لم تسبب الخطط الحكومية لتطوير بعض المناطق في القاهرة جدلا مثل حييّ السادس والسابع بمدينة نصر. وذلك لأسباب تتعلق في المقام الأول بالخلاف حول مدى احتياج المنطقة إلى التطوير من الأساس والقيمة العادلة لتسعير المتر بها للراغبين في الحصول على وحدات أخرى.
يتم حاليًا إجراء حصر للمنازل والمحال التجارية في المنطقة المفترض إزالتها وتمتد من قسم ثان مدينة نصر حتى شارع خليفة الظافر وصولًا لمحور جيهان السادات وتتضمن 4500 وحدة سكنية ومحال تجارية وورش تتعارض مع مشروع التطوير. بحسب تصريحات لميرفت مطر رئيس حي غرب مدينة نصر.
لا تندرج المنطقة ضمن الخطة الحكومية الموضوعة منذ سنوات لتطوير المناطق العشوائية والخطرة. فهي مخططة بشكل جيد مع مساحات فراغ قياسية بين العمران. ونسق واحد ينقصه إعادة زرع المساحات الخضراء. وفقا لبيان أصدرته عضو مجلس النواب مها عبدالناصر.
مساحات الفراغ القياسية هي كـلّ فـراغٍ بين المباني في المدينة. ويشمل كل ما يحيط بها من ممراتٍ وساحاتٍ عامة وميادين ومسطحاتٍ مائية وملاعب وحدائق خاصة وعامة ومواقفُ السّيارات وطرق.
مبررات المحافظة
محافظة القاهرة تبرر الهدم بالمساحة سالفة الذكر إلى توصيفها كمنطقة “خطرة” بعدما مر عليها 70 عامًا منذ تأسيسها على يد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. وذلك من أجل إنشاء أبراج عليها شبيهة بمثلث ماسبيرو بوسط القاهرة.
يقسم قانون البناء الموحد المناطق العشوائية إلى ثلاثة تصنيفات: مناطق خطرة وغير آمنة (وداخل هذا التصنيف تنقسم المناطق الخطرة إلى أربع درجات من الخطورة)، والثانية مناطق غير مخططة ومناطق غير صحية.
غالبا ما يتم الربط بين المناطق غير الآمنة بالعشوائية في تعريفات الأكاديمية وتوصيفها بمناطق تم بناؤها في المناطق الخطرة (من الناحية الجيولوجية). مثل: المساكن ذات المنشآت المتهدمة أو المتصدعة. أو المساكن المعرضة لحوادث السكة الحديد. أو التي تم بناؤها على أراضي دفن القمامة. أو التي تم بناؤها تحت تأثير التلوث الصناعي الكثيف. أو التي تم بناؤها تحت خطوط الكهرباء الهوائي.
تتضمن أيضًا مناطق تفتقد المساحة الكافية للمعيشة (يسكن فيها أكثر من شخصين بالغرفة الواحدة). ومناطق تفتقد الاتصال بالمياه النظيفة. وأخرى تفتقد الاتصال بشبكة الصرف الصحي. ومناطق تفتقد الحيازة الآمنة. ولم يتم ذكر مدينة نصر في خطط التطوير إلا فيما يتعلق بعزبة العرب.
كيف يتم التطوير؟
بحسب المحافظة فإن البلوكات السكنية في الحيين ينطبق عليها التعريف السابق فيما يتعلق بالتقادم والخطورة على السكان. وذلك لاعتبارات تتعلق بالتقادم ونمط البناء السائد حينها. ما يرفضه السكان مؤكدين أن مبانيهم قوية وأن مصر بها مباني بوسط القاهرة مر عليها ١٥٠ عامًا ولا تزال بحالها.
تقصد المحافظة هنا بمشروع التطوير تأسيس طرق ومحاور جديدة في المنطقة التي تعتبر أحد مداخل العاصمة الإدارية وللقضاء على التكدسات المرورية.
لم تحدد المحافظة حتى الآن كيفية احتساب التعويضات. والتي تؤكد المعلومات المتوفرة من وزارة الإسكان أنها ستبدأ من 15 ألف جنيه للمتر التجاري. وما بين 7 و8 آلاف جنيه للمتر السكني -حسب الشارع والموقع.
ويؤكد مصدر بالمحافظة أن المشروع يخص الدولة وليس استثمارا أو ممنوحا لشركة خاصة. ولن يتم ترحيل أحد ولكن سيتم عقد اجتماعات مستمرة معهم وصولاً إلى حل يرضيهم.
وأكد المصدر لـ”مصر 360″ أن بعض الأهالي أقاموا توسعات على المساحة الأصلية التي لا تتجاوز 70 مترا ليصبح متوسط الوحدة 100 متر تقريبًا. بينما أقام الطابق الأرضي محلات تجارية ملحقة بالوحدات. وسيتم حسابها أيضًا في تسعير قيمة الأرض أيضًا.
يضيف أن المنطقة ستكون مدخل العاصمة الإدارية الجديدة. ولا يصح أن يكون المدخل متهالكًا. وسيتم تعويض الملاك. إما بالحصول على شقة مؤثثة بالكامل في مشروعات الدولة مع فارق السعر. أو الحصول على وحدة بعد انتهاء الأبراج. أو الحصول على مبلغ مالي سيتم تحويله في اليوم نفسه للحساب البنكي للمستفيد.
يقول الأهالي إن السكان حياتهم استقرت والتطوير سيغير حياتهم. كما أن الدائري يتضمن عشوائيات أسوأ بكثير من منطقتهم. وهناك قاطنون من أصحاب المعاشات لم يعد دخلهم يسمح بدفع أقساط جديدة.
بالعودة لمواقع التسويق العقاري. نجد تزايدًا كبيرًا في مبيعات العقار بمدينة نصر خلال الأيام القليلة الماضية. خاصة منطقة البلوكات وعرض بعضها وحدته السكنية بقيمة أقل حتى من السعر المستهدف للتطوير في ظل التخوف من المشروع الحكومي.
على موقع “أوليكس” يتم عرض شقة مساحتها 100 متر بقيمة 575 ألف جنيه. بما يعادل 5.750 جنيه للمتر الواحد. وأخرى في الحي السابع بالمساحة ذاتها بسعر 580 ألف جنيه بما يعادل 5.800 جنيه للمتر الواحد.
أزمة التطوير والرغبة في البقاء
لكن الغالبية العظمى من الملاك يطالبون بالبقاء فيها. وقطاع منهم يخشون أن تجعله الدولة يدفع فارق السعر بين الوحدة الحالية وسعر المنطقة بعد التطوير الذي سيرتفع. ويطالبون بمكتوب من الدولة يتضمن شقة بعينها بالمساحة ذاتها والطابق ذاته في الأبراج الجديدة دون تحميلهم مليما. مع الاحتفاظ بوعد الدولة بدفع قيمة عامي إيجار لهم في وحدات بمدينة نصر أيضًا.
حال انتهاء الدولة من مشروع التطوير من المتوقع أن يتضاعف سعر متر الأرض في المنطقة. مع نقلها لأبراج مخططة بمسطحات مائية ليصبح سعر المتر 10 آلاف جنيه. خاصة أن المنطقة ستصبح مدخلاً للعاصمة الإدارية -المشروع العقاري الأبرز للسوق.
قبل شهر واحد طرح بنكا الأهلي ومصر وشركة “الأهلي صبور” المرحلة الثانية من مشروعها جاردينيا سيتي. الذي تم تدشينه قرب عزبة الهجانة بالحي العاشر. وموقعه أقل قيمة من الحيين السادس والسابع بأسعار شقق تبدأ من 975 ألف جنيه حتى مليون و400 ألف. وارتفع سعر الطرح الثاني عن الأول بقيمة تتراوح بين 50 و200 ألف جنيه خلال 11 شهرًا فقط للوحدة ذاتهابمساحة 120 مترًا.
في مشروع “دار مصر” بأكتوبر كان سعر الوحدة في أول طرح لا يتعدى ٤٥٠ ألف جنيه. وحاليًا يعيد الحاجزون الذين أنهوا الأقساط البيع بأسعار تتجاوز ٨٠٠ ألف جنيه بزيادة 44%.
مَن المستفيد من التطوير؟
يمكن للدولة والملاك بالحيين الاستفادة معًا من مشروعات التطوير التي تقع غالبيتها في مناطق جيدة على مستوى سعر الأرض.
مشروع مثل تطوير الحي السادس ستسفيد الدولة فى بناء أبراج ضخمة تصل إلى ٣٥ طابقا ستضم بعضها القاطنين الأصليين على أن يتم بيع الباقي لمن يرغب في الشراء بما يعوض التكاليف التي ستدفعها على المشروع.
في مشروع مثل السادس والسابع تتحمل الدولة تكلفة أعمال الهدم والتخلص من المخلفات. فكمية الحديد في العمارات لا تغري مقاولي الهدم باستخدام أسلوب المقاصة. أو بمعنى أخر الهدم مقابل الحصول على الحديد القديم والأخشاب.
المقاول حسين أمين يحدد تكلفة هدم عقار 100 متر مكعب بنحو 40 ألف جنيه. وذلك حال عدم الحصول على الحديد والأخشاب والأسلاك. وفي عقارات مر عليها 70 عاما بالطريقة القديمة في البناء فالحديد جدواه محدودة. ما يجعل التكلفة تفترب من 36 مليون جنيه لهدم العقارات المطلوبة في الحيين.
يضيف “أمين” لـ “مصر 360” أنه حال وجود حديد وأخشاب جيدة في العقارات قد تهبط التكلفة إلى 20 ألف جنيه. والأمر مرهون أيضًا بالقدرة على إدخال معدات ثقيلة واستخدام السيارات الصغيرة لنقل الركام والمسافة التي سيتم نقل ذلك الركام إليها.
حال استفادة جميع القاطنين من عرض الدولة باستئجار وحدة سكنية لمدة عامين لحين انتهاء مشروع التطوير. فإن التكلفة سترتفع إلى قرابة 14 مليون جنيه شهريًا. بما يعادل 324 مليون جنيه خلال الـ24 شهرًا. فسعر الشقة الإيجار في مدينة نصر لا تقل عن 3 آلاف جنيه في المتوسط.
يصعب تقدير تكلفة بناء الأبراج لأن شركات بعينها هي التي تعمل فيها بالسوق المحلية. في ظل احتياجها إلى أساسات ضخمة من الحديد والصلب بحجم وقطر ضخم. لكن يمكن القياس على التكلفة من وحي أبراج ماسبيرو التي يفترض أن تكون أساس التطوير.
في ماسبيرو تم إنشاء 3 أبراج “أبراج النيل” بتكلفة تقارب 6 مليارات جنيه و650 مليون جنيه. بارتفاعات 30 طابقًا تطل على النيل. بما يعادل 2.2 مليار جنيه للبرج الواحد. مع ملاحظة أن التكلفة إنشائية دون المرافق وحساب تطوير البنية التحتية للمناطق المحيطة.
النمط السوفييتي
النائبة مها عبدالناصر -عضو مجلس النواب- تقول إن منطقة بلوكات الحي السادس والحي السابع مخططة ومنظمة. حيث تم إنشاؤها في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وهي مناطق مصممة على أنماط سوفييتية كمساكن شعبية. مساحات المباني والفراغات بينها قياسية. وهناك مساحات خضراء مفترضة.
النمط السوفييتي المقصود يعود لعهد نيكيتا خروتشوف، الذي تبنى تحولا نحو بنية أبسط وأرخص بناء واستخدام الأراضي الخالية للأحياء السكنية الكبيرة منخفضة التكلفة. وذلك بدلاً من المضي في البناء المكلِّف في وسط المدينة لتحقيق وعد “لكل أسرة.. شقة منفصلة”.
كانت العمارات السوفييتية مصممة كمبانٍ مكونة من خمسة طوابق لا تستغرق في بنائها أكثر من أسبوعين. لكن دون بلكونات ووضع عمر افتراضي لها وقت التصميم بعشرين عامًا فقط. وتم إجراء تعديلات على ذلك النموذج بعد سنوات قليلة ليتضمن شققا أوسع بمناطق ترفيهية خاصة وملاعب ومناظر طبيعية.
تضيف النائبة: في طلب إحاطة للبرلمان تم تعميمه كبيان صحفي أن هذه المناطق هي أفضل تخطيطا من معظم مناطق القاهرة أصلاً.. وإذا تم اعتبارها غير مخططة فمن باب أولى أن يتم إزالة أحياء معظم محافظات مصر.
تكلفة التطوير
بعض سكان المنطقة اقترحوا أن يتحملوا دفع تكلفة التطوير على حسابهم الخاص. وهو اقتراح لم ترد عليه المحافظة حتى الأن. خاصة أن إزالة بعض الوحدات ستكون حتمية لتوسيع الطرق والقضاء على الاختناقات المرورية.
نائب محافظ القاهرة أكد وجود قائمة من السكان وافقوا على الحصول على التعويض المالي وتم صرف نحو 5 ملايين و840 ألف جنيه لــ12 أسرة. مشيًرا إلى أنه تم صرف التعويض حسب القيمة السعرية للمتر.
يعني ذلك أن التعويض في المتوسط يعادل 487 ألف جنيه للوحدة الواحدة. وهو في عرف السكان غير كافٍ لشراء وحدة في الحي الثامن الملاصق. فالأسعار ارتفعت لمساحة 114 مترا لتبلغ في الأبراج الجديدة مستوى 1.2 مليون جنيه. وفي المناطق الجيدة بحي عين شمس -التي تضنف في نظرهم بأنها أقل مستوى- الأسعار لا تقل عن 600 ألف للوحدة الشعبية. ويستدلون على ذلك بمواقع بيع العقارات والسماسرة.
في أبراج ماسبيرو يتكون البرج الواحد من 18 دوراً سكنياً. وذلك بإجمالي 468 وحدة سكنية. ما يعني حال تكرار التجربة في السادس والسابع أن إجمالي عدد السكان حال موافقتهم جميعا على الحصول على وحدات بعد التطوير سيحتاجون نحو 10 أبراج فقط للسكن. وحال موافقة النصف على العروض الأخرى بالحصول على التعويض أو الانتقال لمشروعات جاردينيا أو غيرها من المشروعات سيحتاج إعادة التسكين 5 أبراج فقط.
ترفع مشروعات التطوير قيمة الأرض بعدة أضعاف بعد الانتهاء من تطويرها بحدائق ونافورات وخدمات خاصة من الأمن والصيانة. الملاك ذاتهم يستفيدون من امتلاك وحدة جديدة في عمارات مجهزة بمصاعد بجانب الاستفادة من فارق السعر حال إعادة بيع الوحدات التي حصلوا عليها مجددًا في المستقبل. لكنهم يريدون ضمانات منصوص عليها بالعودة لشقق في المنطقة ذاتها دون دفع مليم واحد.