بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على أنه مخالف في ثلاث حالات:
– إذا جرى تقديم ادعاء بعبارات محددة؛ ويكون مضللاً بشكل واضح، بناءً على مصادر موثوقة ومتاحة على نطاق واسع. ويحتمل أن يؤثر على السلامة العامة أو يسبب ضررًا خطيرًا.
– الترويج لـ ادعاءات مضللة حول فيروس كورونا (كوفيد-19). تشير إلى مؤامرة متعمدة على سبيل المثال، أن الوباء ليس إلا خدعة، أو أن فيروس كورونا ليس مرضًا حقيقيًا.
– الترويج على أن عمليات التحصين ليست سوى جزء من المراقبة العالمية. أو أن اللقاحات خطيرة وأن الحكومات/القطاعات الطبية قامت بالتستر على آثارها السلبية.