نشر موقع النيابة العامة المصرية بتاريخ الثلاثاء الموافق 11 / 1 / 2022، بياناً حول غرق سيارة نقل بمياه نهر النيل ناحية قرية القطا بمنشأة القناطر، كان على متنها أربعة وعشرون عاملاً ما بين أطفال وبالغين، كانوا في طريق عودتهم من مزرعة يعملون بها، وأسفر الحادث عن وفاة اثنين وفقد ثمانية.
وعلى صعيد آخر فقد أنهى مجلس الشيوخ نقاشه حول حالات تشغيل الأطفال في قانون العمل الجديد فيما يخص عمالة الأطفال.
وقد حسمت اللجنة تقريرها فيما يخص نص المادة 58 من مشروع قانون العمل والتي تتعلق بعمالة الأطفال، حيث حظرت تشغيل الأطفال، ونصت على أن:
يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم 15 سنة، ومع ذلك يجوز تدريبهم من سن 14 بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم.
وألزم مشروع القانون صاحب العمل الذي يستخدم أطفالاً أقل من 16 سنة بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب مرفق بها صورة الطفل وتعتمد من الجهة الإدارية المختصة، كما حظر مشروع القانون تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يومياً، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يعمل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية.
ومن الناحية النصية فإن هذا النص لا يحقق الحماية اللازمة للأطفال، وذلك لسماحه بتشغيل الأطفال أقل من 16 سنة، حتى ولو افترضنا أن ذلك تدريبا كما جاء بمشروع القانون، إلا أن ذلك لا يجد له صدى من الواقع الحياتي، فلا يوجد أي نوع من الرقابة الحقيقية على ظاهرة عمالة الأطفال التي يتحدث عنها النص، كما سبقه في ذلك نص قانون الطفل المصري، وهو من الناحية القانونية من أفضل صيغ القوانين على مستوى المنطقة العربية، بل ويضاهي أيضا النصوص في الدول الأوروبية من حيث كفالة الحماية القانونية في نصوص القانون للأطفال في مجال التشغيل والتدريب والعمل، كما أن قانون الطفل قد اتخذ مرجعيته في المصلحة الفضلى للأطفال واستند إلى معظم الاتفاقيات الحقوقية والدولية المعنية بحقوق الأطفال.
لكن تكمن المشكلة في التطبيق الواقعي للنص، وهو الأمر الذي يلزم الجهات الإدارية ذات الاختصاص بإعمال رقابتها الحقيقية حول موضوع عمالة الأطفال، وهو أمر يندر تطبيقه، إذ إن مكاتب العمل المختصة لا تفعّل رقابتها على كثير من القطاعات التي يلجأ إليها الأطفال، وكذلك أيضا لجان حماية الطفل المنصوص عليها في قانون الطفل، إذ إنه بحسب قانون الطفل تكون مخالفة نصوصه في هذا النطاق جريمة تسمى “تعريض الطفل للخطر”، كما أن وجود عقوبة مغلظة من جراء مخالفات تشغيل الأطفال وتغريم المخالفين من أصحاب الأعمال لم يحد من تلك الظاهرة الخطيرة على المجتمع المصري، والتي يلازمها ظاهرة التسرب من التعليم.
وإذا ما أمعنا النظر من خلال الحادث الأخير الذي تباشر التحقيق فيه النيابة العامة حاليا، فلا بد من أن ندرك الأسباب التي تدفع الأسر إلى الدفع بأطفالها مبكراً إلى سوق العمل، ويكثر ذلك جداً في المناطق الريفية، خصوصاً المزارع الكبيرة، والتي يحتاج ملاكها إلى الأطفال الصغار، خصوصاً في مواسم الزرع والحصاد، إذ إن كلفة عمالة الأطفال في الغالب تكون أقل من عمالة الكبار، وأن الأطفال تذهب إلى سوق العمل مبكراً تحت سيف الحاجة الملحة إلى قضاء المتطلبات الحياتية، ولمساعدة أسرهم التي تكون في الغالب في أمس الحاجة إلى أي دخل يساعد على مقومات الحياة في ظل حالة الغلاء المستمر في كل شيء، وأرى أن القطاع الريفي هو أكثر القطاعات استيعابا لعمالة الأطفال.
ومن الناحية الفقهية الاجتماعية فقد أكدت معظم الدراسات الاجتماعية على أن الفقر هو أهم العوامل المهيمنة والمؤدية لانتشار العمالة عند الأطفال، إذ إن وجود الأسر الفقيرة يضطرهم إلى الدفع بالأطفال إلى سوق العمالة، كما أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدول النامية وازدياد معدل الفقر يجعل من المجتمعات الفقيرة سوقا خصبة لعمالة رخيصة من الأطفال، وذلك ما يؤكده أهالي الضحايا.
فبحسب موقع “المصري اليوم” بتاريخ الثلاثاء 11 يناير علق خال ضحيتين من الأطفال بقوله: “ولاد أختي ماتوا علشان ضيقة الحال”، وهو ما ينتج كثرا من الجهل وتفشي ظاهرة التسرب من التعليم، هذا بخلاف ما يحدث داخل سوق العمل من اعتداءات على الأطفال تصل في بعض الأحيان إلى الاعتداءات الجسدية والجنسية، وهو ما يزيد كذلك من ظاهرة أطفال الشوارع وما ينتج عنها من أضرار اجتماعية بالغة الخطورة.
من هنا فإنه يجب عدم الارتكاز على وجود نصوص قانونية تضع حداً أو عقاباً على مخالفة الظاهرة، إذ إن وجود النصوص ليس كفيلا وحده بمعالجة تلك الظاهرة الأهم في المجتمع المصري، بل أرى أن الأوجب والأنسب هو تفعيل النصوص الموجودة من خلال آليات تنفيذية محترمة جديرة بحماية الأطفال الذين تنهش عظامهم سوق العمل بكل ما تحتويه، أم أن الأمر سيقف عند حدود قول الشاعر أمل دنقل: أن القوانين تُسن دائما لكي تُخرق؟