مثلما أثار بدء تطبيق لائحة الموارد البشرية الموحدة غضب عمال شركات قطاع الأعمال العام، وصعّد من احتجاجاتهم. فقد أثارت اللائحة نفسها جدلًا حول أحقية وزير قطاع الأعمال في إصدارها من الأساس. وكذا مدى قانونيتها، في ظل عدم إجراء حوار مجتمعي مع النقابات العمالية.

على الأرض، دخل إضراب عمال شركة المستودعات المصرية في الإسكندرية التابعة للشركة القابضة للنقل البحري يومه الخامس. وكان عمال الشركة وعددهم 1400 بدأوا إضرابهم عن العمل الأحد الماضي، احتجاجًا على قرار الجمعية العمومية تخفيض أرباحهم من 28 شهرًا إلى 7 شهور فقط في العام. ذلك وفقًا لتوجيهات وزير قطاع الأعمال العام.

تخفيض الأرباح إعمالًا باللائحة الجديدة

وقد أخبر رئيس مجلس إدارة الشركة العمال أن الجمعية العمومية أقرت صرف أرباح 7 شهور فقط تطبيقًا للائحة الموارد البشرية الجديدة. الأمر الذي أثار اعتراضات العمال. وعقب عليه رئيس مجلس الإدارة بالقول: “هي لائحة ويجب تطبيقها وليس لنا دور فيها.. دي أوامر عليا”.

فاجأ وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، العمال بتطبيق اللائحة. ذلك رغم عدم إقراراها من مجلس الوزراء أو عرضها على مجلس النواب، بحسب القيادي العمالي جمال عثمان.

وقال عثمان، في حديث لـ”مصر 360″، إن اللائحة الجديدة تلك تخالف قانون العمل 12 لسنة 2003. وكذا قانون التأمين الاجتماعي 148 لسنة 2019. فضلاً عن أنها لم تنشر في الجريدة الرسمية إلى الآن. وبالتالي تظل مشروع لائحة لا يجب تطبيقه قبل الصدور في الجريدة الرسمية. وهو يراها تنتقص بشدة من حقوق العمال التي وردت في التشريعات الاجتماعية.

أبو عيطة: اللائحة باطلة

يصف وزير القوى العاملة السابق، كمال أبو عيطة، اللائحة الجديدة بـ”الباطلة”. ويؤكد أنه بصدد إقامة دعوى قضائية لإلغائها، باعتبارها مخالفة للدستور والقوانين.

ويتفق أبوعطية مع الرأي الذي يرى عدم أحقية لوزير قطاع الأعمال في إصدارها. ذلك لأن اللوائح تخص المنشآت، وهي ذات مراكز مالية مختلفة. كما أنها تتفاوت بين ما يحقق مكاسب ومن يخسر. وبالتالي لا يمكن تطبيق لائحة عامة واحدة على كل الشركات. “اللوائح توضع وفق ظروف كل منشأة”.

حسب الدستور وقانون العمل، يجب إشراك العاملين في صياغة اللوائح عبر حوار اجتماعي، كما يوضح أبوعيطة. كما أن قانون قطاع الأعمال رقم 185 لسنة 2020 ينص على أن تضع كل شركة لوائحها، مع اللجنة النقابية. وهو ما لم يحدث في شأن اللائحة الجديدة.

وقد دفع ذلك الأمر دار الخدمات النقابية والعمالية بمطالبة الجهات المسؤولة بضرورة العودة والاستماع إلى العمال وممثليهم. وأيضًا عدم التسرع في تطبيق لوائح وتشريعات دون حوار مجتمعي حقيقي حولها.

الاحتجاجات تصل قطاع السياحة

اعتبرت دار الخدمات النقابية تطبيق اللائحة بشكلها الحالي وقبل نشرها في الجريدة الرسمية أمر يثير العديد من الأزمات في مختلف شركات قطاع الأعمال العام. إذ لم تقتصر الأزمة على شركة المستودعات. وقد وصل منشور وزير قطاع الأعمال باللائحة الجديدة وتطبيقها بأثر رجعي منذ يوليو/ تموز الماضى إلى شركات السياحة التابعة لقطاع الأعمال العام.

ولفت المنشور إلى أن الحد الأقصى للأرباح التي توزع على العاملين لا تزيد في مجملها عن نسبة 12% من حجم صافي الأرباح. وألا تزيد شهور المنح والمناسبات التي يتم منحها للعاملين في الأعياد والمناسبات عن أربعة شهور كحد أقصى، وعلى الأجر الأساسي. كما حدد لكل شركة من الشركات القابضة والتابعة أشهر إثابة لا تزيد عن 20 شهرًا.

وحسب المنشور، يتم تطبيق هذه القواعد المالية اعتبارًا من أول يوليو/ تموز الماضى. مع وقف صرف أي منح أو حوافز أو إثابة للعاملين حال الصرف وفقًا للقواعد الجديدة. وأن يتم خصم ما تم صرفه من هذه الحوافز أو المنح خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، من القيم المتبقية من رصيد للعاملين خلال النصف الثاني، وبأثر رجعي. وهو ما يعتبره أبوعيطة مخالفة للمبدأ القانوني أنه لا تطبيق بأثر رجعي.

كما منع المنشور الشركات من منح العاملين خلال هذه الفترة أي حوافز أو مناسبات أو مكافات ولو تشجيعية.

الحريات النقابية تدعو للاحتجاج

لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل، أعلنت رفضها إصرار الوزير على مخالفة قانون العمل 12 لسنة 2003 وقانون التأمين الاجتماعي 148 لسنة 2019. بينما كشف بيانها عن لقاء جمع الوزير برؤساء الشركات القابضة، طلب فيه تنفيذ اللائحة الجديدة. وقد أبلغ رؤساء الشركات رؤساء مجالس إدارات الشركات التابعة لهم بالتنفيذ وبأثر رجعي. وهو ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد خصومات كبيرة من دخول العمال. بنسبة تصل إلى 75%.

وفي السياق، دعت اللجنة العمال لتنظيم وقفات احتجاجية. حيث تجمع العاملين في مقر الشركة القابضة للسياحة، وأعلنوا رفضهم تطبيق اللائحة الجديدة.

وتجمع عمال المطاعم العائمة بشركة مصر للسياحة، ووجهوا استغاثة مصورة للرئيس عبد الفتاح السيسي، طالبوا فيها بالتصدي لقرار وزير قطاع الأعمال العام بتطبيق لائحة الموارد البشرية الموحدة.

موقف اتحاد العمال

كذلك، طالب اتحاد العمال بوقف العمل باللائحة الجديدة. وأكد أنها تنتقص من حقوق العمال التي كفلتها لهم لوائحهم الداخلية والمعتمدة طبقًا للقانون، وكفلها لهم القانون والدستور.

وأرسل الاتحاد مذكرة إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ومجلسي النواب والشيوخ، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في هذا الشأن.

وتحدثت المذكرة عن تضرر العاملين بقطاع الأعمال العام من تطبيق لائحة الموارد البشرية التي اقترحها وزير قطاع الأعمال العام، بالمخالفة للقانون والدستور. وذكرت أن هذه اللائحة تخالف توجيهات وتعليمات الرئيس وتأكيده أنه في ظل التطوير والتحديث لا يجب أن يكون هناك انتقاص لأي حق من حقوق العاملين.

ونصت المذكرة على: “يخالف وزير قطاع الأعمال العام، تعليمات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بإرجاء تنفيذ هذه اللائحة، وإحالة الأمر لوزارة القوى العاملة لتطبيق المفاوضة الجماعية عن طريق الثلاثية (وزارتي القوى العاملة وقطاع الأعمال العام، والشركات القايضة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، والتنظيم العمالي عن طريق النقابات العامة المعنية والممثلة للقواعد العمالية). وذلك طبقا للدستور والقانون والاتفاقيات الدولية.وأكدت المذكرة، أن وزارة قطاع الأعمال العام لديها إصرار كبير على تنفيذ بنود تلك اللائحة بالقوة، وبالمخالفة للوائح والقوانين والدستور”.

اللائحة الجديدة تواجه أول طلب إحاطة

وقد تقدم سامح السايح، عضو مجلس النواب، بأول طلب إحاطة بخصوص الأثر السلبي لتطبيق لائحة الموارد البشرية الجديدة على العاملين بشركات قطاع الأعمال العام. ولفت إلى أن تطبيق اللائحة رغم ما بها من قصور وبأثر رجعي من يوليو/ تموز الماضي يمثل مخالفة واضحة وصريحة للقانون. وهو يؤثر بشدة على مستحقات العاملين.

وطالب السايح أيضًا بإيقاف تطبيق هذه اللائحة ومناقشة الموضوع داخل اللجان المختصة بمجلس النواب للوصول إلى حل يحفظ حقوق العاملين.

وكان تقرير صادر عن دار الخدمات النقابية كشف عن وجود تناقض تشريعي في مشروع لائحة الموارد البشرية للعاملين بقطاع الأعمال العام، بالمخالفة لقانون العمل 12 لسنة 2003. وبحسب التقرير: “منح مشروع اللائحة مجلس الإدارة والجمعية العمومية حق تحديد العلاوة”. وهو مخالف لقانون العمل الذي حدد الحد الأدني منها بنسبة 7%. ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقل نسبة العلاوة الدورية، ويمكن التدخل وزيادة نسبتها وليس الانتقاص منها.

وحول العقوبات التأديبية، نص القانون على أنه لا يجوز الفصل إلا وفقًا للقانون. بينما يعطي مشروع اللائحة للإدارة حق الفصل بغير الإجراءات التي نظمها القانون. وقد جعلها عقوبة تأديبية دون اتصالها بعبارة وفقًا لأحكام القانون. لأن عكس ذلك يخالف نص المادة 68، التي تجعل اختصاص جزاء الفصل من الخدمة للمحكمة العمالية.

وتناول التقرير مخالفة اللائحة للقانون فيما يتعلق بالإغلاق الجزئي. حيث أشار مشروع اللائحة في مادته 85 إلى أن الإغلاق يكون بمذكرة تقدمها الإدارة إلى الجمعية العمومية للشركة، وتحدد فيها ماهو المطلوب إغلاقه، وتحديد الفئات من العمال المراد تخفيضها. وهنا يتم التنصل من الضوابط التي حددها القانون في المادة 197 بعرض طلب الإغلاق على اللجان المشكلة.