على هامش الحرب في سوريا، والممتدة منذ قرابة أحد عشر عامًا، يبرز القصف الإسرائيلي والاعتداءات على دمشق، وتحديدًا المواقع الأمنية والعسكرية المتمركزة فيها القوات المدعومة من إيران، صراعًا محمومًا بين طهران وتل أبيب. فالوجود الإيراني بسوريا يشكل ذريعة أمنية لإسرائيل لتنفيذ تلك الهجمات، التي بدأت مطلع عام 2013. بينما بلغ هذا الصراع المحتدم ذروته مع عملية اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني، سمير القنطار، وآخرين في الحرس الثوري الإيراني. الأمر الذي كان بمثابة ضربة قوية ومؤثرة، استهدفت قياديًا ميدانيًا وعسكريًا له تأثير ونفوذ كبيرين. وذلك أثناء تواجده في جنوب سوريا بالقرب من القنيطرة.
اللافت أن روسيا رغم إداناتها المتكررة والتقليدية للضربات الإسرائيلية على المواقع السورية المتواجدة فيها الميلشيات المدعومة من إيران، لا تتخذ ثمة إجراءات جادة لمواجهة أو بالأحرى تصفية هذه التهديدات بحق حلفائها في دمشق (نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإيران). بل إن صعود التنافس بين حلفاء “الأسد” في سوريا، سياسيًا وميدانيًا، وكذا ما يتصل بمشاريع إعادة الإعمار وغيرها من الأمور الاقتصادية والاستراتيجية، يفرض قراءة مغايرة. هذه القراءة تتلخص في أن موسكو تغض الطرف عن تلك الاعتداءات والتي تساهم في تقليص نفوذ طهران بسوريا.
القصف الإسرائيلي على سوريا.. 29 استهدافًا منذ مطلع 2021
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقريره نهاية العام الماضي، فإن إسرائيل استهدفت الأراضي السورية 29 مرة، منذ مطلع عام 2021. سواء عبر ضربات صاروخية أو جوية.
ولفت المرصد الحقوقي، مقره لندن، إلى أن هذه هي ثاني أكبر حصيلة استهدافات سنوية للقصف الإسرائيلي على سوريا بعد عام 2020. وقد شهد 39 استهدافًا، بينما أسفرت هذه الضربات عن إصابة وتدمير قرابة 71 هدفًا ما بين مبان ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات. كما أنها تسببت بمقتل 130 شخصًا، بينهم 5 مدنيين و125 قتيلاً عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها.
أضاف المرصد أن الضربات شملت 12 استهدافًا لدمشق وريفها، و6 استهدافات لحمص، بالإضافة إلى 5 استهدافات للقنيطرة، و3 استهدافات للاذقية، واستهدافين لكل من دير الزور وحماة والسويداء، وواحد لحلب. كما أن إسرائيل قد تستهدف بالمرة الواحدة أكثر من محافظة. وهو ما يوضح تباين عدد المرات مع عدد الاستهدافات.
رد فعل روسي لا يتجاوز الرفض
روسيا التي يفترض وجود تنسيق وتعاون أمني بينها وبين القوات الإيرانية بسوريا، أعلنت رفضها الهجمات “غير الشرعية” من جانب إسرائيل على أراضي سوريا. غير أنها عاودت الحديث عن رفض “استخدام القوة” للرد على هذه العمليات. لأنها ستكون “غير بناءة”.
وبالتزامن مع صدور التقرير الحقوقي للمرصد السوري، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف: “فيما يتعلق بالسؤال الذي يخص القصف غير الشرعي من طرف إسرائيل لأراضي سوريا، فنحن نرفض بشكل قاطع هذه الأعمال اللا إنسانية. وندعو للتواصل مع الطرف الإسرائيلي على جميع المستويات حول ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها. ووقف عمليات القصف هذه. كان ذلك أثناء مشاركته على رأس وفد روسي رسمي في منتدى بدمشق.
وتابع لافرينييف: في هذا السياق سيكون الرد باستخدام القوة غير بناء. لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سوريا. كما شدد المبعوث الروسي -مع ذلك- على أن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل على هذا الصعيد تتجاوز بشكل حاد أطر القانون الدولي. وتابع: لا يجب تحويل سوريا إلى ساحة لتسوية الحسابات بين خصوم بينهم إقليميون. لهذا السبب سنواصل عملنا في هذا الاتجاه. وسنعمل على تحقيق وقف كامل لهذه التصرفات.
القصف الإسرائيلي يستدهف إيران وليس سوريا
في حديثه لـ”مصر 360″، يوضح المحاضر بمعهد العلاقات الدولية بجامعة نيجني نوفغورد الروسية، عمرو الديب، أن الضربات الاسرائيلية لسوريا وخصوصًا لميناء اللاذقية “تستهدف بلا شك عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى الأراضي السورية. فلا توجد ثمة تهديدات من جانب دمشق للأراضي الإسرائلية. وإنما التعزيزات العسكرية الإيرانية هي التي تهدد العمق الإسرائيلي بشكل مباشر.
وفيما يخص الموقف الروسي، يقول الديب: نعلم أن هناك تنسيق عسكري-أمني كامل بين كل من موسكو وتل أبيب. وروسيا لم تعارض، بشكل كبير، أي عمليات قصف خصوصًا الموجهة إلى الوجود الإيراني. فمن مصلحة الروس منطقيًا تقليل اعتماد دمشق على طهران.
بيد أن معهد واشنطن يشير إلى أن الحملة الإسرائيلية والقصف المستمر بوتيرة قصوى، خلال العامين الماضيين، على دمشق، لم يحقق ثمة نتائج. وأن هناك “اعتلالات مشتركة” تعطل من فعالية تلك الاستراتيجية. يذكر: على مستوى عملياتي بحت، لا يبدو أن الضربات الإسرائيلية حققت كل أهدافها. فكثافة الضربات واستمرارها يدلان على أن إيران لم تتخل عن محاولاتها لشحن الأسلحة من سوريا إلى لبنان. ومهما بلغت حدة هذه الضربات أو كثافتها، لا يبدو أنها أضعفت الرغبة الإيرانية في نقل منظومات الأسلحة إلى “حزب الله”. ويبدو أن إيران لا تزال مصممة على ترسيخ مكانتها في سوريا.
والواقع أن هذه الضربات، على أكثر تقدير، خلفت تأثيرًا تكتيكيًا مؤقتًا على السلوك الإيراني في سوريا، بحسب المعهد الأمريكي. كما أن إيران، وبالرغم عن هذه الضربات، نجحت في إرساء قواعد تتيح لها إطلاق الصواريخ على إسرائيل. ذلك وفق ما تبين من الصواريخ التي أطلقت على جبل حرمون في يناير/كانون الثاني 2019.
إسرائيل وأمريكا الغائبتان عن الوضع السوري
وعلى النحو نفسه، يتبين من مشروع تحويل المقذوفات إلى صواريخ، الذي ينفذه “حزب الله” وإيران في لبنان، أن هناك محاولة لإيجاد حلول لصعوبات التسلح المستمرة التي يواجهها “حزب الله”. ومن شأن هذه الحلول أن تبطل الجدوى من الحملة العسكرية الإسرائيلية على سوريا برمتها. ذلك طالما أن إسرائيل لا تزال ممتنعة عن تنفيذ الضربات في لبنان.
لم تدخل إسرائيل المجال الدبلوماسي بما يكفي لاستكشاف خياراتها عند معالجة هذه المسألة. وفي حين أنها تنخرط في عمليات مكثفة في سوريا. إلا أنها تبدو غائبة تمامًا عن الساحة الدبلوماسية. فمحادثات أستانا التي تعتبر المسعى الدبلوماسي الأكثر جدية في ما يتعلق بمستقبل سوريا السياسي، تجري بقيادة روسيا وتركيا وإيران. بينما تفتقر إسرائيل إلى أي تأثير ملموس على العملية. ناهيك عن أن الغياب العملي للولايات المتحدة عن العملية الدبلوماسية وافتقارها إلى أي نفوذ على الوضع في سوريا يؤثران سلبًا على قدرة إسرائيل على الاستفادة بشكل كامل من الخطوات العملياتية أو الدبلوماسية التي تتخذ هناك.
روسيا غير راضية عن الوجود الإيراني في سوريا
الباحث السوري باز علي بكاري، يقول إن الضربات الإسرائيلية، خلال الفترة الماضية، وفي كل مرة قصفت فيها إسرائيل مواقعًا في سوريا، كانت تهدف إلى تحجيم الوجود الإيراني في سوريا. ولم يكن المقصود منها النظام السوري. خاصة الضربة الأخيرة في اللاذقية. حيث تبين أنها استهدفت دفعة أسلحة إيرانية. وأيضًا الغارات الإسرائيلية في ريف دير الزور استهدفت أكثر من مرة تجمعات للميليشيات الإيرانية.
ويتابع علي بكاري لـ”مصر 360″: لا يمكن إغفال التغاضي الروسي عن التحركات الإسرائيلية في الأجواء السورية. والواضح أن هناك اتفاقًا روسيًا إسرائيليًا على فتح الطريق أمام الطيران الإسرائيلي لضرب المصالح الإيرانية في سوريا. وهذا يمكن تفسيره بعدم الرضا الروسي عن الوجود الإيراني في سوريا. هناك أيضًا أطراف في النظام متذمرون من التمدد الإيراني في البلاد.
كذلك من الممكن فهم التقارب العربي مع النظام السوري، بأنه محاولة لفصل النظام السوري عن إيران، وطهران مدركة لهذا التوجه تمامًا، بحسب الباحث السوري. لذا هي تحاول أن تتجذر وتتوسع أكثر في مناطق لا يوجد فيها ثقل حقيقي للنظام السوري أو الروس، من بينها منطقة دير الزور وريفها. وهي نطقة جغرافية وأمنية مهمة للإيرانين ومعها منطقة أخرى هي البوكمال، المتاخمة للحدود العراقية السورية. حيث يوجد معبر البوكمال الذي يعد “عقدة وصل بين مناطق نفوذ إيران في العراق وسوريا، ومعبر للأسلحة والمسلحين المنخرطين في ميليشياتها. وهي تعتبر نقطة وصل بين العواصم الخاضعة لإيران بغداد، دمشق، بيروت”.