يشهد العالم نموا سريعا في أعداد كبار السن وتزداد وتيرة تقدم السكان نحو الشيخوخة أسرع من ذي قبل. ما يهدد بتغير التركيبة العمرية بحلول 2030. حيث يعيش الأفراد أعمارا أطول تتجاوز سن الستين إلى الثمانين عاما.
ويتوقع ديموغرافيون أنه بحلول 2050 سيكون عدد الأشخاص الذين يتجاوزون 60 عامًا أكثر من عدد الأطفال على مستوى العالم، والذي يصل إلى الثلث.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإنه بحلول 2030 سيصل سدس سكان العالم إلى 60 عاما فما فوق. وحاليا ارتفع عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق من مليار نسمة في 2020 إلى 1.4 مليار نسمة. بينما بحلول 2050 سيصل عدد سكان العالم البالغين 60 سنة فما فوق إلى 2.1 مليار نسمة.
وتتوقع المنظمة أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة فأكثر ثلاث مرات بين 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة.
أسباب التنامي
وردت الدكتورة سهير صفوت -أستاذ النظرية الاجتماعية بكلية التربية جامعة عين شمس- زيادة عدد كبار السن عالميا إلى عاملين. أولهما: قلة معدلات الإنجاب أو انخفاض معدلات الخصوبة الكلية عالميا. ما يعني اتجاه قطاعات كبيرة في بلدان مختلفة لإنجاب أطفال أقل. خاصة مع ارتفاع معدلات التنمية. والسبب الثانى: التقدم الصحي الذي أدى بدوره إلى ارتفاع متوسط العمر.
وأشار الباحث بجامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا الأمريكية -ماكسويل إليوت- إلى أن “الشيخوخة لا تبدأ فجأة في الستين. فهناك أناس في سن 45 و50 مثقلون بمشكلات وإعاقات صحية”.
وربط “ماكسويل” تطور الظاهرة بمفهوم الشيخوخة البيولوجية، وهي سرعة تدهور أجهزة الجسم بمرور الوقت.
وعبر عينة أجراها ماكسويل على 1000 مبحوث تشير النتائج إلى أن الانقسام يحدث مبكرا من العمر عبر الوظائف الصحية للجسم من سن 26 حتى 45. وذلك بناءً على مقاييس دهون الجسم ولياقة القلب وسعة الرئة وعلامات الالتهاب في الدم وحتى تجاويف الأسنان.
بدورها حددت صوفيا ميلمان -الأستاذ بمعهد ألبرت أينشتاين للطب وأبحاث الشيخوخة بمدينة نيويورك الأمريكية- عوامل تقدم العمر بتأثير الجينات والضغوطات البيئية والإجهاد والفقر والتدخين.
واتفق ميلمان وإليوت على أن الشيخوخة ليست حتمية حيث إن البيئة مهمة. وتتأثر سرعة الإصابة بالشيخوخة بعوامل ترتبط بخيارات نمط الحياة كالتعرض للإجهاد المزمن والفقر وممارسة الرياضة بانتظام واتباع نظام غذائي صحي وعدم التدخين. إذ هي عوامل يمكنها تقليل مخاطر الإصابة بأمراض الشيخوخة البيولوجية.
الحقوق والاحتياجات
وبدأ التفكير في استثمار كبار السن بفاعلية أكثر وتحويلها إلى “شيخوخة نشطة” للوصول بالناس إلى “سن متقدم مع توفير جوانب إيجابية بتحسين صحتهم”.
وتقدم الدكتورة “سهير” عوامل تحقق التوقعات الصحية المأمولة في المجتمعات التي يتزايد فيها عدد المسنين. منها إعطاء اهتمام كبير لمشاركتهم في الحياة والأنشطة اليومية. وأيضا وضع برامج وسياسات تأهيلية لذلك. وبحث مواثيق الحقوق والاحتياجات لتحسين فرص الصحة.
وأشارت إلى أنه يمكن رسم خارطة طريق لتصميم سياسات مثلى للتعامل مع الشيخوخة النشطة في البلدان التى تعج بشيخوخة سكانية. منها حسب رأيها “عدم الوصمة أو التمييز ضدهم. إذ إن الشيخوخة يصاحبها قيود وظيفية أو محدودية فى الفرص.
أيضا دفعهم للإسهام في نهضة المجتمع بخبراتهم والتعامل معهم على أنهم فرصة لاستثمار آمالهم للانخراط في مواقف ذات مغزى اجتماعي وأخلاقي. وذكرت أن علم الشيخوخة الإيجابي يهتم بوضع برامج ابتكار تهيئ الرفاهية لكبار السن في البلدان، التي تتزايد فيها نسبتهم، وجعلهم هدفًا سياسيا.
وأوضحت أن هذا النموذج الجديد لمعالجة ظاهرة الشيخوخة يعتمد على تأجيل الانخفاض الوظيفى بنسبة ربما تكون أكثر من انخفاض معدل الوفيات وضغط المرض إلى أقصر فترة ممكنة قبل مغادرة الحياة.
محددات الشيخوخة
تعتبر الثقافة والجنس إلى جانب الإصابة بالمرض أحد أهم محددات الشيخوخة.
وتعود د. “سهير” لتبين لـ”مصر 360″ كيف تسهم نظرة مجتمع معين إلى كبار السن والثقافة في تحديد الموقف من المُسن ورعايته من الأجيال الشابة القاطنة معه.
وتقول إن العيش مع المسن في أسرة ممتدة يوثر في تحقيق هدف الحفاظ على الصحة. وأن الجنس “عدسة” نستطيع من خلالها التأثير على رفاهية الرجال والنساء في العديد من المجتمعات. إذ يكون لدى الفتيات والنساء وضع اجتماعى متدنٍ وندرة في الحصول على الغذاء والتعليم والعمل الهادف والخدمات الصحية.
وقد يعاني مقدمو الرعاية الأسرية دون أجر من زيادة الفقر واعتلال الصحة. حيث تُجبر بعض النساء في الشيخوخة على التخلي عن العمل المأجور لقيامهن بمسؤولياتهن في تقديم الرعاية. بينما لا يستطيع آخرون الوصول إلى العمل مدفوع الأجر لأنهم يعملون بدوام كامل في أدوار أسرية غير مدفوعة لأزواج وآباء وأبناء وأحفاد.
المحددات السلوكية
اعتماد أنماط الحياة الصحية والمشاركة في نشاط بأحد أوجه الرعاية الخاصة مهم لكبار السن كالانخراط في نشاط بدني مناسب وتناول طعام صحي والامتناع عن التدخين والكحول. والتي تعد كلها من التحولات الإيجابية في التعامل مع الشيخوخة.
وأكدت د. “سهير” أنه لا بد من تزويد كبار السن بفرص للقيام بهذه الأنشطة كتوفير مناطق آمنة للسير ودعم الأنشطة المجتمعية المناسبة التى تحفز الجسم على النشاط. إذ يتم تنظيمها وقيادتها من قبل كبار السن مثل توفير برامج إعادة التأهيل الجسدي التي تساعد كبار السن على التعافي بطريقة فعالة.
المحددات النفسية
مع تقدم السن يتعرض العديد من البشر إلى ضعف القدرات المعرفية وحل المشكلات ويقل التكيف مع أي تغير وسرعة التعلم والتذكر.
وربطت د. “سهير” ذلك بعوامل نفسية عند كبار السن كالاكتئاب وقلة الحافز والتوقعات المنخفضة وانقطاع الأمل وانعدام الثقة والعزلة. وذكرت أن هناك اتجاها متزايدا من كبار السن نحو العيش بمفردهم لكن العامل المادي يصير ذا أهمية خاصة لمن يكبرون في بيئة غير آمنة أو مناطق بها صراعات. إذ تجدهم حينها أكثر عرضة للاكتئاب. بينما من يعيشون في الريف 60% منهم تكون أنماط المرض لديهم مختلفة بسبب الظروف البيئية ونقص الخدمات.
شيخوخة العالم
يواجه العالم تحديات بفعل تنامي ظاهرة الشيخوخة المبكرة ومواجهتها تتطلب تخطيطًا مبتكرًا وإصلاحات جوهرية للسياسات في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية. وكذلك البلدان النامية وحتي الدول المتقدمة تحتاج إلى سياسيات شاملة ومختلفة.
تقول د. “سهير” إن ذلك يحتاج إلى وضع برامج تركز على تنمية المجتمع وتستهدف مقاومة الفقر وتقليل الأمراض. وهي مرحلة “التمكين بدلًا من التعطيل”. لافتة إلى أن عمليات التعطيل وزيادة احتياجات كبار السن تؤدى للعزلة ومن ثمَّ التبعية. في حين يسهم التمكين في استعادة الوظيفة وتوسيع مشاركتهم المجتمعية عموما.
وأشارت إلى الاتجاهات الديموغرافية الأخيرة فى عدد كبير من البلدان تثير القلق فيما يتعلق بالزيادة فى نسب النساء الاتى ليس لديهن أطفال، وكذلك التغيرات فى أنماط الطلاق والزواج وبشكل عام الإحجام عن تكوين الأسر مما سيكون له عواقب غير محمودة بالنسبة لعدد الأفواج المقبلة من المسنين نتيجة تقلص دعم الأسرة لهم.
ووفقا لدراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فإن النساء تعيش أطول من الرجال. وهذا ينعكس في ارتفاع نسبة النساء مقابل الرجال في الفئات العمرية الأكبر سنًا بنسبة 65٪ من مجموع المعمرين فوق 100 سنة. ومع طول أعمارهن فهن أكثر عرضة للعنف المنزلى والتمييز في الحصول على الدعم والخدمات والغذاء الصحي والرعاية الصحية والميراث وتدابير الضمان الاجتماعي. وبطبيعة الحال فالنساء الأكثر فقرًا سيعانون إعاقات عند كبر السن.
وقالت الدراسة إنه بسبب طول العمر المتوقع للمرأة وميل الرجال إلى الزواج من الأصغر سنًا والزواج بأخرى إذا ماتت الزوجات، فإن عدد الأرامل من الإناث يفوق عدد الأرامل من الذكور بشكل كبير في جميع البلدان.
أثر الشيخوخة على الاقتصاد
يخشى العديد من الباحثين إذا لم تتم معالجة ظاهرة الشيخوخة السكانية أن تؤدي إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه في مجال الرعاية الصحية وتكاليف الضمان الاجتماعي. فمع شيخوخة السكان سوف تزداد المطالب والاحتياجات.
ويتطلب ذلك التعويض عن القدرات المنخفضة عبر الدعم البيئي أو الاجتماعي. وهو ما جعل التعليم الأساسي متاحًا للكل لتعليم الناس كيف يعتنون بأنفسهم وبعضهم مع تقدم السن. فضلا عن تمكين المشاركة في أنشطة التنمية الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية والتطوعية حسب الاحتياجات والتفضيلات والقدرات. وإشراك كبار السن في التخطيط ودعم إصلاحات نظام التقاعد والتعامل مع نظام متنوع من المعاشات التقاعدية الأكثر مرونة.
وأكدت د. “سهير” أن إشراك كبار السن في العمليات السياسية مهم لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والحقوقية. كذلك السماح للمسنين بتولي أدوار أبوية بديلة للأيتام. وسن تشريعات تحمي الأرامل والتعرف على أي إساءة للمسنين جسدية أو جنسية أو نفسية أو مالية.
ويعود “إليوت” ليقول: “لا يمكننا تغيير الماضي عند الشعور بالشيخوخة. لكن لا يزال هناك كثير من الوقت للتدخل وتحسين جودة الحياة”. ويضيف: “نحتاج إلى التوقف عن التركيز على العمر الزمني”، مؤكدا أن التدخل مبكرا لمعالجة الشيخوخة البيولوجية يمكن أن ينقذ الأرواح ويحسن الحياة.
استجابة منظمة الصحة العالمية
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الفترة 2021-2030 عقدا للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة. وطلبت الجمعية من منظمة الصحة العالمية أن تقود عملية التنفيذ. وذلك للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة. وأشارت الجمعية في عقدها إلى أن ذلك يتطلب تعاونا عالميا يجمع الحكومات والمجتمع المدني والوكالات الدولية والمهنيين والأوساط الأكاديمية ووسائط الإعلام والقطاع الخاص لمدة 10 سنوات. وذلك لتعزيز حياة أطول وأوفر صحة.
ويستند العقد إلى استراتيجية وخطة عمل المنظمتين العالميتين وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة التي وضعتها الأمم المتحدة. فضلا عن دعمه تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة.
ودعا عقد الأمم المتحدة للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة (2021-2030) إلى الحد من عدم المساواة في الصحة وتحسين حياة كبار السن وأسرهم ومجتمعاتهم. وذلك عبر إجراءات في 4 مجالات: تغيير طريقة تفكيرنا وشعورنا وتعاملنا إزاء السن والتحيز ضد التقدم في السن. وتنمية المجتمعات بطرق تعزز قدرات كبار السن وتقديم رعاية متكاملة وخدمات صحية أولية تركز على الأشخاص وتستجيب لاحتياجات الكبار وإتاحة رعاية جيدة طويلة الأجل.