فاجأ البنك المركزي القطاع المصرفي بنشر تعميمات تتعلق بقواعد السيولة الطارئة التي يمنحها حال عدم قدرة أي بنك على توفير السيولة من سوق الإنتربنك، أو شبكة التواصل الداخلية بين البنوك، ويتم استخدامها لإقراض بعضها البعض.
ما هي السيولة المصرفية؟
السيولة المصرفية هي مقدار الأموال النقدية الموجودة في البنوك، وتساعدها على الوفاء بالتزاماتها للعملاء. وكذلك تمثل قدرتها على منح القروض للعملاء حال تم تقديم الطلبات إليها. وأيضًا تعبر عن قدرتها على تسييل الأصول المادية كالمساهمات في الشركات أو أمتلاك أراضي وعقارات، وتحويلها إلى نقد بسرعة.
مخاطر السيولة.. محاولة فهم أبعاد قرار المركزي
لا يمكن فهم أبعاد قرار المركزي دون التطرق لأسباب مخاطر السيولة من الأساس. وتنشأ بعدة أشكال ترتبط إلى جانب الالتزامات أو الأصول أو البنود خارج الميزانية أو خليط بينها جميعًا.
وبالنسبة لمخاطر الالتزامات، فإنها تحدث عندما يسحب المودعون إيداعاتهم فورًا. ما يتطلب من البنك توفير أموال إضافية من خلال القروض من الغير أو بيع بعض الأصول لمقابلة عمليات السحب المفاجئ.
وتنشأ مخاطر السيولة من جانب الأصول عند مواجھة صعوبات في بيع أحد الأصول لمقابلة التدفقات النقدية الخارجة. وقد تحدث من البنود خارج الميزانية -على سبيل المثال- عندما يتم السحب بصورة أكبر عن المقدر من الحدود الائتمانية السابق الموافقة عليھا من قبل البنك، ما يتطلب أن يقترض أموالا إضافية.
يمكن تلخيص جميع مخاطر السيولة في ثلاثة أنواع: أولها المخاطر التمويلية عندما يكون البنك غير قادر على مقابلة التدفقات النقدية المتوقعة وغير المتوقعة سواء الحالية أو المستقبلية بكفاءة، بدون أن يؤثر ذلك على العمليات اليومية أو الوضع المالي له.
النوع الثاني هو مخاطر السيولة السوقية. وتنشأ عندما يتعذر على البنك بيع أو رھن أحد أصولة وفق إمكانية تسييلھا بالسوق تعرف بمخاطر التصفية. أما مخاطر السيولة العرضية، فتنشأ عن الاستخدام المفاجئ لبعض الحدود الائتمانية الممنوحة للاطراف المقابلة، أو السحب المفاجئ لودائع العملاء.
تأويلات قرار المركزي
حمل القرار الكثير من التأويلات. خاصة أنه جاء بعد استقرار الأوضاع في القطاع المصرفي في أعقاب تداعيات جائحة كورونا، وتوفير سيولة ضخمة في القطاع المصرفي.
ففي خضم انتشار الموجة الأولى من الوباء، كانت المخاوف من اضطرار القطاع المصرفي لزيادة المخصصـات، وأن تتعرض أرباحها لضغوط. وبالفعل، انكمشت أرباح البنوك بنسبة 20% على أساس سنوي في الربع الثاني من 2020، خلال ذروة الإغلاق.
في تلك الفترة، زادت مخصصـات خسائر القروض، في ضوء مخاوف -حينها- من تنامي القروض المتعثرة. ورغم الوضع الجيد لرأس المال، بسبب انخفاض نسب القروض إلى الودائع، ووجود الكثير من السيولة المالية.
تعتبر عمليات منح السيولة الطارئة أداة من أدوات المتاحة للبنوك المركزية التي يتم بموجبها دعم البنوك ومساندتها لمواجهة أزمة السيولة على المدى القصير، نظرًا لما تمثله من الأزمات من تهديد استمرار عمل البنك، ما ينتج عنه من تأثر على المؤسسات المالية الأخرى.
يعزو “المركزي” القرار إلى “الأزمة المالية العالمية” التي أكدت أهمية إرساء البنوك المركزية إطارًا واضحًا وفعالاً فيما يتعلق بالسيولة الطارئة. فتحديد شروطها وإجراءاتها بشكل مسبق يرفع من جاهزية البنوك، للتأقلم مع أزمات السيولة المتاحة، بما يحفظ سلامة الجهاز المصرفي.
عمليات منح السيولة الطارئة تختلف عن العميات المتعلقة بالسياسة النقدية المعتادة من عمليات السوق المفتوحة التي يستخدمها البنك لامتصاص أو ضخ السيولة على مستوى القطاع المصرفي، والتأثير غلى المعروض النقدي.
كما تختلف عن أدوات السيولة الأخرى التي يتيحها البنك المركزي، مثل عمليات اليوم أو الليلة الواحدة التي تهدف أساس للحفاظ على سلامة عمليات نظم الدفع.
عمليات السوق المفتوحة تحدث حينما يقوم البنك المركزي بعرض أوراق مالية حكومية لبيعها للمصارف في حالة الحاجة إلى سحب نقود لتقليل عرض النقود. ذلك فيما يعرف بالسياسة الانكماشية.
والعكس يحدث حال الاحتياج إلى ضخ نقود. إذ يقوم البنك المركزي بشراء الأوراق المالية من المصارف والمؤسسات المالية، ويعرف ذلك بالسياسة التوسعية.
لجنة بازل.. الضوء الأحمر لمخاطر السيولة
بحسب مقررات لجنة بازل 2، فإن البنوك عالميًا بما فيها البنوك المصرية ملزمة بتصميم مجموعة من مؤشرات الإنذار المبكر، تساعد في عملية تحديد وإدارة العوامل المتعلقة بمخاطر السيولة.
لجنة “بازل” هي لجنة من هيئات الرقابة المصرفية التي أنشأها محافظو البنوك المركزية لمجموعة الدول العشر عام 1974 في أعقاب الاضطرابات الخطيرة في أسواق العملات والأسواق المصرفية الدولية. وتوسعت فيما بعد وضمت في عضويتها 45 مؤسسة. وهي تصدر توصيات بخصوص المعايير الدولية لكفاية رأس المال والمبادئ الأساسية للرقابة المصرفية الفعالة.
تمثل مؤشرات الإنذار المبكر لبازل الضوء الأحمر عند زيادة حجم مخاطر السيولة أو زيادة الاحتياجات التمويلية للبنك أو أية اتجاھات عكسية تتطلب من البنك إيجاد وسائل لتخفيف المخاطر. مثل الاحتفاظ بسيولة إضافية، ووضع نظام لحدود مخاطر السيولة، تنويع مصادر التمويل.
طبقا لمتطلبات بازل 3 هناك نسبتين للسيولة يجب الالتزام بهما، وتتضمن أن يكون هناك أوراق مالية عالية السيولة وتقدر على أساس حجم ما تغطيه من الالتزامات على البنك. لابد أن يتم وضع شروط منح السيولة الطارئة للبنوك، ومع كل متطلبات جديدة يتم وضع تعليمات رقابية مثل البنوك المركزي العالمية.
تشدد مقررات لجنة بازل على أن نسبة تغطية السيولة تهدف إلى التأكد من احتفاظ البنك بقدر كافٍ من الأصول السائلة عالية الجودة غير المرهونة. ذلك لمقابلة صافي التدفقات النقدية الخارجة خلال 30 يومًا في ظل سيناريو للظروف غير المواتية.
نص قانون البنك المركزي الجديد، الصادر في سبتمبر 2020، على تحديد رأسمال البنوك بـ5 مليارات جنيه بدلاً من نصف مليار جنيه، التوافق مع المتطلبات الدولية. خاصة في ظل استعداد القطاع المصرفى المصرى لتطبيق معايير “بازل 4”.
لدى مسؤولي البنك المركزي قناعة بأنه كلما ارتفعت القاعدة الرأسمالية للبنوك انخفضت نسبة المخاطر، وجعل البنوك قادرة على التصدى لأي أزمات تواجهها.
البنوك القوية
تقصر التعليمات الجديدة منح السيولة على البنوك ذات الملاءة المالية. وكذلك أن يكون مقدم الضمانات كافية، وأن يكون سعر العائد المطبق أعلى من متوسط الإقراض السائدة في السوق. وأيضًا أن يكون التمويل قصير الأجل.
وبحسب تعليمات البنك المركزي، فإنه يتم منح السيولة الطارئة كملاذ أخير حال عدم قدرة البنوك على تلبية احتياجاتها من السيولة من سوق الإنتربنك أو من الأسواق المالية الأخرى.
حظر البنك استخدام السيولة الطارئة في تمويل توزيعات الأرباح أو إعادة شراء الأسهم. وهو أمر بديهي في تمويل توزيعات الأرباح ترتبط ببنك يحقق ربحية ويوزع عائدها على المساهمين في رأسماله.
قواعد الحصول على سيولة طارئة
القواعد التي وضعها المركزي تجعله كما لو كان المدير الفعلي للبنك الذي يطلب السيولة. ذلك بإلزام للأخير بالإفصاح عن السيولة الطارئة المقدمة متى كان ذلك ضرويًا. بغرض الحفاظ على الاستقرار المالي ودعم ثقة المتعاملين في القطاع المصرفي.
ويخضغ البنك الحاصل على السيولة لرقابة مشددة من البنك المركزي. وهي تتضمن متابعة موقف السيولة لديه يوميًا، وموافاة المركزي ببيان أجل الاستحقاقات بصورة أسبوعية لمتابعة أي تغيرات. فضلاً عن موافاة بموافقة لجنة الأصول والخصول بالبنك قبل منح أي قروض أو تسهلات ائتمانية.
كما يجب عليه أيضًا إرسال التقارير المعدة من قبل لجان مجلس إدارة البنك. خاصة لجنة المراجعة الداخلية، واجتماع مجلس إدارته مع البنك المركزي متى ارتأى الأخير ذلك.
جعل “المركزي” الإجراءات التي تتطلب للحصول على السيولة الطارئة مفصلة بشدة. ذلك بداية من تقديم تقرير حول أسباب حصول البنك على السيولة الطارئة وأسباب عجزه عن تلبية احتياجاته من سوق الإنتربنك أو الأسواق المالية الأخرى.
أيضًا، يطلب من البنك طالب السيولة وضع خطة عن كيفية إعادة استقرار السيولة لوضعها الطبيعي خلال مدة التمويل. فضلاً عن مصادر السداد المتوقعة ومبالغ السيولة ومدتها والضمانات المتاحة لدى البنك، والتي يمكن استخدامها لضمان للتمويل.
يُشترط لاعتبار البنك ذو ملاء مالية، ألا يقل رأس المال الأساسي المستمر عن 4.5%، وألا يقل الشريحة الأولى من رأس المال عن 6%. وأيضًا ألا يقل إجمالي معاير كفاية رأس المال مضافًا عليه الدعامة التحوطية عن 12.5%. وكذلك ألا يكون البنك قيد التصفية، وألا ينطبق عليه الحالات التي يكون بموجبها متعثرًا أو ما يشير لإمكانية تعثره مستقبلاً.
يتم تكوين الدعامة التحوطية من الأرباح السنوية للبنك كدعامة إضافية مستقله لرأس المال الأساسي المستمر، الذي يتضمن إجمالي رأس المال الذى تم سداده بالكامل من قبل المساھمين إلى جانب الفائض المحتجز من الأرباح السنوية سابقة الترحيل للسنة الجارية.
لا أزمة
يقول خبراء مصرفيون إنه لا توجد أزمة سيولة في السوق المصرفية المحلية، فحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي كبير ومطمئن، وجميع المشروعات الجارية في مصر تتم بالجنيه، وليس بالدولار.
محمد بدير، الرئيس التنفيذي لبنك عودة السابق وقطر الوطني مصر حاليًا، يؤكد أن البنوك العاملة بالسوق المصرية تتمتع بسيولة عالية، وتمتلك أعلى معدلات للسيولة في المنطقة، ولا يوجد بنك في مصر يحتاج مثل هذه السيولة حاليًا.
وأضاف أن تلك الإجراءات مستقبلية تطبيقًا للتعليمات الرقابية والتنظيمية وتعد جزءًا من اللائحة التنفيذية لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الجديد الذي يتضمن إصدار قواعد رقابية على مراحل من خلال 14 مشروعًا لتنظيم عمل البنوك طبقا للقانون الجديد، وأحد بنود القانون اشتمل على نظام السيولة الطارئة التي يمكن للمركزي أن يمنحها للبنوك ذات الملاءة المالية المرتفعة.
وأوضح أن السيولة الطارئة للبنوك المركزية تعتبر أداة من الأدوات المتاحة التي يمكن بموجبها دعم البنوك ومساندتها لمواجهة أزمة السيولة على المدى القصير، وتتضمن شروط منحها أن يكون ذو ملاءة مالية مرتفعة ويحقق أرباحًا، ولديه قاعدة رأسمالية قوية ومقررات السيولة لديه تفوق معايير بازل 3.