تواصل الدول الغربية حاليًا رفع الحد الأدنى للأجور لتحسين أحوال العمال في القطاع الخاص. وذلك بصرف النظر عن التوقعات المتشائمة حول التضخم وتسجيله أعلى مستوى في عقود عدة.
يأتي ذلك بينما وصل عدد الشركات المصرية الخاصة التي تقدمت بطلب استثنائها مؤقتا من تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور -البالغ 2400 جنيه- بجانب علاوة دورية 70 جنيها كحد أدنى أو 3% من قيمة أجر الموظف التأميني. والذي كان يفترض تطبيقه بدءا من يناير الحالي- إلى 3100 شركة غالبيتها من السياحة والملابس الجاهزة والأمن والحراسات. والتي قالت إنها لا تزال متضررة من تداعيات كورونا.
وتحاول الشركات الحصول على استثناء من المجلس القومي للأجور الذي تحدث عن “مراعاة الظروف التي يمر بها الاقتصاد الخاص في ظل جائحة كورونا”. والتي تتطلب ضرورة تخفيف الأعباء على المنشآت الاقتصادية لتتمكن من الاستمرار في أنشتطها الاقتصادية بكفاءة. وكذلك الاستمرار في أداء واجباتها تجاه العاملين بها.
والمجلس القومي للأجور يختص بوضع الحد الأدنى على المستوى القومي بمراعاة نفقات المعيشة والوسائل والتدابير التي تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار. بالإضافة إلى بحث هيكل الأجور لمختلف المهن والقطاعات والأنشطة ووضع السياسات الخاصة بالحدود الدنيا والقصوى للأجور وتقديم المقترحات بهذا الشأن ورسم السياسات القومية للأجور ووضع برامج قومية شاملة.
تسارع عالمي في الأدنى للأجور
رغم الظروف الواحدة للاقتصاد العالمي حاليا في ظل تحديات كورونا فإن الدول الغربية تواصل رفع الحد الأدنى. فبحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية بفرنسا تم زيادة الحد الأدنى بنسبة 0.9٪ في يناير. وذلك ليصعد من 10.48 يورو للساعة إلى 10.57 يورو ليصل الإجمالي إلى 1603 يورو. تعادل 35 ساعة أسبوعيًا.
تمثل تلك الزيادة الثالثة خلال عام واحد بعدما ارتفع في يناير 2021 بنسبة 0.99٪. ثم شهد زيادة أخرى في أول أكتوبر بنسبة 2.2٪ لمواجهة تحديات جائحة كورونا على الدخول. وذلك ليستفيد منها نحو 2.25 مليون عامل.
وفي فرنسا تتمّ زيادة الحدّ الأدنى تلقائيًا بإضافة قيمة التضخم التي تم تسجيلها في العام المنتهي على ألا يقلّ عن نصف معدّل نموّ أجر العامل المنخفض الدخل في الساعة الواحدة.
في ألمانيا أعلن أعضاء الحزب الديموقراطي الاشتراكي الحاكم أنهم يعتزمون المضي قدما للوفاء بوعودهم التي قطعوها في أثناء حملتهم الانتخابية لرفع أدنى أجر إلى 12 يورو للساعة اعتبارًا من أكتوبر المقبل.
يبلغ حاليًا أدنى أجر في ألمانيا 9.82 يورو الساعة. ومن المقرر رفعه إلى 10.45 يورو للساعة من يوليو القادم. ثم 12 يورو بعدها بثلاثة أشهر فقط لتحسين 6.2 مليون عامل رغم التكلفة التي يلقيها على أصحاب العمل والتي تناهز 1.63 مليار يورو.
لم تكتف الحكومة الألمانية برفع الأجور بل تبعتها بإعفاءات ضريبية للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة. وذلك بقيمة لا تقل عن 30 مليار يورو. بما يعادل 34.1 مليار دولار تعادل مساهمات تأمين المعاشات التقاعدية ونهاية الرسوم الإضافية لأسعار الكهرباء وإعفاءات ضريبية.
في أمريكا زاد عدد السلاسل الكبرى التي رفعت الأدنى للأجور إلى 15 دولارا في الساعة. وهو الحد الأدنى الذي أعلنه الديموقراطيون والناشطون المدافعون عن حقوق العمال. وذلك للمساهمة في تحسين أوضاع العمالة والإبقاء عليها في خضم أزمات كورونا وتغيير الكثيرين أنشتطهم.
الأعلى عالميًا
لا تزال سويسرا هي الأعلى عالميا في الحد الأدنى للأجور. وذلك منذ قرار رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح الأعلى عالميا. إذ يتقاضى العامل 25 دولاراً في الساعة بما يعادل 4490 دولاراً كحد أدنى شهريًا. لكن لم يتم رفع الحد الأدنى بقرار حكومي ولكن بضغط شعبي بعد حملة توقيعات شهرية تبعها استفتاء وافق عليه 58% من الجماهير.
وفي بريطانيا تم رفع الحد الأدنى للأجور في أبريل الماضي لما يعادل 11.98 دولار (9.86 يورو) في زيادة استفاد منها نحو مليوني بريطاني.
أما النرويج التي تم فيها وقف الحد الأدنى للأجور منذ 8 أعوام باستبداله باتفاقيات العمل الجماعية التي تنص على تحديد الحدود الدنيا للرواتب في النرويج تراعي ارتفاع تكاليف المعيشة. تحسن فيها الحد الأدنى للرواتب العاملين ليصل في شركات التنظيف إلى 196 كورونا للساعة تعادل 22 دولارًا.
تاريخ الحد الأدنى للأجور
تعود فكرة تطبيق الحدّ الأدنى لنيوزيلندا عام 1894 مع إصدار نظام التوفيق والتحكيم الصناعي بجانب التشريع الخاص بتأسيس مجالس الأجور الذي اعتمدته ولاية فيكتوريا الأسترالية عام 1896.
اعتمدت المملكة المتحدة أوّل تشريع خاص بالحد الأدنى عام 1909. والذي كان يطال في البدء أربعة قطاعات فقط ثمّ توسعت تغطيته مع اعتماد قانون مجالس للأجور عام 1918 وقانون مجلس الأجور عام 1945. وكلها شملت العمال الذين يتقاضون أجرًا زهيدًا.
انعكست الجهود الرامية إلى ضمان التغطية الوطنية للحد الأدنى للأجور عبر اعتماد منظمة العمل الدولية الاتفاقية تحديد الحدّ الأدنى للأجور رقم 131 في عام 1970. والتي تعهّدت فيها الدول الأعضاء باستحداث نظام للحد الأدنى يغطّي جميع فئات متقاضي الأجور لمواجهة الأجور المنخفضة.
عودة لمصر. تتزايد شكاوى العاملين في القطاع الخاص من انخفاض الحد الأدنى للأجور التي لا تلتزم به الشركات. فقطاع مثل شركات النظافة الخاصة لا يزال أجر العامل 750 جنيها شهريًا، وفي الوقت ذاته تشكو الشركات من عدم قدرتها على الدفع.
طبق المجلس الأعلى للأجور قرار الحد الأدنى الجديد لأجور القطاع الخاص الذي أقره قبل شهور بواقع 2400 جنيه شهريا بدءًا من أول يناير الحالي. لكنه قال إنه سيراعي الظروف الاقتصادية للمنشآت التي يتعذر عليها حالياً الالتزام به واستثناؤها من ذلك، ما يفتح بابا لعدم الالتزام.
يتم تحديد الحدّ الأدنى للأجور بطريقة متوازنة مع اعتبار معايير اجتماعية. مثل حاجة العمال وأسرهم والتضخم ومستوى الأجور العام ومستويات منافع الضمان الاجتماعي بجانب العوامل الاقتصادية ممثلة في الوضع الاقتصادي والتنمية وقدرة الشركات على الدفع والإنتاجية والاستخدام.
هل يمكن التطبيق؟
مجدي البدوي -نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر- قال في تصريحات صحفية إن اتحاد عمال مصر والمجلس القومي للأجور سيعقدان اجتماعاً قريباً لمناقشة تطبيق قرار رفع الحد الأدنى للأجر لـ2700 جنيه للعاملين بالقطاع الخاص أسوة بالحكومة. لكن في ظل امتعاض الشركات من الـ2400 جنيه لا يبدو أنهم يوافقون بـ300 جنيه إضافية.
الدكتورة هالة السعيد -وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية رئيس المجلس القومي للأجور- قالت إن قرارات العلاوة الدورية أو الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص حاولت مراعاة اعتبارات علي رأسها مصلحة العاملين وضرورة تحقيق زيادة مناسبة في الأجور. وكذلك مراعاة الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم.
باتريك بيلسير -الخبير الاقتصادي بمنظمة العمل الدولية- يرى أن دور الحد الأدنى للأجور هو توفير الحماية الاجتماعية لأصحاب الدخل المنخفض. وليس في تحديد الأجور عموما أو دور البديل عن المفاوضة الجماعية. بما يعني أنه مخصص للفئات الأقل دخلا فقط دون تعميمه على جميع العمال في الشركات التي يجب أن يكون راتبهم أعلى.
الأدنى للأجور وساعات العمل الإضافية
محمد. م. موظف في شركة نقل سياحي يقول إن أصحاب الأعمال يستغلون الظروف دائما لصالحهم. فحينما كانت السياحة في رغدها ومكاسبهم مضاعفة التزموا تطبيق الحد الأدنى على الموظفين الصغار. وحينما تعرضوا لعثرات كان التفكير الأول هو خفض أجر العامل أو إبعاده.
يشدد “بيسلر” على ضرورة استثناء المخصصات والمدفوعات الخاصة بساعات العمل غير المعيارية أو ساعات العمل الإضافية من حساب الحد الأدنى. أو بعبارة أخرى لا يجب إجبار العمّال على العمل لساعات إضافية بهدف الحصول على الحدّ الأدنى للأجور. بجانب أن العمال يجب أن يتقاضوا الحدّ الأدنى مهما كان عدد القطع المنتجة أو النتائج المنجزة.
لكن تلك الأمور تتخلى عنها منشآت عدة في مصر. ففي ظل كورونا تم إجبار بعض العمال على العمل ساعات إضافية لتعويض غياب زملائهم مرضيا دون إعطائهم الأجر العادل لتلك الساعات. وأحيانًا يتم اعتبارها “مجاملة” من الزميل لزميله.
بعض المنشآت تتحدث عن انخفاض إنتاجية العامل المصري مقارنة بالخارج. خاصة فيما يتعلق بالالتزام بساعات العمل كاملة. ما يقلل من العائد الذي يعود على المؤسسة. مرتكنين لأحاديث قديمة عن أن فترة تركيز العامل لا تزيد على 50 دقيقة في اليوم.
لكن تقريرا صادرا عن مجموعة البنك الأفريقي للتنمية بدد تلك الأحاديث قبل عام حينما أكد احتلال الشباب المصري المركز الأول في إنتاجية العامل أفريقيا. بينما كانت الإنتاجية الأقل من نصيب زيمبابوي وليبريا وأفريقيا الوسطى.
لا يعني تطبيق حد أدنى أن يتم تلافي الاشتراطات الأساسية للعمل عموما من توفير أحوال العمل التي تصون الكرامة والحق في تلقى أجرا كافيا. والحق في يوم عمل محدود وفترات راحة مدفوعة الأجر بجانب الحق في المساواة في الأجر عند تساوي قيمة العمل.