ما تزال تداعيات الانتخابات في العراق والجلسة الأولى للبرلمان الذي شهد درجة قصوى من الاستقطاب بين الأطراف السياسية، تبعث بتعقيدات جمّة. وقد شهدت العاصمة بغداد تصعيداً ميدانياً من المليشيات المدعومة من إيران، وتهديدات من قيادات تحالف الفتح -الذراع السياسية للحشد الشعبي– وتحديداً زعيم التحالف هادي العامري.
ومع التعثر القائم بخصوص ولادة الحكومة فإن المحكمة الاتحادية العراقية قررت مؤخرا تأجيل البت في دعوى الطعن في الجلسة الأولى لمجلس النواب. وذلك بعدما عطلت عمل البرلمان بصورة موقتة للنظر في دعوى أقامها نائبان طعنا بدستورية الإجراءات التي تم تنفيذها في الجلسة الافتتاحية للبرلمان. والتي شهدت انتخاب رئيس للمجلس ونائبين له.
وبحسب وكالة الأنباء العراقية فإن المحكمة قررت تأجيل البت بالدعوى إلى 25 كانون الثاني/يناير الجاري. وتابعت: “المحكمة الاتحادية دونت إفادات المدعين حول الطعن في جلسة البرلمان الأولى”.
قاآني في العراق وقت التصعيد
وبالتزامن مع التصعيد الميداني والسياسي واحتدام المواقف بين قادة التيار التنسيقي -يضم القوى السياسية المهزومة في الانتخابات العراقية- وكذا التيار الصدري الذي يسعى زعيمه مقتدى الصدر لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”. زار قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني النجف. بينما التقى قادة الفصائل الشيعية المسلحة لترميم الفجوة بينهم. وتدشين اصطفاف سياسي داخل البيت الشيعي في زيارة غير معلنة. بعدها زار العاصمة العراقية بغداد.
وبحسب منصة “صابرين نيوز” -التابعة للحرس الثوري الإيراني- فإن “قاآني بدأ بزيارة مرقد محمد صادق الصدر (المرجع الشيعي الراحل وهو والد مقتدى الصدر) والمدفون في النجف”. كما كشفت المنصة الإيرانية عن لقاء قائد فيلق القدس بزعيم التيار الصدري. وذلك بعد إخفاق كافة السبل لإقناعه بالاصطفاف مع قوى الإطار التنسيقي.
وأوضحت منصة “ميدل إيست نيوز” الإيرانية أن “هادي العامري قد قبل شروط مقتدى الصدر. وسينضم إلى ائتلافه قريبا”. كما نسبت المنصة لمصادر مطلعة قولها إن “أصعب شرط وضعه الصدر للائتلاف هو الإطاحة بنوري المالكي من أي ائتلاف في الحكومة المقبلة، والآن وبعد عدة جولات من المشاورات اتضح أن هادي العامري قد قبل بشروط مقتدى الصدر”.
العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، بنجين ريكاني، غرد على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلا: “الائتلاف الحاكم سيكون الصدر والبارزاني والحلبوسي والعامري”.
كما قال زعيم التيار الصدري في أعقاب الهجمات المسلحة المكثفة مؤخرا. والتي استهدفت المنطقة الخضراء. وكذا منزل نائب رئيس البرلمان: “يشيع العدو الإرهابي أنه قادم.. المشكلة الأكبر هو ما يقوم به البعض من تضخيم الأمر ليشيع الخوف والرعب والطائفية في أوساط الشعب العراقي. فيكون بنظرهم حامي الأرض والعرض”. وأردف: “نحن على أتم الاستعداد والتأهب جنبا إلى جنب مع القوات الأمنية لردع أي خطر محتمل”.
بين الدولة واللا دولة
ويشير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية إلى أن نتائج الانتخابات العراقية قد خلفت انعكاسات مباشرة على طبيعة التوازنات المحلية. وكذا الفواعل الإقليمية والدولية. كونها ستفرز كتلا جديدة ذات أغلبية برلمانية لتسمية أعلى منصب تنفيذي في البلاد. ستعمل إما لصالح مسار الانتقال نحو الدولة وإما لصالح مسار اللا دولة.
وقد أفرزت الانتخابات المبكرة ملامح معادلة عراقية جديدة ترسم صورة للتوجهات العراقية خلال السنوات الأربع القادمة. عنوانها انكشاف إيران في الدولة العراقية وتنامى كتلة الرفض الشعبي العراقي لإيران وأذرعها ذات النزعة الطائفية.
ويردف: “تدرك إيران أن تشكيل حكومة عراقية غير موالية لها ستمضي قدما في مسار الانتقال نحو الدولة مقابل مزيد من التراجع لمسار التمسك باللا دولة. وهو ما يعني تراكم العقبات أمام المشروع الإيراني في العراق إذا ما أصرت الحكومة الجديدة على المضي نحو ضرورة حصر السلاح بيد الدولة. والحد من النعرات الطائفية والنزعات المذهبية وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية. بما يضمن مزيدا من خطوات عودة العراق إلى محيطة العربي”.
أن يكون عدم الاستقرار ميزة
وفي حديثها لـ”مصر 360″ توضح الباحثة السياسية اللبنانية سوسن مهنا أن عدم الاستقرار يعد ميزة أساسية وجزءا من طبيعة المشهد العراقي. وذلك منذ التدخل الإيراني في العراق عام 2003. ورغم أن حراك تشرين 2019 الشعبي وهتافات “إيران بره بره، والبصرة حرة حرة وعراق تبقى حرة” لم يعبر عن نفسه بقوة من خلال تشكيلات حزبية سياسية كبيرة مثل الأحزاب الشيعية والسنية والكردية. إلا أن التعبير الأكثر حضورا عن الرفض الشعبى للأحزاب التقليدية، خاصة الموالية لإيران ولسياستها، جاء عبر عدد المقترعين الذين قرروا معاقبة تلك الأحزاب وأذرعها العسكرية من الميليشيات وفى مقدمتها هيئة الحشد الشعبي.
كما أن خسارة وكلاء إيران في الانتخابات العراقية قد لا يعني بالضرورة تراجع نفوذها في العراق. لكن قد يكون بداية لـ”تفكك” المنظومة الإيرانية. فإيران بدأت تدفع بأجندتها في العراق من خلال استغلال نفوذها الاقتصادي المتمثل بإمدادات الطاقة والغاز والمواد الغذائية ومواد البناء والسياحة وغيرها بعد تراجع تأثير الحشد الشعبي. وفقا لتقرير نشره مركز أبحاث “المجلس الأطلسي”.
وبحسب الباحثة السياسية اللبنانية فإن نتائج الانتخابات تمثل علامة على تضاؤل النفوذ الإيراني، كما أنها خلقت معضلة لإيران. إذ وجدت طهران نفسها أمام مفارقة نتيجة لما أفرزته العملية الانتخابية في العراق.
ففي حال لم تدعم مزاعم تحالف الفتح بشأن تزوير الانتخابات فإن هذا سيزيد احتمالية تحرك الحكومة العراقية المقبلة لنزع سلاح فصائل الحشد الشعبي. ومن ناحية أخرى يرى النظام في طهران أن دعمها لمزاعم التزوير سيجعلها عالقة في دوامة الجدل الداخلي القائم بين القوى السياسية.
مستقبل التأثير الإيراني في العراق
وتردف مهنا: “لكن طهران لن تقبل بفقدان نفوذها في العراق بسهولة. لأن من أهدافها تنامي تأثيرها داخل دول المنطقة والعراق. يجب أن يكون على رأس أولوياتهم مهما كانت التكاليف. العراق مقبل على مرحلة سياسية يبتعد فيها خطوات عن حالة التأثير الإيرانية المهيمنة على سياساته الداخلية والخارجية. دون أن يعنى ذلك فك الارتباط بالكامل بينها وبين القوى السياسية الشيعية. لأن التيار الصدرى فى النهاية هو أحد مكونات القوى السياسية الشيعية التقليدية ذات المرجعية الدينية. وأيضا من القوى السياسية التى كان لها ذراع عسكرية تطورت طبيعة تداخلاتها فى الحياة السياسية بدءا من جيش المهدى وصولاً إلى سرايا السلام، وهى ميليشيات حظيت فى مرحلة ما بدعم إيران”.
وتواجه إيران وفقا لنتائج الانتخابات تحديات واضحة بشأن دورها فى الداخل العراقى. خاصة ذلك الدور الداعم مادياً وعسكرياً للميليشيات العراقية المسلحة الموالية لها، والتى تراجعت نتائجها بصورة مذهلة. ما يمنعها من أن تكون صاحبة اليد الطولى فى الانفراد بعمليتى تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر واختيار شخصية رئيس الوزراء. الأمر الذى يقلص من البدائل المتاحة أمام إيران بشأن نطاق ومدى المناورة التى يمكن أن تخوضها فى المشهد السياسى العراقى. لا سيما فيما يتعلق باختيار رئيس الوزراء الجديد. ووفقاً لذلك، يتقلص هامش حركتها وينحصر فى حالة “التوافق الإقليمى والدولى” التى يحتاج أن ينالها شاغل منصب رئيس الحكومة، وإن كانت أيضاً ستخضع لتفاعلات وظروف داخلية وخارجية محددة.